المحامين: إرجاء الإضراب الشامل لفتح باب التفاوض مع رؤساء محاكم الاستئناف الجدد    المكاوى: خطوط ال"الرورو" تحقق طفرة في حجم وقيمة الصادرات المصرية    الإسماعيلية تتوسع في زراعة عباد الشمس.. 1271 فدانًا لدعم الاكتفاء الذاتي من الزيوت    حركة المجاهدين الفلسطينية تشيد بدور حماس بمفاوضات وقف إطلاق النار على غزة    اتحاد العاصمة يتوج بطلا لكأس الجزائر بالفوز على شباب بلوزداد 0/2    خيري رمضان يشيد بتجربة وزير التعليم في الثانوية العامة    محمد أبو داوود يكشف كواليس مشاركته في فيلم "برشامة"    نجوى كرم تهنئ الشعب الجزائري بعيد الاستقلال    أمينة الفتوى: "مقولة على قد فلوسهم" تخالف تعاليم الإسلام والعمل عبادة يُراقبها الله    صحة الشرقية: تنفيذ حملة للتبرع بالدم بقرية المزارقة بفاقوس    أسماء الفائزين فى الموسم الرابع من المسابقة العالمية للوافدين والأجانب بالأزهر    غدًا.. النواب يستكمل مناقشة قانون المهن الطبية    إصابة سيدة وثلاثة أطفال في حادث تصادم أمام مديرية أمن الإسماعيلية    تأييد حكم السجن 7 سنوات للمتهمين بقتل جارهم في الوراق    وزير الخارجية يجري اتصالات دولية وإقليمية لدعم الأمن وخفض التوترات في الشرق الأوسط    الأمين العام للأمم المتحدة يُحذّر من خطر نووى فى زابوريجيا    أيمن الرقب: ترامب وإدارته جزء من المقتلة الكبيرة ضد المدنيين في قطاع غزة    «خفاف على القلب» 3 أبراج روحهم حلوة.. هل أنت واحد منهم؟    أمريكا.. مقتل 27 شخصًا جراء فيضانات مفاجئة وسط ولاية تكساس    «الفيوم بلا بلاستيك» حدوتة أطلقتها «أمنية»    تأهل ثلاثي مصري لنهائي الرجال بكأس العالم للخماسي الحديث    بي إس جي ضد البايرن.. التشكيل الرسمى للقمة النارية فى كأس العالم للأندية    الهلال الأعلى والأهلي يتساوى مع فريقين.. كم حصدت الأندية العربية في كأس العالم 2025؟    المالية: بنك التنمية الجديد يمكن أن يلعب دورًا فى سد فجوات تمويل التنمية لأعضاء "بريكس"    إجتماع تنسيقي بين «الرعاية الصحية» و«التأمين الصحي الشامل» في أسوان    العروض تحاصر ثلاثي بيراميدز.. والإدارة تعد قائمة بدلاء    "بقت إدمان".. رئيس تحرير مجلة الزمالك السابق يثير الجدل بشأن صفقة جديدة للأهلي    وزير الرياضة يفتتح منشآت جديدة بمركز التنمية الشبابية بالساحل    لمرشحي مجلس الشيوخ 2025.. «الصحة» تطلق منظومة إلكترونية لخدمات «الكشف الطبي» (تفاصيل)    براتب 8000 جنيه.. العمل تعلن عن 300 وظيفة بإحدى شركات تسويق الأدوية    «محتوى البرامج الدراسية» في ندوة تعريفية لطلاب علوم الحاسب بجامعة بنها الأهلية    استمرار تلقي تظلمات الإعدادية بكفر الشيخ حتى 13 يوليو الجاري    سحب 659 رخصة لعدم تركيب الملصق الإلكتروني    مصرع شخص وإصابة اثنين آخرين في حادث مروري بدمياط    «المونوريل والبرج الأيقوني».. المشروعات القومية رموز جديدة ب انتخابات مجلس الشيوخ 2025 (فيديو)    قانونية مستقبل وطن: مصر تواصل الاستحقاقات الدستورية وسط التحديات التي تشهدها المنطقة    جمعية الإغاثة الطبية تحذر: تفشي الأوبئة يلوح في الأفق بغزة المنهارة    محلل بريطاني: انتقادات زيلينسكي قد تدفع ترامب للانسحاب من تسوية الحرب الروسية الأوكرانية    «الصمت أحيانًا يعني أننا تعبنا».. حنان مطاوع توجه رسالة غامضة في أحدث ظهور لها    بمشاركة طلاب صينيين| بالصور.. تنظيم أول مدرسة صيفية بجامعة القاهرة    "بدأت بموقف محرج".. قصة تعارف أمير صلاح الدين وزوجته ليالي    صحيفة: واشنطن لم تعد قادرة على تسليح أوكرانيا وإسرائيل معا    شريهان تعود للأجواء الفنية بزيارة خاصة لمسرحية "يمين في أول شمال"    فضل صيام عاشوراء.. هل يجوز صيامه منفردًا؟    أحمد نبوي: الأذى النفسي أشد من الجسدي ومواقع التواصل تتحول لساحة ظلم    محافظ أسيوط يعتمد الخطة السكانية لتحسين الخصائص السكانية    أوبك+ يرفع إنتاج النفط بمقدار 548 ألف برميل يوميًا    طبق عاشوراء يحسن صحتك.. فوائد لا تعرفها    الصحة: 10 كوادر يشاركون ببرامج تدريبية في الصين    محافظ بني سويف يستقبل وزير الإسكان والمرافق في بداية زيارته للمحافظة    ياسين بونو يكشف رد فعل نيفيز وكانسيلو بعد صدمة وفاة جوتا    3 وديات.. في الجول يكشف تفاصيل معسكر الأهلي في تونس تحضيرا للموسم الجديد    أسماء مصابي حادث انقلاب ميكروباص بصحراوي المنيا    طقس الأحد شديد الحرارة وشبورة ورطوبة والعظمى بالقاهرة 36 درجة والإسكندرية 31    محافظ المنوفية يتوجه لمستشفى الباجور العام للإطمئنان على الحالة الصحية لمصابي حادث الإقليمي    اختيار ناصيف زيتون لحفل افتتاح مهرجان جرش بالأردن.. وأصالة في ختام الفعاليات    الجار قبل الدار    أسعار الفراخ اليوم السبت 5-7-2025 بعد الانخفاض وبورصة الدواجن الرئيسية الآن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نظام الكون ونواميس الحياة‏!(2-2)‏
نشر في الأهرام اليومي يوم 21 - 01 - 2010

لم نعد الآن نري بوضوح الفوارق التي احتوي وميز بها آباؤنا وآباؤهم برغم قلة ما كانوا يعرفون بين ما هو نافع وما هو ضار للآدمي كآدمي أي وما يصلح وما لا يصلح لبقاء الإنسان علي هذه الأرض آمنا هو ونسله من العوز والمطاردة والتشرد والاقتتال‏. إننا نعرف أكثر منهم بكثير في كل ناحية من نواحي المعرفة‏,‏ لكنها معرفة مسطحة سطحية لاتتفاوت في النفاذ إلي أعماق الإنسان‏,‏ ولا في مقدار هذا النفاذ‏,‏ وهو ما يجعل اكتسابها سهلا‏,‏ ونسيانها أكثر سهولة ويجعل تناولها من جهة الأهمية والالتفات ودرجة الأهمية متقاربا يتوه بعضه في بعض كزروع الحقول الفسيحة المتجاورة‏,‏ يشملها تشابه غامض مصدره قرب القاع والكثرة والجوار مع الالتصاق‏.‏
فنحن الآن غير قادرين علي التعلق الشديد بما معنا وما عندنا كما كان آباؤنا وآباؤهم من قبلهم‏,‏ ومن ثم فنحن أقل منهم اقتناعا وتحمسا للبقاء‏.‏ وقبضتنا علي الحياة أضعف‏,‏ وحرصنا علي تخليد أنفسنا في نسلنا علي نحو أقوي وأفضل ليس شديدا غامرا كما كان لدي الآباء والأجداد ولهذا مخاطره علي تطور النوع البشري بل علي بقائه‏!‏
ومع اتساع نظرتنا إلي العالم الخارجي اتساعا لم يسبق له مثيل في أي زمن سابق ضاقت نظرتنا إلي داخلنا وصاحب ذلك قدر قليل أو كثير من عدم المبالاة بمصائرنا واستصغار لأهميتنا في الكون الواسع الكبير الذي يزداد سعة كلما زدنا معرفة به يوما بعد يوم‏.‏ وصار مركز الثقل في القيم والأفضليات خارج الآدمي علي نحو غالب مكتسح في كل مجتمع خارج نفس الآدمي بعيدا عن أعماقه‏,‏ لتتداوله باستمرار موجات التغيير والتبديل التي تتزايد تعقيدا وعنفا في المجتمعات المتقدمة بغير توقف التي ينتقل تأثيرها بسرعة إلي المجتمعات الأخري نتيجة اتساع وضخامة وكفاية وسائل الإعلام والانتقال الحديثة ويكاد الآدمي الآن أن يكون منقطع الصلة من النواحي الفكرية والخلقية والعملية والمعيشية عن ماضيه الطويل‏,‏ هذا الماضي الذي تكون ببطء وجرت فيه التغييرات متباعدة مكانا وزمانا‏,‏ فلم تفقد فيه حياة الآدمي تلك الأسس المألوفة المستقرة خلال العصور والدهور‏.‏
نعم تكاد الان أن تكون جذور حياة الآدمي بما هو آدمي أن تكون قد تعرت واقتلعت علي نحو أو آخر وفارقت ثباتها القديم العميق‏,‏ وصارت عرضة كأي شيء آخر لأن يتناولها أي شيء بالتقليب والفضول والنقد والتشكك والتوقف والاستهجان‏,‏ وضياع ذلك الايمان العام الذي كان يحيطها ويحميها‏,‏ هذا الايمان الذي كان يضمن لها تخللها في يسر إلي كل أبعاد حياة الإنسان الواعية وغير الواعية نعم ضاع الايمان العام بتلك الجذور القديمة وصار الدفاع عنها والدعوة إليها والتمسك بها مشوبا بشوائب التكلف والتمثيل والافتعال أو مصاحبا لأمارة أو أكثر من امارات الردة النفسية أو التخلف العقلي هيأتها ظروف الحياة الاجتماعية غير العادية في قسوتها واضطرابها أواختلالها بالنسبة لأفواج هائلة من الناس لم يعودوا قادرين علي الاحساس بالتناقض الصارخ بين كيفية إعلان حماسهم لتلك الجذوز ونوع حياتهم التي يحيونها متمسكين بها كل التمسك كغيرهم من آدميي هذا العصر‏.‏
فهل يمكن للتكلف أو التمثيل أو الافتعال أو تلك الردة النفسية أو التخلف هل يمكن لشيء من ذلك أن يعيد حياة الادمي إلي جذورها القديمة أو يعيد جذورها إلي أعماقها التي كانت لها إلي استقرارها وثباتها وتخللها لسائر مناحي حياتنا؟‏!‏ هذا السؤال لايكاد يجسر أحد علي أن يطرحه الآن علي نفسه بهذه الصراحة مخافة أن يكذب عليها ومع ذلك لايكف الناس عن الدعوة لذلك في اصرارهم علي الدعوة لتلك الجذور بحالتها ووضعها وما يثقل كاهلها من الاعباء التي لم يعد لها موجب مع تغير الأزمنة والحضارات تغيرا كليا‏!‏
ربما كان وراء هذا أمر أكبر وأخطر وهو تدهور روح الإنسان الفرد كفرد وضعف اصاب فيه ملكة الشعور بالاستقلال والحرية الفطرية في أن يري هو ويراقب هو‏,‏ ويتبع هو ويفكر هو ويختار هو‏.‏
لقد اعتدنا أن نري ونراقب ونتتبع ونفكر ونختار ما تختاره لنا الجريدة التي نقرأها أو الإذاعة التي نسمعها‏,‏ أو التليفزيون الذي نشاهده‏,‏ أو الناقد الذي نصغي إليه‏,‏ أو الشيخ الذي نعتقد فيه أو المتزعم الذي نصادفه‏,‏ أو المؤلف الذي نقرأ له اعتدنا علي هذا الاتباع ونحن بربع عقل وربع اهتمام‏,‏ إننا نعاني تفشي تساوينا فيما نسميه التعليم‏,‏ وتشابهنا في النمطية في كل شيء في إنتاج عقولنا وقيمنا إنتاجا واسعا نوعيا كمنتجات المصانع والحقول والدواجن والماشية‏.‏ خاليا من فرص الفردية والاصالة التي لا توجد إلا مع قوة الفردية إننا كآدميين ولدنا أعدادا متشابهة في أنواعها نحمل في يقظتنا ونومنا هذه المشابهة النوعية‏,‏ ولذلك لا يحس أحدنا احساسا قويا بأن له‏(‏ أنا‏)‏ خاصة به هو لا يشاركه فيها أحد‏,‏ ولا يسمح لأحد بهذه المشاركة منها يستقي مصادر قوته هو كما يحمل فيها اسباب ضعفه هو‏,‏ ولذلك نشعر في أعماقنا أن كثرتنا ليس لها قيمة وأن فرديتنا ليس لها قيمة كذلك وأننا محكومون مقيدون ملزمون مرتبطون بحبال متينة لا آخر لها ولا أول‏,‏ وليس لنا منها خلاص حقيقي‏,‏ وأن ما نسميه المال والسلطة والشهرة والمكانة لا يخاطب داخلنا بأي لغة مقنعة ولا يوقظ لدينا أي ايمان جاد بأنفسنا أو بخالقنا تبارك وتعالي‏,‏ ان نجاحنا أو فشلنا عاما كان أو خاصا هو ضوضاء من خارجنا‏,‏ تظل خارجنا إلي أن نفارق الحياة لنعود أصفارا كأن لم نكن كتبتها علي الماء أصابع الحياة التي تمحو باستمرار ما كتبت بكتابة جديدة تضمن استمرار تلك الضوضاء التي تشغل الاحياء بخارجهم عن داخلهم بغير انقطاع‏!‏
ويجب ألا ننسي أن المطبعة والقوي البخارية والكهربائية والذرية والاشعات والموجات والقطار والسيارة والصحافة والإذاعة والتليفزيون والديمقراطية والاشتراكية‏,‏ وسيطرة السلطات بشكل أو آخر فضلا عن السياسة والإدارة علي الاقتصاد والتعليم والتخطيط والتنمية كل أولئك قد أسهم بنصيب في حضارتنا الآن‏,‏ لكنه ايضا قد أسهم دون أن يشعر الناس في اضعاف وجود الآدمي كآدمي منفرد بشخصيته وشخصه أضعف شعوره بمسئوليته عن حياته‏,‏ ومصيره‏,‏ كما أضعف وجدانه وكرامته الداخلية في عين نفسه وهذا الضعف مستمر ويستمر‏,‏ وبه صار مئات الملايين من البشر الذين يملأون الأرض‏,‏ صاروا غرباء في الواقع بالنسبة لأنفسهم لا يكاد يراقب أحد منهم داخله لدقيقة واحدة خلال العام بل الأعوام لانه لا ينظر قط إلا إلي خارجه وذلك بعيون إما زائغة لما يشتهيه آخرون أو خائفة مما يخافه غيره كاذبا كان ذلك أو صادقا‏.‏
نعم حرص القوم في البلاد المتحضرة علي إطالة أمد الدراسات والتعمق في الابحاث العلمية والاكثار من معامل البحث والمختبرات وحشد من مضمون أعمارهم فيها مع الانفاق الهائل علي المعدات والأدوات والآلات الخاصة بها لكي يستفيد اصحاب المشاريع الاقتصادية مما يمكنها الانتفاع به من تلك الابحاث العلمية بعد تقدير صلاحيته عمليا بمعرفة خبراء التكنولوجيا والهندسة الصناعية فلم تتأثر غربة الناس العاديين بالنسبة لأنفسهم بتقدم الأبحاث العلمية اللهم إلا من جهة السلع والوسائل سواء تعلقت بحاجات الحياة اليومية أو النقل والاتصال‏,‏ أو بالإعلام أو التعليم أو الترفيه‏,‏ والناس العاديون يستعملون تلك السلع والوسائل دون أن يعرفوا أسرار كفاياتها‏,‏ فهم لا يودون أن يفارقوا حالة الاغتراب التي تزداد كثافة وعمقا داخلهم يوما بعد يوم لأنهم تعودوا عليها ولم يجدوا من يعودهم باصرار علي ان يلتفت كل فرد إلي داخله ويحافظ علي حريته ونقاوة داخله واستقلاله‏.‏
إن الأغلبية الغالبة من أناسي الأرض الآن عشب قد يكون أخضر لكنه عرضة للجفاف في أي وقت بانقطاع الماء اللازم‏,‏ وعندئذ يكون عرضة للحريق بأقل شعلة وعرضة لان تمتد ناره لتأكل اليابس والأخضر في كل مكان‏.‏
ولسنا ننسي فيما استعرضناه الفرق بين العامة وهو الكثرة المحدودة من حيث الدخل وفرص النمو الذهني وانصراف كثافتهم إلي بذل جل أوقات يقظتهم في كسب الوقت أو نحو ذلك‏,‏ وبين الخاصة وهم دائما الاقلية الأكثر رواجا والافسح فرصة للتفكير والتعلم والتدبر وتنمية الفطنة والعناية بالفهم والتبصر وتقليب الأمور وضبط النفس والسلوك‏,‏ لكن هذه الاقلية الضروري وجودها لحياة الجماعات الآدمية ولمساعدتها علي التطور والتقدم قد فقدت وتفقد خصائصها باستمرار بانتشار ضعف المقومات الداخلة في الآدمي كفرد مسئول قادر علي الشعور بالمسئولية‏,‏ واستعداده لتحملها‏,‏ وهذا فيما يبدو هو الإشكال الأكبر الذي نواجهه الآن‏.‏

[email protected]
‏www.ragaiattia.com‏
المزيد من مقالات رجائى عطية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.