أعتذر للقارئ عن تداعيات نفثات محموم, مصدرها لاطيور ولا خنازير, وإنما مصير ثروة مصر البشرية. ومع إطلالة عامين جديدين يتجول فكري حول أحوال ما آلت إليه أوضاع التعليم من تدهور. ويتجلي التذمر لدي معظم المواطنين في الأحاديث العادية وفي كتابات المتخصصين في شئونه, وفي تقارير الهيئات التشريعية والتنفيذية ومطالب المجتمع المدني بنقاباته وجمعياته ولقد ترددت الشكوي في صور وأشكال صاخبة مقلقة تبدو أحيانا يائسة في كثير من المناسبات, وخلال حقبة زمنية استطالت إلي أكثر من أربعة عقود من الزمان. الكل يشكو, والكل ينقد, والكل يصيح. مع ذلك فالكل متوقف وقانع بالتعبير عن سوء الحال, وكأنه قد أدي بذلك واجبه حيال هذا القدر المقدور, وفي انتظار حدوث المعجزات. وفي الأجواء الرسمية تبشرنا محاولات الإصلاح التعليمي من خلال خططها واستراتجياتها وتكنولوجياتها بأنها ستقضي علي حالات التدهور المزمنة في جسم التعليم, وبأنها سوف تثمر علي مدي زمني مستقبلي قريب آت. لكن عشرات من المؤشرات في تقييم أحوال التعليم ما تزال تشير إلي قصور مؤلم وأحوال متدنية ومستقبل لا يفصح عن إشراق. ويواصل فكري التساؤل هل من مخرج وانعتاق من هذا النفق المعتم للمنظومة التعليمية والتي هي ركيزة التنمية الوطنية ودعامة الأمن والدفاع القومي؟ ومع مواصلة التجوال الفكري توقفت عند بيت الداء والدواء المنقذ من الضلال, وذلكم هو هزال الموارد المادية المتاحة لتطوير التعليم, فهي الطاقة المحركة لكل تغيير, وللنقلة النوعية في مضامينه وحراكه. وهذا يستوجب( هبة) قوية في توفير الموارد الأساسية لحاجات التعليم الأساسية. هي هبة تعدل مسيرته في توجهها المنشود بقوة وثقة ودون تردد علي اعتبار أن التعليم قطاع سيادي, تتخلل سلامته وسداده كل قطاعات التنمية التي يمدها بما تحتاجه من قوي بشرية واعية وفاعلة في مختلف أهدافها القومية اقتصادية واجتماعية وسياسية وثقافية وإذ تؤكد علي هذه الحزمة من الأهداف نشير إلي ما تقتصر عليه الرؤية الرسمية في معظم الخطابات, حين تقتصر الرؤية علي تكيف التعليم للوفاء بحاجات سوق العمل. نحن لا نطور التعليم لكي يتواءم مع سوق العمل فحسب, وإنما مع ذلك وقبله وبعده, علينا أيضا أن نصحح موازين سوق العمل واختلالاته ونوسع آفاقه ومهاراته وفرصه وآلياته في سياق التنمية الذاتية الوطنية. باختصار فإن معالجة مشكلة ضآلة الموارد المخصصة والمتاحة للإنفاق علي المنظومة التعليمية. هي مسئولية تقع كفالتها علي المجتمع بأسره أي علي الدولة وعلي الشعب معا.ومن الجبهة الرسمية مطلوب من الدولة أن تعتبر التعليم أولوية متقدمة فعلا لا قولا في برامجها الإنمائية اقتصادا وخدمات. ومن خلال مؤشرات محددة, تتطلب هذه الأولوية أن يكون نصيب التعليم من الميزانية السنوية ما لا يقل عن18% من جملة قطاعات الأنفاق, وذلك بدلا من متوسط12% خلال السنوات الخمس الماضية. وفي مؤشر آخر يعني أن يرتفع معدل نصيب التعليم من الناتج المحلي الإجمالي إلي6% بدلا ما بين4.5%,35% في نفس الفترة. وعلي ممثلي الشعب في مجلسيه النيابيين والمجالس المحلية, ومختلف فئات المثقفين المطالبة الملحة لتحقيق تلك المستويات في مخصصات التعليم من جانب الدولة. أما عن الجبهة الشعبية وهيئات المجتمع المدني فإن دورها يتمثل في التفعيل الجاد لمبدأ المشاركة المجتمعية بالمال, وهو شعار مهم وفعال نردده دوما, ولا تجد له إلا صدي محدودا للغاية. وهي سند قوي لموارد الدولة في مواجهة الوفاء باحتياجات المنظومة التعليمية. وأعتقد في الواقع أنه مهما زادت الموارد الحكومية في الأفق المنظور فإنها تظل قاصرة عن تصحيح ما تراكم علي التعليم من أوجاع عبر السنين الطوال السابقة, وهذا مطلب يحتاج إلي مبادرات لتنظيمه وتطبيقه. وفي هذا الصدد تتجه خواطري إلي التركيز علي الجبهة المجتمعية بكامل هيئاتها, أفرادا وجماعات, لكي نتقدم نحو عمل مجد فاعل في مسيرة إنهاض التعليم. وأري رغم أني لست من رجال المال بأن نسعي إلي توفير مصادر تمويلية متعددة, بمقدار جنيه واحد ضريبة شعبية فرض عين لدعم التعليم. أشير باختصار وعلي سبيل المثال, إلي فرض جنيه واحد علي كل صاحب سيارة أن يتحمل دفع جنيه عند كل مرة يفول سيارته باستثناء سائقي التاكسي, وجنيه واحد علي كل تذكرة لدخول السينما أو المسرح أو الأوبرا أو المعارض الوطنية أو الدولية ونفس الجنيه الواحد علي تذكرة الطيران للمسافرين إلي الخارج, علي تذكرة الدرجة الأولي في القطارات, وعلي الإقامة في الفنادق. وينسحب ذلك علي استخراج وتجديد الجوازات وعقود الزواج ومعاملات الشهر العقاري, والمسافرين للحج والعمرة. وبعبارة أخري جنيه واحد علي كل مرفق تتمتع به أفراد الشرائح الاجتماعية الوسطي والعليا من خدمات ومعاملات. هذا اقتراح أعرضه للتأمل والإمكانية داعيا إلي تكوين لجنة شعبية من مختلف التخصصات والمواقع المجتمعية لمناقشته وبلورته ووسائل هيكلة تنفيذه ليمثل ضريبة متواضعة مخصصة لدعم التعليم من خلال قاعدة المشاركة الشعبية, بيد أن هذا لا يغني عما يمكن أن يقدمه القادرون من الأغنياء والأبرار من أحباب هذا الوطن من إسهامات سخية لدعم تعليم الملايين من صناع المستقبل في مصر المحروسة, كذلك أو أن أذكر الثقة في هذا الجنيه الذي سوف يؤدي إلي التحسن المستمر في العملية التعليمية, سوف يعطي كذلك الآلاف من أولياء الأمور من نفقات جريمة الدروس الخصوصية الآثمة والتي تقدر بحوالي13 مليار جنيه سنويا. والخلاصة أننا في حاجة ماسة علي تحويل المشاركة المجتمعية من شعار إلي واقع لدعم سيرة التعليم كما وكيفا وعدلا وجودة ونتاجا. وأثق في أننا قادرون علي عمل فعل مؤثر إيجابي بكل الوسائل الممكنة حتي لا نستمر في عمليات النقد والشماته, وكأنه أمر خارج عن إرادتنا ومصالحنا الشعبية والوطنية حاضرا ومستقبلا ولنتذكر المثل الإنجليزي لا تنقص من قيمة ما يمكن أن يصنعه رجل واحد, ونحن هنا ما يمكن أن يصنعه جنيه واحد