لم يكن غريباً أن تنال مشيرة خطاب وزيرة الدولة لشئون الأسرة والسكان وسام "الفارس الأعظم" من إيطاليا، وهو وسام رفيع من الدرجة الأولى. وهو الوسام الذى تسلمته أمؤخراً في احتفالية كبيرة أقيمت في مقر السفارة الإيطالية بالقاهرة.. حيث قدمت لها مارا كارفانيا وزيرة تكافوء الفرص بايطاليا الوسام بالنيابة عن رئيس الجمهورية الإيطالية، الوسام هنا له دلالة خاصة, فهو ليس مجرد تكريم للجهود المتواصلة لمشيرة خطاب واعترافا بالنجاحات التي حصدتها خلال مشوارها العملي في مجالي الطفولة والأمومة, بل هو تكريم أيضا للحكومة المصرية وقيادتها السياسية.. وكيف لا يكون ذلك وهو بمثابة شهادة دولية جديدة لمصر في مجال حقوق الإنسان والمسيرة الحافلة التي تقودها السيدة الفاضلة سوزان مبارك. مشيرة خطاب امرأة فوق العادة.. تعمل ليلاونهارا من أجل حماية حقوق الأطفال والنساء.. تسعي بكل طاقاتها كي تنال الطفلة المصرية حقوقها.. أسرة صغيرة تنعم بالاستقرار والحياة الآمنة هو حلم حياتها.. وفي سبيل تحقيق هذا الحلم الثمين والارتقاء بحقوق الأطفال والنساء. لم تدخر مشيرة خطاب جهدا في السعي والعمل الحثيث والدأب المتواصل.. تذهب اليالقري.. تطوف بالنجوع.. تطلق الحملات.. تعقد المؤتمرات.. تعد أجندة واضحة.. تضع نصب عينيها وفي مقدمة أولوياتها التنمية الاجتماعية والحقوق الإنسانية ومنها حقوق الأطفال والنساء.. بمناسبة هذا التكريم كان للأهرام هذا الحوار معها.. في بداية الحوار سألت الوزيرة: ماذا يمثل لك هذا التكريم وكيف يمكن أن يفيد هذا الوسام مصر ؟ قالت: هذا الوسام يفيد مصر لأنه إنجاز في مجال حقوق الإنسان يعني اعترافا من العالم بأننا قمنا بعمل جيد في صميم حقوق الإنسان. فنحن في الوزارة وفي المجلس القومي للطفولة والأمومة نتعامل مع كل القضايا التي نعمل عليها من منظور حقوقي إنساني.. وهذا الوسام اعتراف بذلك من رئيس دولة صديقة وبناء علي اقتراح من وزير الخارجية الإيطالي ونائب رئيس مجلس الشيوخ الإيطالي. لذلك أعتبره وساما علي صدر مصر وتتويجا للجهد الكبير الذي تقوده السيدة الفاضلة سوزان مبارك, والتي أهدي إليها هذا الوسام. أعلم أن الدول المانحة هي التي تسعي اليوم للتعاون مع الوزارة.. فكيف حققتم هذا الإنجاز ؟ تحقق لأن لدينا رؤية وبرامج ولأن المانحين يستفيدون مثلنا تماما.. والدليل علي ذلك أنه بعد نجاح مشروع مكافحة الفقر والحقوق القانونية للأطفال والنساء طلب الجانب الإيطالي شريكنا في المشروع تنظيم مؤتمر إقليمي لنعرض فيه نتائج هذه التجربة الناجحة. وهذا ما حدث أخيرا حيث تمت دعوة13 دولة عربية وأفريقية وآسيوية لمشاهدة نتائج تجربتنا التي تعتبر مصدر فخر للجانب الإيطالي مثلما هي مصدر فخر لنا, لأن هذا التعاون تم وفقا لشروطنا وأولوياتنا ورؤيتنا وتصوراتنا وبصورة شفافة تماما. وأحب أن أشير هنا إلي أن جزءا كبيرا من مساعدات الدول المانحة( حوالي80% منها) يذهب للجمعيات الأهلية, لأن العمل معها جزء من العمل مع المجتمع.. لذلك فإننا عندما نريد رفع الوعي في قضية معينة نتوجه إلي جمعية أهلية وندربها ونمرنها ثم نتركها تعمل مع المجتمع لأن الجمعية امتداد له. هكذا أصبحنا اليوم بيت خبرة في التعاون مع الجمعيات الأهلية ولنا رصيد مشرف في تمكينها. ما نوع الشراكة مع الجانب الإيطالي ؟ إنها في الواقع شراكة من نوع خاص.. فنحن دولتان متوسطتان يجمعنا نوع من التقارب الثقافي والفكري الكبير.. لكن الأهم من حجم الشراكة بيننا طبيعة هذه الشراكة التي تقوم علي الندية والإحترام المتبادل واحترامهم لأولوياتنا ومساندتهم لنا. كما تتميز هذه الشراكة بأن المبادرة تأتي دائما من جانبهم حيث يوجد نوع من التعاطف والود بين الشعبين ينعكس علي المسئولين, هناك أيضا طبيعة القضايا التي نتعاون فيها مثل حماية النشء من المخدرات والفتيات من الزواج المبكر ومن الختان.. فكلها مبادرات تعتمد علي الإبتكار وعلي الدور الإيجابي للنشء الذين يتعلمون أن يصيغوا الرسائل بأنفسهم وأن يقولوا لا للمخدرات. كما قمنا برفع الوعي بحقوق الطفلة وأكدنا حقها في الحماية من الزواج المبكر ومن الختان ومن الحرمان من التعليم.. وهذا أسلوب غير تقليدي في التناول. كذلك هناك تعاون في مجال الإعلام الاجتماعي الذي يسعي إلي تغيير النظرة تجاه بعض الممارسات الضارة وتحرير الإنسان منها لأنها تشكل انتهاكا لحقوقه. وفي هذا الإطار أيضا كانت هناك مبادرات للأطفال لكي يصيغوا الرسائل بأنفسهم.. وكانت هناك أيضا مبادرات للجمعيات الأهلية. تعاوننا أيضا مع الجانب الإيطالي في مجال الحقوق القانونية ومكافحة الفقر وقدمنا شهادات ميلاد وبطاقات تحقيق شخصية للمئات. وقريبا سيكون هناك تعاون من أجل القضاء علي سوء التغذية وبرامج للأطفال ذوي الإعاقة. فالشراكة مع إيطاليا حجمها كبير وصفاتها أهم من الحجم لأننا نكون مرتاحين جدا ونحن نعمل معهم لأننا نشعر أن هناك إحتراما لرؤيتنا وأن لنا القيادة وإنهم دائما مساندون لنا. فالمعروف أنه عندما ترغب دولة في تقديم منح أو مساعدات فإنها تقدمها لبعض المؤسسات الدولية مثل البنك الدولي أو برنامج الأممالمتحدة الإنمائي أو مكتب الأممالمتحدة لمنع الجريمة والمخدرات, ولا تظهر في الصورة بعد ذلك.. وتكون المعاملة بين متلقي المنحة والمؤسسة الدولية.. ولكننا في شراكتنا مع الجانب الإيطالي غيرنا هذا الوضع.. فهم دائما معنا في كل مراحل التنفيذ وفي لجان التيسير لأن لهم رؤية وإسهام فنيا كبيرا جدا. كذلك يجب ألا نغفل ونحن نتحدث عن إسهامات إيطاليا دور القطاع الخاص الإيطالي الذي يسهم ويتعاون معنا في تنفيذ برامج في عدة مجالات.. فشركة أسمنت السويس مثلا تتعاون معنا في برامج ننفذها في مناطق فقيرة ومحرومة مثل المعصرة وكفر العلم لإصحاح البيئة وتدريب الأطفال في المناطق العشوائية علي حماية البيئة.. فأصلحنا وطورنا حوالي2000 مدرسة, وسوف نقدم أغذية لعشرين ألف طفل ونقوم بسداد مصروفات المدارس عنهم.. فالقطاع الخاص الإيطالي يقوم بدور كبير وبمبادرة منه. فهذه خصوصية الشراكة مع إيطاليا, لأن معظم القضايا التي نتناولها بمنظور حقوقي والخاصة بحماية حقوق الأطفال والنساء أصبحت تحتل في إيطاليا أهمية كبيرة جدا تعادل الأهمية السياسية وتعامل بالتالي كقضايا سياسية مما يعكس مدي التقدم الذي وصلت إليه. وأتمني أن ننظر إلي هذه القضايا بهذا القدر ومن هذه الزاوية وليس فقط علي أنها قضايا اجتماعية لأنها اليوم أصبحت تحتل الأولوية في العمل السياسي الداخلي والدولي ولا يمكن الفصل بينهما.. لأننا إذا نظرنا إلي الأممالمتحدة مثلا فسوف نجد أن حجم النقاش الذي يدور في الأروقة وفي اللجان المختلفة للجمعية العامة أو في مجلس الأمن أو في المجلس الاقتصادي والاجتماعي يركز علي قضايا حقوق الإنسان وقضايا التنمية البشرية, وتحتل هذه القضايا مساحة أكبر من المساحة التي تحتلها النزاعات السياسية أو القضايا الأخري, ونجد أن مجلس الأمن الذي هو مهمته الأساسية حفظ السلام والأمن الدولي يصدر قرارات تتعلق بالمرأة ومشاركتها في صنع السلام وقرارات خاصة بحماية الأطفال من الانخراط في النزاعات المسلحة ويضع خطة العمل لتنفيذها ويحرص علي متابعتها. وذلك لأن هذه القضايا بدأت تأخذ اليوم بعدا سياسيا بعد أن شهدت الألفية الجديدة تركيزا علي تنفيذ اتفاقيات حقوق الإنسان. لذلك أنا أفخر بأن مصر اليوم رغم كل ما يتردد من دعاوي فيسجل حقوق الإنسان وخلافه حصلت علي شهادة من جهة خارجية في قضايا متعلقة بحقوق الإنسان. ماذا عن مجال السكان.. وهل حدث أي تقدم فيه منذ إنشاء الوزارة9002 ؟ مجال السكان مهم جدا ومصر حققت شوطا كبيرا فيه, وهناك تعاون مع الوكالة الدولية للتنميةUSAID ووزارة الصحة. وقد قمنا في الوزارة الجديدة منذ إنشائها بتنفيذ برامج عديدة تتعلق بالقضية السكانية انطلاقا من البرامج التي ينفذها بالفعل المجلس القومي للطفولة والأمومة حيث وسعنا دائرة الاهتمام والأنشطة لتشمل القضية السكانية.. ولم يكن ذلك صعبا لأن القضايا كلها مرتبطة ببعضها. وأعترف أنني عندما كنت أشغل منصب أمين عام المجلس القومي للطفولة والأمومة لم تكن القضية السكانية في ذهني مثلما أصبحت في ذهني الآن, وأنا أشغل منصب وزيرة الأسرة والسكان لأنني عندما كنت أمين عام المجلس كنت أتناول قضية عمالة الأطفال من منظور أنها تحرم الطفل من حقه في التعليم واللعب وتعرضه للخطر.. لكني اليوم بعد أن أصبحت مسئولة عن الملف السكاني بدأت أري فيها ارتباطا وثيقا مع الزيادة السكانية الضارة التي تؤدي إلي هدر حقوق الطفل لأن معظم الأطفال العاملين ينتمون إلي أسر عدد أفرادها كبير, وقرار الإنجاب فيها لا يحكمه الطموح بل علي العكس فإنه يكرس التهميش لأن الإنجاب يتم بدون تخطيط ويحرم الطفل من التعليم ويدفع به إلي سوق العمل في سن مبكرة فيحكم عليه ألا يرتقي في السلم الاجتماعي لأن الارتقاء فيه يحتاج إلي تعليم. لذلك حرصت علي أن تأخذ القضية السكانية اليوم رافدا جديدا مهما جدا وهو المجلس القومي للطفولة والأمومة والمجلس القومي لمكافحة الإدمان والصندوق المصري لعلاج ومكافحة الإدمان والتعاطي.. وهكذا حققنا تكاملا وتشبيكا واستفادة أعظم من الموارد, لأن من يعمل علي القضية السكانية اليوم عينه علي قضايا التنمية البشرية.. فالقضية السكانية وإن كانت تعني خفض عدد السكان, إلا أننا نهتم أيضا ونركز علي جودة الحياة للسكان.. فهذا مهم جدا لنا.. لكن التحدي الأساسي الذي يواجهنا اليوم هو كيفية إقناع المواطن بأن يخطط لأسرة صغيرة وأن يكون قراره في الزواج والإنجاب قرارا عقلانيا ولديه طموح لكي يكون ابنه أفضل منه. لماذا لم تتم الإستفادة من تعاون الجانب الإيطالي في مجال السكان ؟ إننا اليوم نركز علي مرحلة ترتيب البيت الداخلي وإستثمرنا الكثير في بناء قدرات العاملين في المجلس القومي للسكان سواء في القاهرة أو الفروع ووضعنا خطة ركزت علي الجيوب ومناطق الخطر في ريف الصعيد حيث توجد881 قرية من أفقر القري التي يعمل عليها حاليا المجلس القومي للطفولة والأمومة.. وسوف نضيف إلي أنشطته هناك القضية السكانية.. وسوف نضع خطة مثلها لريف وجه بحري وخطة أخري للعشوائيات, وأهم ما يميز هذه الخطط أنها تعتمد علي رفع الوعي وإدارة المعلومات السكانية والرصد والمتابعة والحوافز والاتصال المباشر. لكن هذه الخطة تحتاج إلي عمل كبير ووقت وتنسيق كبير بين المجلس القومي للطفولة والأمومة والمجلس القومي للسكان وقطاع الإدمان لأننا ننزل بقوة في هذه القري لنتحدث عن القضية السكانية.. أنا أعلم أن هناك قلقا من الزيادة السكانية الرهيبة ولكن لكي ننجح في خفض هذه الزيادة يجب أن يكون هناك اقناع للسيدة وزوجها وحماتها أن طفلين كفاية. هذا الإقناع يتحقق بحزمة أعمال منها الحوافز مع تطبيق القانون مع التوعية والاتصال المباشر.. وهذا الاتصال يتم من خلال الرائدات الريفيات اللاتي يتبعن وزارة الصحة, وألف صديقة للأسرة عينتهن وزارة الأسرة والسكان ليعملن علي حزمة القضايا التي نعمل عليها في كل القري وهي التوعية بأهمية تسجيل المواليد والتطعيم والتعليم ومنع الزواج المبكر ومنع الختان والاكتفاء بطفلين في الأسرة. فهؤلاء الصديقات هن السفيرات اللائي سوف يغيرن الفكر السائد في القري. كذلك نتعاون في مجال القضية السكانية مع وزارة التربية والتعليم حيث تم وضع خطة ومراجعة للمكون السكاني في المناهج وأرسلناها إلي وزير التربية والتعليم. وهناك تعاون أيضا بين الوزارة والمجلس القومي للسكان والمجلس الأعلي للجامعات.. فاليوم أصبحت الجامعات منخرطة بالعمل معنا في القضية السكانية. معارك عديدة خاضتها مشيرة خطاب بنجاح, فاستحقت عن جدارة لقب الفارس الأعظم.. لكن الطريق لا يزال طويلا وشاقا, فملف قضية السكان يحتاج إلي جهد ودأب شديدين وأحسب أنها قادرة علي إحراز مزيد من النجاحات.