كثيرة هي الشكاوي, وكثير هو الأسي والتحسر علي الإنسان والإنسانية.. فهذه أصيبت بخيبة أمل في زوجها الذي اعتقدت أنه لايمكن ان تفتر عاطفته تجاهها أو أن تزوغ عيناه, وتلك تعرب عن صدمتها في والدها الذي كان بالنسبة لها أسطورة ورمزا للطهر والتقي والعفاف.. ولايخلو الأمر من رجل يئن من زوجته التي أهملت زينتها, ولاتنفك تشكو وتتذمر, وقد كانت أيام الخطوبة كالفراشة في روحها, والغزال في قوامها, وست الحسن في طلعتها. لقد ظن هؤلاء وغيرهم أنهم يتعاملون مع مخلوق آخر غير ذلك الإنسان الذي خلقه الله علي تلك الطبيعة, وهل يمكن أن يصبح الإنسان ملاكا أو أن يحمل الإخلاص وتلك المشاعر المتوهجة وذلك الفيض العاطفي طوال الوقت, وهل سمي القلب قلبا إلا لتقلبه؟! ألم يكن الرسول الكريم يطلب من رب العزة أن يثبت ذلك القلب علي دينه؟ نحن نحمل الآخرين فوق طاقتهم عندما نطلب منهم أن يكونوا ملائكة أبرارا لايصدر عنهم خطأ أو خطيئة.. ونحن نظلم من نحب عندما ننتظر منه ماليس في قدرته أو من طبيعة ذلك المخلوق الضعيف( وخلق الإنسان ضعيفا) والذي تتنازعه الصراعات والشهوات والأهواء.. ونزيد في قسوتنا اذا لم نتجاوز لأحبابنا عن بعض اللمم أو الزلات, خاصة اذا اعترفوا بالخطأ وعزموا وتعهدوا بألايعودوا لذلك مرة أخري.. وليس بعيدا عن هذا الشأن اتهام من نرجو ونحب بأمور لو تدبرناها لرأينا أننا مغالون فيها وغير منصفين, فلم يصبح الإنسان أقل برا وحنانا علي والديه وإخوته بعد أن تزوج وأنجب, كما أنه لم يصبح أقل اهتماما وسؤالا علي أصدقائه وزملائه وإنما هي طبيعة الأمور.. لقد أصبح زوجا وأبا وتولدت لديه مسئوليات جديدة, وأصبح هناك شركاء وأصحاب حق في تلك المشاعر وذلك العطاء.. فثروة العاطفة قد تشبه ثروة المال, فعندما تتسع دائرة المستحقين لثروة المال طبيعي أن يقل استحقاق الفرد منها, فالزوجة والأبناء أصبحوا شركاء في ثروة العاطفة والمودة والقرب.. فبيت القصيد في ذلك الأمر أن ننظر إلي الأمور علي طبيعتها وان نتعامل مع الانسان علي أنه إنسان يصيب ويخطيء, يسمو حينا وينتكس حينا آخر.. يهزم شهواته مرات وتهزمه مرات. وحكاية الصحابي( حاطب بن أبي بلتعة) جديرة بأن تذكر في هذا السياق.. فقد شهد حاطب الغزوات مع الرسول, ومع ذلك ارتكب جرما يطلق عليه الآن( الخيانة العظمي), عندما أرسل للكفار يخبرهم من أمر الرسول وأسراره.. كان من الطبيعي أن يقتل حاطب جزاء فعلته وهذا مانادي به الكثيرون, وقال عمر: يارسول الله, دعني أضرب عنق هذا المنافق. فقال:( إنه قد شهد بدرا, ومايدريك لعل الله قد اطلع علي من شهد بدرا, فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم). فالحسنات يذهبن السيئات.. ونحن بشر.. وارد أن نضعف ونخطيء, ولكن الخطأ الحقيقي هو أن نظل منتكسين لانحاول الصعود من جديد.. الخطأ الأعظم أن نستسلم للنفس وشهواتها وألا نحاول أن نروضها وندربها ونشحذها دائما لتقاوم ولترتقي الي اعلي في مقاومة تلك النفس الأمارة بالسوء التي تحاول جذب الإنسان دائما إلي طين الأرض الذي خلق منه ذلك الجسد.. والأمر الذي قد يكون قد غاب عن بعض الأزواج والزوجات أنهم ينتظرون من أزواجهم أن يكونوا بشرا بمواصفات ملائكية.. وهذا غير ممكن. ولله در الشاعر: اذا أنت لم تشرب مرارا علي القذي ظمئت.. وأي الناس تصفو مشاربه؟ فليس من الحكمة المبالغة في الحب, أو البغض أو المبالغة في حسن الظن أو سوئه, وكم هو جميل ذلك التعريف الذي يصف الفضيلة بأنها سلوك يقع بين رذيلتين, فالبخل رذيلة والإسراف رذيلة وبينهما يقع الاقتصاد, والجبن رذيلة والتهور رذيلة وبينهما تقع الشجاعة.. وكذلك الحب فضيلة تقع بين الهوس والجفاء. وحتي تكتمل الصورة لابد أن نؤكد اننا لانبحث عن تبرير أو تسويق لمن أخطأ أو لمن يفكر في اقتراف خطأ أو ذنب من الذنوب.. ولكننا نتحدث عن أن تلك أمراض قد تصيب البشر مثلها مثل الأمراض العضوية, فهل أترك المريض لمرضه أم ألتمس له العلاج ليعود من جديد إلي معترك الحياة؟.. وعظمة الدين واضحة في مساعدة النفس البشرية الضعيفة في مواجهة تلك الرياح والأمواج العاتية التي تعتريها في رحلتها القصيرة فوق هذه الأرض.. رضا نبيه سليم [email protected]