مساء السبت الماضي اختتمت القمة العربية الاستثنائية أعمالها في مدينة سرت الليبية بعد أن شارك فيها15 رئيسا, وعدد كبير من الوفود العربية, وجاءت تطبيقا لقرار قمة سرت العربية في مارس الماضي, والتي عقدت لبحث تطوير العمل العربي المشترك وتحويل الجامعة إلي اتحاد عربي, غير أن القمة انتهت إلي ضرورة اعادة صياغة مشروع بروتوكول التطوير المقترح, علي أن يعرض علي المجلس الوزاري لجامعة الدول العربية بعد3 أشهر لاتخاذ مايلزم بشأنه. ربما تكون الحسنة الوحيدة لجامعة الدول العربية تكمن في التنسيق السياسي بين دولها خاصة فيما يتعلق بقضية الصراع العربي الإسرائيلي, والموقف من الاراضي العربية المحتلة.. أما دون ذلك فان الخلافات بين الدول العربية هي المهيمنة علي ساحة العمل العربي المشترك ولايوجد تعاون مؤسسي عربي حقيقي يستفيد من الامكانات العربية الهائلة, اجتماعات تعقد ثم تنفض دون تقدم حقيقي ملموس يشعر به المواطن العربي, وحتي مواعيد الاجتماعات كانت دائما محل خلاف حتي وقت قريب, وبعد جهد استطاعت دول الجامعة اتخاذ موقف لثبيت موعد القمة السنوية والاتفاق علي امكانية عقد قمم استثنائية أو تشاورية أخري, والاتفاق كذلك علي عقد قمم اقتصادية منفصلة لمناقشة سبل التعاون الاقتصادي بين الدول العربية غير أن هذا التقدم لايزال بطيئا للغاية, ولايمثل الحد الأدني لطموح المواطن العربي من المحيط إلي الخليج الذي يتحسر كثيرا وهو يشاهد مايحدث في دول الاتحاد الأوروبي المتنوعة في اللغة والجنس والدين, وكيف أصبح الاتحاد الاوروبي دولة واحدة فعليا من حيث التأشيرة وفتح الحدود ونوعية العملة المستخدمة.. أما نحن العرب فقد تراجعنا خطوات وخطوات, وحتي الاغنية المشتركة امجاد ياعرب امجاد لم نعد نسمعها, واذا سمعناها لم ننصت اليها, وهكذا ذهبت ادراج الرياح, ولم يعد لنا سوي اجترار الذكريات مع عقد كل قمة حيث تبدأ بالأمنيات وتنتهي إلي لاشيء. واقع مأساوي تعيشه الدول العربية يتقدم مشهده ثلاثة اتجاهات ورؤي.. الأول يميل إلي فكرة الخلاص الفردي وضرورة أن تركز كل دولة علي أجندتها الخاصة لانه لافائدة من العرب أو التعامل معهم. الثاني عكس الأول تماما ويري أن الوحدة الاندماجية هي الحل وضرورة تحويل الجامعة العربية إلي اتحاد عربي موحد, لأن الابقاء علي الوضع الحالي يرسخ مفاهيم التشرذم والتفسخ العربي. مابين هذا وذاك يقف الاتجاه العقلاني في العالم العربي ويري ضرورة البدء بالتعاون خطوة خطوة خاصة في المجالات الاقتصادية وان يتخذ هذا التعاون شكلا مؤسسيا ولايرتبط بالافراد تحت أي مسمي, وان يتحصن هذا التعاون بخطوات تشريعية في الدول المشاركة بحيث يستحيل أن تتراجع هذه الدولة أو تلك لمجرد وقوع خلاف بين الزعماء أو حدوث أختلاف في وجهات النظر حول بعض القضايا الاقليمية أو العالمية. أعتقد ان رؤية مصر التي قدمها الرئيس مبارك إلي القمة الاخيرة هي الرؤية الانضج والأهم لانها تقوم علي فكرة التطوير المتدرج الذي يجمع بين الواقعية والطموح بحيث نصل في النهاية إلي اصلاح حقيقي لمنظومة العمل العربي المشترك. أفيقوا ياعرب وكفي65 عاما مهدرة بلا طائل حقيقي, فلم يعد هناك مكان لضعيف تحت الشمس, وإلا فان المواطن العربي سوف ينظر إلي تلك القمم علي أنها نوع من الفلكور الشعبي نستمتع به وقت انعقادها ولتذهب شعارات العمل العربي المشترك إلي الجحيم.