من فوق أكداس الكتب التي تعلو سطح مكتبي المكتظ التقطته يداي.. لفت نظري علي الفور الغلاف البديع وأعجبني قطع الكتاب: القطع المستطيل الصغير الذي تحتضنه يداك في يسر وسهولة. شدتني الصورة وأعجبتني في آن: بيت قديم من الحجر, نافذته الحديدية مواربة وأمامه تقبع دراجة تستند إلي الحائط الحجري. هذه الصورة الأبيض والأسود ماذا توحي معها؟ ثمة حياة تموج في هذا البيت القديم.. وثمة أناس يعيشون بين جدرانه وحوائطه العتيقة.. يحبون بعضهم البعض؟ ربما.. يتعاركون ويتقاذفون بالكلمات ؟ ربما أيضا.. هل تعد ربة البيت وجبة ساخنة لأفراد أسرتها, أو لعلها تنتظر عودة أحدهم ؟ ربما.. المهم أن ثمة حياة تحيط هذه الجدران, بكل ما تحمل هذه الكلمة من معان ودلالات.. الغلاف الخلفي حمل معه أيضا كلمات تشدك علي الفور: كل شئ قيل ليس في الأمر جديد كل ما قلناه قيل لم نزد شيئا بل نعيد يا الله.. ماذا يريد أن يقول لنا هذا الكتاب؟ أن لا جدوي من الكتابة والابداع؟! أهذه هي رسالته إلينا؟ عنوان الكتاب استوقفني كذلك: عرط... لم أفهم الكلمة في البداية ثم سرعان ما أدركت المعني وأنا أقلب في الصفحات عبر تعريف أضافه الكاتب في النهاية.. العرط: جوهر النجاح في كل المجالات وهو يضم أجزاء متشابكة من الحقيقة والكذب والمبالغة والغرور والطموح رالخيال والحلم ومعكوس التواضع وربما غيرها.. الكلمات المشتقة من عرط كثيرة أشهرها عرض... من لم يعرط ذات يوم, فليرمني بالرصاص. وأدركت قبل أن أدلف في قراءة صفحات الكتاب المثير, أنني أمام كاتب مميز.. كاتب لديه ما يقوله.. يدهشك.. ويحيرك كثيرا هذا الكاتب الأردني الشاب حمد نزال. فأنت لا تعرف حقا أي نوع من الكتابة الإبداعية تلك التي تقرؤها.. هل هي قصة قصيرة؟ أم أبيات من الشعر؟ أم لعلها نص شعري حداثي؟ هل هي مجرد فضفضة يسر بها الكاتب أم حدوتة قصيرة؟ أو ربما حكاية من حكايات الحياة؟ أم لعلها مشهد سينمائي أو لقطة سريعة التقطها الكاتب بكلماته الدالة الموحية؟ أيا كان المسمي الإبداعي, فنحن أمام نص رائع ومدهش, يجعلك تقرؤه وتعيد قراءته وتأمله.. قد تبتسم. أو تطرق حزنا.. أو ربما تسرح بعيدا مسترجعا مشاهد الحياة.. هذه الكتابة الجديدة المدهشة التي تضرب معها بعرض الحائط الأنماط الكلاسيكية التقليدية تشبه صندوق الدنيا.. صندوق يحمل داخله كل شئ. الحب.. السعادة.. الحزن.. الوجع.. الأمل.. اللهفة.. البحث عن الحقيقة.. الانكسار.. الرجاء.. الأمل.. كل معاني الحياة هنا في غمار هذا الصندوق.. كلها هنا في عرط.. هذه بعض من سطور الكتاب.. * لم يبق من العمر سوي رمق.. قلت لروحي وأضفت: ثلاثون عاما مرت بي لم أذق فيها طعم الاستقلال ولم أعش بروحي يوما.. وبعد سنة أو ربما اثنتين سأتزوج ولن يكون بمقدوري أن أسبر( من سبر بمعني اكتشف لاحظ أنها كلمة قوية وفاخرة) أغوار نفسي, أن أعيش حرا في مكان خاص بي يسمي منزلي أو بيتي أو شقتي. * في الوعي الطفولي الأول, تنظر إلي أخيك الكبير وتقول: يا الله, متي سأصير رجلا مثله! أخرج عندما أريد وأفعل ما أشاء.. متي سيكون جيبي ممتلئا مالا؟ ومتي سينمو شعر وجهي مثله؟ بغمضة عين, تصبح في عمر أخيك الكبير. * عد الي عش أحلامك/ لن تحصد الليلة ما تريد/ ارتد ما شئت من الجواهر/ وأنيق الثياب التي ابتعتها من سفر بعيد/ ملهي الطابق الأخير/ فيه كل شئ سوي ما تريد. * هل تقارن؟ عمرك بعمر الجبال؟ بعمر التلال؟ كم طوت بطونها من عظام كلهم ذهبوا ولم يبق.. غير عظام تطويها رمال * هل يبرد الحساء عندما ننفخ فيه من الفم هواء أم تسخن اليدين عندما نعرضها لنفس الهواء؟ حمد نزال عارك الحياة طويلا.. سافر إلي أركان الدنيا الأربعة.. أرتحل هنا وهناك.. واكتسب التجارب والخبرات.. قلمه الواعد يشهد علي موهبة إبداعية لا تخطئها العين.. صدر الكتاب عن دار ترافلينجTravelling التونسية.