عرفت الدكتور عبدالصبور شاهين أول ماعرفته حين دعوته للحوار حول تفسير ابن باديس في إذاعة القرآن الكريم في أول عهدها بالبرامج بعد أن كانت مقصورة علي القرآن المرتل فقط . وكان ذلك في مارس1966 م وحين طلبته وحددت له الموضوع وحددت معه موعد التسجيل اتصل بي قبل حضوره وقال انه أعد الموضوع وراجعه علي أستاذه فاحترمت فيه هذا الاعتراف الذي لم أطلبه منه والذي يعني أنه سيظل طالبا للعلم معترفا بفضل أساتذته عليه, ثم توالت اللقاءات الي أن انقطعت فترة لسفره وفترة لسفري. وفي السبعينيات كانت هناك اتفاقية اعلامية مع عمان لتبادل البرامج, وأخذ الدكتور عبدالصبور علي عاتقه تقديم برنامج متميز لعمان حول الثقافة الاسلامية حيث قام بدور المذيع واستضاف في هذه الحلقات رموز الفكر الإسلامي وكانت لديه قدرة عالية علي أن يسجل في اللقاء الواحد خمس حلقات لايفصل بينها إلا تغيير الضيوف ولم يقتصر دوره علي مجرد طرح الأسئلة بل كان مشاركا بفكره ويفتح المجال لحديث المشاركين له في اللقاء. ثم كان له دوره الواضح والحيوي في المشاركة في ندوة الرأي التي كانت تذاع بالتليفزيون المصري في يوم الجمعة من كل أسبوع وفي وقت مشاهدة متميز بحيث يلتف حولها جمهور عريض من المشاهدين. وكان لندوة الرأي دور كبير في رجوع كثير من الشباب عن الفكر الغريب علي وسطية الإسلام. ولايمكن أن نغفل دوره كعضو في مجلس الشوري مجلس الحكماء حيث كانت مشاركته مشاركة إيجابية ترك بها بصمة في عالم السياسة. ولاشك في أن مسجد عمرو بن العاص يشهد له حتي اليوم كخطيب له جاء بعد الشيخ محمد الغزالي وكانت له مدرسة في الخطابة بعيدة عن المحسنات اللفظية وإن كانت لاتهملها ولكنها مدرسة في الموضوعية كمدرسة الشيخ الغزالي سواء بسواء, كانت خطبه تتحدث عن حياة الناس ومنهج الاسلام الصحيح لمعايشة هذه الحياة, وإذا كانت خطب الشيخ الغزالي في التفسير الموضوعي لسور القرآن ومن خلالها الإلمام بحياة الناس, فقد ركز الدكتور عبدالصبور علي حياة الناس أكثر من خلال استعراض التاريخ الإسلامي وسير الخلفاء الراشدين. كانت جولاته وصولاته ومعاركه الفكرية يصرح بكلمة الحق دون أن يخشي في الله لومة لائم. وقد ظلم في قضية الدكتور نصر حامدأبو زيد فقد اقتصر رأيه في مجال التقييم العلمي علي أن أبحاثه لاترقي به الي درجة أستاذ, أما ماحدث بعد ذلك فلم يكن للدكتور عبدالصبور شأن به. وعندما استضاف التليفزيون المصري الدكتور نصر أبوزيد في وجوده بالقاهرة خلال إجازة من إجازاته قبل عامين وكانت علي الهواء طلب الدكتور عبدالصبور من الكنترول ان تكون له مداخلة تعليقا علي ماقيل, ولم يستجب لطلبه وأشهد الله وأنا مسئول عن ذلك ان هذه المعلومة علمتها من التليفزيون ولم أعلمها من الدكتور عبدالصبور. أما عن كتابه الأخير( أبي آدم) الذي خرج منه بأن هناك جنسا آخر قبل سيدنا آدم وبنيه, وإن كنت لاأتفق معه في ذلك, ولايتفق معه كثير من أهل العلم أو ان شئنا الدقة في التعبير أغلب أهل العلم وناقشوه وصححوا له اللبس الذي حدث منه وربما استجاب لهم, ومع ذلك يبقي هذا الأمر اجتهادا للدكتور عبدالصبور وهو من أهل الاجتهاد يحسب له بأجر رغم الخطأ الذي وقع فيه. ولذلك فإن الدرس الذي يستقي من هذه الواقعة أن عصرنا الحاضر لاينفع فيه الاجتهاد الفردي, وإنما يحتاج إلي الاجتهاد الجماعي من خلال المجامع العلمية المتخصصة كمجمع البحوث الاسلامية بالأزهر الشريف وإن كان يحتاج إلي استكمال تشكيله من كبار علماء العالم الإسلامي المشهور لهم بالفضل. ولأن الدكتور عبدالصبور بهذه المثابة, فقد اقترحت بعد انتقل الشيخ الشعراوي إلي رحاب ربه دون أن يكمل تفسير القرآن, اقترحت أن يقوم الدكتور عبدالصبور باستكمال الجزءين اللذين لم يفسرهما الشيخ( تبارك وعم) لأنه بهذا العلم والتخصص الدقيق هو الذي يستطيع أن يسير علي منهج الشيخ الشعراوي. ولن يغيب عنا الدكتور عبدالصبور فهو حاضر بيننا بعلمه وولده وصدقته الجارية فذلك قول سيدنا رسول الله صلي الله عليه وسلم: إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له وقد ترك هذه الثلاث بحمد الله. ولأن لغته الرصينة وأداءه الصوفي الجيد لعبارته ووقفاته الخطابية علي منبر سيدنا رسول الله صلي الله عليه وسلم وفي المحافل العامة فإن المثل العربي الأصيل قطعت جهيزة قول كل خطيب يصدق علي الأستاذ الدكتور عبدالصبور شاهين. اللهم لاتحرمنا أجره ولاتفتنا بعده واغفر لنا وله. محمد عبدالعزيز عبدالدايم أعلامي: من علماء الأزهر