عاد جورج مارشال وزير الخارجية الأمريكية, من البيت الأبيض, يوم14 مايو1948, عقب مقابلة غير مريحة مع الرئيس ترومان, بعد أن قرر اعلان الاعتراف بدولة إسرائيل, ووجد مارشال في مكتبه بالوزارة, تجمعا من مساعدي وزير الخارجية يطالبونه بالاستقالة, احتجاجا علي قرار ترومان. ورد عليهم مارشال بقوله: لم أكن أستطيع تغيير قراره, فهو الرئيس المنتخب من الشعب, ولست أنا. كان مارشال وعدد آخر من كبار رجال الدولة في جانب منع الاعتراف, في مواجهة مجموعة أخري مؤيدة للقرار, يقودها كلارك كليفورد مستشار الرئيس في البيت الأبيض, المرتبط بالقوي اليهودية. وجاء اعتراف ترومان بعد إقرار قيادة الوكالة اليهودية ممثلة لحكومة إسرائيل بقيام الدولة الفلسطينية دون شروط. وطبقا للوثيقة الرسمية للاعتراف, والتي قدمت إلي ترومان ليوقعها, والتي وصفت إسرائيل بالدولة اليهودية الجديدة, فإن ترومان شطب هذه العبارة بخط يده, وكتب بدلا منها عبارة دولة إسرائيل الجديدة. وكان هذا أول اعتراف من أي دولة في العالم بإسرائيل. أكثر من ذلك فإن شهادة الهوية لدولة إسرائيل والتي منحتها الصفة القانونية لوجودها, كان القرار رقم181 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم29 نوفمبر1947, والذي دعا لإنشاء دولتين يهودية وعربية مستقلتين, ونظام دولي خاص لمدينة القدس. بمعني أن القرار يظل تنفيذه ناقصا إلي أن تقوم الدولة الفلسطينية, فالقرار من شقين وليس من شق واحد, وهذا من أول أسس شرعية القرار. وتاريخيا, فإن وعد بلفور الصادر في2 نوفمبر1917 هو الذي وعدت فيه بريطانيا بوطن قومي للشعب اليهودي, وليس بدولة يهودية. اضف إلي ذلك حاضرا أن معاهدتي السلام بين كل من مصر والأردن, وبين إسرائيل, لم تذكر شيئا عن دولة يهودية. معني ذلك أن كل الوثائق الدولية التي تعتبرها إسرائيل أساس شرعية وجودها, لا تعترف بيهودية الدولة, بل كان هناك اعتراض علي هذا الوصف ورفض له في جميع هذه الوثائق. أي أن تكتيك نتنياهو الذي يتمسك باعتراف الفلسطينيين بيهودية الدولة. قد يثير جدلا قانونيا, يري أنه يهدم الأسس التي قامت عليها إسرائيل أصلا, مادامت دولة إسرائيل تسعي لطمس شهادة هويتها الأصلية, وهدم الأساس الذي قبلته لشرعية وجودها. كذلك فإنها تثير جدلا حول ما تضمنته هذه الوثائق من ربط عضوي بين الاعتراف باسرائيل كدولة, وبين قيام دولة فلسطينية مستقلة, وهو ما يعني اسقاط كل حججها ومبرراتها في اشتراط الشكل الذي تقوم عليه الدولة الفلسطينية. وأمامنا في هذا الشأن واقعة تاريخية مسجلة بالوثائق, ذلك ان الياهو إبستين ممثل الوكالة اليهودية في واشنطن( الذي أصبح فيما بعد أول سفيرا لاسرائيل في واشنطن), والذي كان يجري الاتصالات مع الإدارة الأمريكية نيابة عن الوكالة اليهودية والحركة الصهيونية, من أجل ضمان اعتراف الولاياتالمتحدة باسرائيل, قد تلقي اخطارا من كلارك كليفورد مستشار الرئيس بالبيت الأبيض, بأن الرئيس ترومان يريد أن يأتي اعترافه ردا علي طلب رسمي من الجهة المؤقتة المسئولة عن قيام الدولة, وقدم إبستين بالفعل الخطاب باسم حكومة الدولة الجديدة, ملتزما فيه بالاعلان عن أن دولة اسرائيل, تلتزم بالحدود التي نص عليها قرار التقسيم أي حدود الدولتين الاسرائيلية والفلسطينية. وهذا أمر يشكك أصلا في كل ما تثيره حكومة نيتانياهو, من ادعاءات حول اشتراطاتها للقبول بقيام الدولة الفلسطينية. أي أن حكومة اسرائيل تجر المفاوضات إلي المجهول, وكلما أوغلت فيه, كانت مثل من نبش في الماضي, الذي دفنت فيه حقائق تكشف الكثير, مما يضع اسرائيل من جديد محل مساءلة من العالم الذي يشهد ما يدور. ان هذه الوثائق تظهر ان العالم لم يعترف يوما بيهودية اسرائيل, وان شهادة هويتها تخلو من هذه الصفة. واذا كانت اسرائيل تتمسك بموقفها فإن الجدل الذي تديره, يجر في ركابه كل الوثائق التي لا يعتقد أحد ان اسرائيل ترغب في تنبيه العالم لها. خاصة الولاياتالمتحدة التي كانت حتي مع الاعتراف رافضة لصفة يهودية الدولة وهو الاعتراف الذي ارتبط بقبول اسرائيل في الوقت نفسه, لهذا الرفض الأمريكي, وبتسجيل هويتها تحت اسم دولة اسرائيل, وليس الدولة اليهودية. المزيد من مقالات عاطف الغمري