بينما تنشغل كل عاصمة عربية من المحيط الي الخليج بهمومها الخاصة, فإن هموم القدس تبدو الأكثر خطورة في المرحلة الحالية, ويكفي الإشارة إلي صدور قرار إسرائيلي أخير يعزز الأنشطة الاستيطانية بشكل كامل بالمدينة المقدسة والمضي قدما في تنفيذ مخطط تهويد يستهدف طرد بقايا السكان الفلسطينيين وتدمير منازلهم, ويتجاهل كل النداءات الدولية الداعية لوقف هذا المخطط الاستيطاني المعارض للمواثيق الدولية وفي مقدمتها اتفاقيات جنيف ولاهاي. والمخطط الاسرائيلي الأخير يحول في الأساس دون إقامة دولة فلسطينية وعاصمتها القدسالشرقية, من منطلق ان المجتمع الدولي يرفض ضم مدينة القدس باعتبارها مدينة محتلة, ويبدو واضحا ان إعلان الرفض الدولي اعلاميا أو في قاعات المحافل الدولية لم يعد يكفي مع استمرار اسرائيل في تجاوز كل الخطوط الحمراء وتجاهل كل القرارات الدولية, ومن ثم فإن هموم القدس بالفعل الأكثر خطورة علي أجندة الجامعة العربية من ناحية وأجندة السياسة الخارجية لكل دولة عربية. ومع استرجاع أجندة المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية التي تحددت منذ أوسلو1993 وهي قضايا( القدس, اللاجئين, المياه, الحدود, الترتيبات الأمنية) فإن القدس هي القضية الوحيدة التي لم تطرح علي أجندة التفاوض باستثناء مبادرة الرئيس الأمريكي بيل كلينتون عندما نجح في استضافة عرفات وباراك في كامب ديفيد عام2000 لمحاولة حسم قضية القدس خلال العام السابق لمغادرته البيت الأبيض في20 يناير2001, وبعدها تولي شارون رئاسة الوزارة الإسرائيلية وأطاح بقضية القدس طوال ست سنوات عجاف مكثها في رئاسة الوزارة, واستكمل خلال حكمه مخطط تهويد القدس وحتي مثوله للغيبوبة منذ بداية عام.2007 هكذا ظلت قضية القدس مستبعدة سنوات طوالا من أجندة التفاوض, ولم يستطع الرئيس الأمريكي بوش الاقتراب منها وإن كان قد أوردها في سياق مبادرة( خريطة الطريق) عام2003 والتي سرعان ما تجمدت ولم تستكمل مراحلها بعد, وعندما اقترب الرئيس بوش من موعد نهاية رئاسته أراد ان يكرر تجربة بيل كلينتون لعله يترك أثرا يحسب له لو نجح في تحقيقه ليعوض الإخفاقات المتعددة لسياساته علي مستوي الشرق الأوسط الكبير وغيره من المناطق الأخري للمعمورة التي أشاع فيها( الفوضي البناءة). ومن هنا جاءت مبادرة الرئيس بوش في سبتمبر2007 للدعوة الي اجتماع أنابوليس الدولي, ورغم الغموض الذي ظل يهيمن علي الدعوة الي هذا الاجتماع طوال ثلاثة أشهر قبل انعقاده في ديسمبر2007 فإن الرئيس بوش أدلي بتصريح خطير وللمرة الأولي في أكتوبر2007 في سياق خطابه بولاية بنسلفانيا أعطي مؤشرا للهدف الأساسي المتوقع ان يسفر عنه الاجتماع الدولي, حيث أفصح الرئيس بوش للمرة الأولي ان اسرائيل قد وافقت علي رؤيته للسلام بدولتين, مقترحا جعل القدس عاصمة للدولتين مع إلغاء حق العودة للاجئين الفلسطينيين, وأضاف بوش أنه متفائل جدا بغرض إقامة دولة فلسطينية بجوار اسرائيل التي أدركت كما ادعي آنذاك ان قيام هذه الدولة الفلسطينية سيكون في مصلحتها باعتبار ان عدم قيام الدولة الفلسطينية الديمقراطية سيضع اسرائيل تحت رحمة التغيرات السكانية في وقت غير بعيد. وتمضي الأيام بعد انعقاد اجتماع أنابوليس الذي لم يتطرق إلي صلب الرؤية الأمريكيةالجديدة للسلام تحديدا, وجاء الدور بعد ذلك علي أولمرت رئيس وزراء اسرائيل الذي أدلي بتصريحات في أول يناير2008 مؤيدة لرؤية الرئيس بوش, مؤكدا ضرورة ان يقتنع الإسرائيليون بانه حتي أصدقاء اسرائيل المقربون علي الساحة الدولية( ويقصد الولاياتالمتحدة تحديدا) يرون ان مستقبل اسرائيل يقوم علي أساس حدد عام1967 مع تقسيم القدس, وقال إن العديد من الأحزاب الاسرائيلية ظل بعيدا عن الحقيقة التي تطلب من اسرائيل التوصل الي حل وسط فيما يتعلق بأجزاء من الأراضي التي احتلت عام1967 للحفاظ علي الهوية اليهودية وهنا أفصح أولمرت دون حياء بضرورة ان تكون مستوطنة( معالية أدوميم) جزءا لا يتجزأ من القدس ومن دولة اسرائيل, وادعي ان الحديث عن المستوطنات لا يشمل معاليه أدوميم. ومع التذكير بالخلفية التاريخية للمفاوضات السابقة ودروسها المستفادة فإننا لا نتوقع مفاوضات بريئة, ويكفي هنا التذكير بدروس أوسلو التي لن تنسي عندما تحدد رسميا يوم4 مايو1999 لإعلان قيام الدولة الفلسطينية في وثائق المفاوضات, ولم يتحقق علي أرض الواقع حتي الآن, حيث يعيش الشعب الفلسطيني معلقا علي وعد مراوغ بتحقيق هذا الأمل عام2008 علي أيدي الرئيس بوش وليس في الأممالمتحدة ولم يتحقق هذا علي أرض الواقع حتي الآن. ولعل دروس إخفاق المفاوضات السابقة تفرض علينا كأمة عربية الإعلان الرسمي لقيام الدولة الفلسطينية قبل التفكير في بدء جولة مفاوضات جديدة, وعلي أساس قيام دولة قابلة للحياة ذات تواصل جغرافي لا يشكل الجدار العنصري العازل تحديدا للدولة الفلسطينية, وأن تكون القدسالشرقية عاصمة لها أو القدس الكبري عاصمة مفتوحة للدولتين.