في الفيلم التسجيلي الطويل فاوست الأمريكي: من كوندي إلي نيو كوندي, يرصد المخرج سيباستيان دوجارت ملامح العلاقة الأكثر من وطيدة بين وزيرة الخارجية السابقة كوندوليزا رايس والرئيس السابق أيضا جورج بوش. يقدم هذا الفيلم قراءة في سيرة الوزيرة الأمريكية التي أثرت بقوة في استراتيجية الدولة العظمي الأولي ورؤيتها العالم للعالم, وليس فقط في سياستها الخارجية, في فترة يوجد اتفاق واسع علي أنها تعتبر الأسوأ في علاقة الولاياتالمتحدة مع العالم. وينطلق الفيلم من أن الوزيرة كوندوليزا رايس لعبت الدور الأكبر في دفع الرئيس جورج بوش في هذا الاتجاه, بخلاف الاعتقاد الشائع في أن نائبه ريتشارد تشيني ووزير دفاعه دونالد رامسفيلد و حفنة أشرار المحافظين الجدد الذين تحلقوا حوله هم الذين اضطلعوا بهذا الدور. ولذلك فمن الطبيعي أن يثير الفيلم جدلا حول دور الآنسة رايس, والصورة التي رسمها لها مخرجه بدءا من العنوانفاوست الأمريكي المقتبس من الأسطورة الشعبية الألمانية التي ترمز للتحالف مع الشيطان. ويختزل هذا الاقتباس شخصية كوندوليزا رايس في امرأة حديدية مستعدة دوما للتحالف مع الشيطان من أجل تأكيد قوتها وتدعيم سطوتها, وتحقيق أهدافها في النجاح الشخصي والتفوق. وقد لفت الانتباه, في هذا الفيلم, عبارة قلت لزوجي بوش التي نسب إليها أنها قالتها في حفلة عشاء, ثم استدراكها موضحة أن الأمر ليس أكثر من زلة لسان. فأصبحت هذه العبارة, وما إذا كانت لها دلالة في علاقة رايس الوثيقة مع الرئيس, جزءا من الجدل الواسع الذي يثيره الفيلم حول مدي سلامة الصورة التي يقدمها للوزيرة الأمريكية الأوسع شهرة منذ هنري كيسنجر الذي سبقها بنحو عقدين من الزمان. فهل يوجد أي أساس لافتراض أن العلاقة الوثيقة التي جمعت الوزيرة رايس والرئيس بوش, وصلت إلي حد الزواج أو ما يشبهه؟ السؤال مثير, ولكن النتيجة التي يرجح أن تفضي إليها أية محاولة موضوعية للإجابة عليه قد لا تكون كذلك. ولا يرجع ذلك إلي صعوبة إثبات افتراض علاقة الزواج فقط. فالسياق العام للفيلم, كما مسيرة كوندوليزا رايس ونمط حياتها, يجعل هذا الافتراض ضعيفا للغاية. فالخط الرئيسي في هذا الفيلم هو أن الحصول علي أكبر مقدار من السلطة والقوة إثباتا للوجود وتدعيما للدور هو محور حياة كوندوليزا رايس, التي تضاءل فيها بالتالي ما هو خاص وشخصي لمصلحة ما هو عام وعملي. فهي صاحبة شخصية حديدة لايحتل التفكير في العلاقات الخاصة, ناهيك عن أن تكون حميمية, مساحة تذكر في حياتها. ولذلك فعندنا لاحت لها أول فرصة لتحقيق حلمها في القوة والسلطة والمجد, ووجدت فرصة للعمل في الإدارة الأمريكية بواشنطن, لم تتردد لحظة في أن تعصف بقلبها وتترك خطيبها لاعب البيسبول الذي كانت قد أحبته في مقتبل حياتها. وهكذا, فما أن وجدت بابا صغيرا يمكن أن تطرقه بأمل العثور علي الطريق المؤدية إلي القوة والمجد حتي أغلقت باب قلبها وحياتها الخاصة بضبة ومفتاح. والأرجح أنها ألقت هذا المفتاح في يم لا قرار له, حتي لا تبحث عنه مرة أخري, واختارت طريق العمل بالسياسة التي كان أهم ما تعلمته من دراستها الأكاديمية لها أن القوة هي التي تصنع التاريخ. ولم يثبت, منذ ذلك الوقت, أنها أعادت النظر في هذا الاختيار, بالرغم ممن أوحي به اهتمامها بمظهرها وتخليها عن الملابس ذات الطابع الرجالي من ناحية والإشاعات التي طاردتها في هذا المجال من ناحية ثانية. فأما الاهتمام بمظهرها فقد تجلي في حرصها خلال السنوات العشر الأخيرة بصفة خاصة علي أناقتها, إذ صارت ترتدي التايير و الجيبة بدل البنطلون, والأحذية عالية الكعب بدل تلك التي تشبه أحذية الرجال, وتميل إلي الألوان الزاهية بدل الداكنة. وساعدها في ذلك أنها ظلت محتفظة برونقها في العقد الخامس من عمرها, وحتي بعد أن دخلت عقدها السادس. بقي وجهها الأسمر مشرقا تضفي عليه أسنانها البيضاء البارزة رونقا. وأما الشائعات التي طاردتها فكانت أقواها عام2006 عن علاقة عاطفية محتملة مع وزير الخارجية الكندي حينئذ بيتر مكاي الذي صحبها طول زيارتها الرسمية إلي بلاده, وأخذها إلي ستيلرثون حيث مسقط رأسه واستقبلها والداه بحفاوة شديدة, كما ذهب معها في نزهة طويلة في سيارة ليموزين. ويبدو أن كلامه عنها غذي تلك الشائعة, إلي حد أن صحيفة بحجم نيويورك تايمز تطرقت إليها. فقد قال عنها إنها امرأة رقيقة للغاية, ولاحظ أن هناك ما يجمعهما في نظرتهما إلي الحياة وما يفضلانه فيها, وأنه وجدها تعشق المحيط مثله وتترك نوافذ حجرتها مفتوحة أثناء نومها مثلما يفعل. وذهب إلي ما هو أبعد مثيرا شهية هواة التفتيش في القلوب بحثا عن سهم كيوبيد عندما تحدث عن وجود كيمياء بينهما. وهناك اعتقاد شائع في أنه إذا وجدت كيميا بين رجل وامرأة كان هذا مؤشرا علي اهتمام يتجاوز الإعجاب إلي ما هو أبعد منه. غير أن القصة انتهت عند ذلك الحد, وتبين أنها شائعة تردد مثلها مرات ولكن بدرجة أقل. فليست رايس هي المرأة التي يمكن أن تفكر في اللحاق بقطار الزواج في محطته الأخيرة, لأنها لم تر أبدا إلا قطار التاريخ الذي حلمت بأن تركبه فتسني لها أن تشارك في قيادته لسنوات قضتها بالقرب من بوش مستشارة للأمن القومي ثم وزيرة للخارجية. وإذا كان الخلاف علي ما ذهب إليه الفيلم, وهو أنها هي التي قادت ذلك القطار, سيبقي مستمرا لأن روايات أخري تذهب إلي أن تشيني ورامسفيلد لعبا أدوارا لاتقل تأثيرا, فلا خلاف يذكر علي أنها تتحمل مسئولية كبري عن الجرائم التي ارتكبتها إدارتا بوش في منطقتنا. وقد ألقي الفيلم ضوءا شديد الكثافة علي مسئوليتها هذه واعتبرها فاوست أمريكا, علي نحو لابد أن يثير السؤال عن الطريقة التي تنظر بها هي إلي هذه الصورة. وربما نجد إجابة ما علي هذا السؤال في كتابها الذي قالت, عقب مغادرتها الخارجية الأمريكية العام الماضي إلي معهد هوفر للأبحاث في جامعة ستانفورد, أنها ستصدره. فقد يكون هذا الكتاب شديد الأهمية إذا قدم تفسيرا يقبله العقل لما فعلته. وقد يكون كتابا عابرا إذا جاء تجميلا لصورة سياسية قبيحة.