وزير التعليم العالي يبحث سبل التعاون مع نائب حاكم الشارقة ورئيس جامعة الشارقة    وزير الري يتابع موقف التعامل مع الأمطار التي تساقطت على جنوب سيناء    وزير الإسكان يتفقد مشروعات المرحلة العاجلة للأراضي البديلة بمنطقة "شمس الحكمة"    بدء اجتماع مجلس المحافظين.. وقانون الإيجار القديم الأبرز    رئيس "كهرباء الصعيد": استقرار التغذية الكهربائية بجميع مناطق أسوان    "يونسيف" يحذر :112 طفلًا يدخلون دائرة سوء التغذية يوميًا في قطاع غزة ومؤسس المطبخ العالمي يصل القطاع    القاهرة الإخبارية: الاحتلال يوسّع دائرة اعتداءاته جنوب لبنان    مصطفى شوبير يحتفل بارتداء شارة قيادة الأهلي: "شرف ما بعده شرف"    انطلاق البطولة العربية الأولى للخماسي الحديث للمنتخبات والأندية تحت 15 عامًا    أحمد عاطف قطة: كأس العالم للأندية "حلم كبير".. وهذه رسالتي للاعبين الصغار    الداخلية تكشف ملابسات مقطع فيديو تم تداوله بمواقع التواصل الإجتماعى تضمن حدوث مشاجرة بالجيزة.    ضبط 117.3 ألف مخالفة مرورية متنوعة خلال 24 ساعة    تكريمًا لسيد درويش.. وزارة الثقافة تعلن 15 سبتمبر "اليوم المصري للموسيقى"    انطلاقة قوية لفيلم "درويش".. 8 ملايين جنيه في أول 72 ساعة عرض    جريئة أمام البحر.. أحدث ظهور ل ياسمين صبري والجمهور يعلق (صور)    إجراء 20 عملية مياه بيضاء ناجحة في مستشفى نجع حمادي    حازم الجندى: بيان ال31 دولة عربية وإسلامية يمثل تحولا نوعيا في آليات المواجهة السياسية والدبلوماسية مع إسرائيل    بعد تناول وجبات.. إصابة 9 أشخاص ب«اشتباه نزلة معوية» في الشرقية    ضبط لحوم وسلع غذائية فاسدة وتحرير 382 محضرًا خلال حملات رقابية بأسيوط    وزيرة التنمية المحلية والقائم بأعمال وزير البيئة تلتقي فريق عمل برنامج الأمم المتحدة الإنمائي    تقليل الاغتراب 2025.. أماكن الحصول على الخدمة للمرحلتين الأولى والثانية    السيسي يوافق على ربط موازنة الجهاز المصرى للملكية الفكرية لعام 2025-2026    بالتعاون بين الشركة المتحدة والأوقاف.. انطلاق أضخم مسابقة قرآنية تلفزيونية    ماذا حدث في أوكرانيا خلال قمة ألاسكا بين بوتين وترامب؟    سيمينو ينفجر غضبا بسبب العنصرية.. والشرطة تحقق في الحادث    «السياحة» تبدأ مبكرًا في إجراءات الحج بتوقع عقد الضيافة وخدمة الحجاج بالمشاعر المقدسة    تشييع جثمان شاب لقي مصرعه غرقا داخل حمام سباحة ببني سويف    بالفيديو: عبيدة تطرح كليب «ضحكتك بالدنيا»    محافظ بورسعيد يعلن قبول جميع المتقدمين لمرحلة رياض الأطفال بنسبة 100%    علماء يلتقطون أول صور ثلاثية الأبعاد لزرع جنين داخل الرحم    خلال العطلات الرسمية....صحة الشرقية تنفذ أكثر من 37 ألف زيارة منزلية لتقديم الرعاية الصحية    حلول عاجلة لتوصيل مياه الشرب لعدد من المناطق بجنوب بورسعيد    لماذا يُستبعد الموظف من الترقية رغم استحقاقه؟.. 3 حالات يحددها قانون الخدمة المدنية    آداب أسيوط تطرح برنامج الترجمة باللغة الفرنسية بنظام الساعات المعتمدة    موقف غير متوقع يختبر صبرك.. حظك اليوم ل مواليد برج الدلو 16 أغسطس    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : ولتكن البداية بميزان العدل والحق!?    يسري جبر: يوضح حكم زيارة قبور أهل البيت والصحابة والدعاء عندها    تنسيق المرحلة الثالثة 2025 علمي علوم.. قائمة كليات تقبل من 50%    في صورة انتقال حر.. بيرسي تاو ينتقل إلى نام دينه الفيتنامي    إخلاء سبيل الشاب عبد الرحمن خالد، مصمم فيديو الترويج للمتحف المصري الكبير بالذكاء الاصطناعي    الصحة: تدريب أطباء الأسنان وتقديم خدمات مجانية ل86 مواطنًا    محاكمة 6 متهمين في خلية «بولاق أبو العلا» الإرهابية| بعد قليل    إنقاذ سائق وتباع بعد انقلاب سيارتهما أسفل كوبري أكتوبر| صور    أمين الفتوى يوضح حكم من تسبب في موت كلاب بغير قصد وحقيقة طهارتها    فوز 4 من أبناء بني سويف في برلمان الطلائع على مستوى الجمهورية    18 قتيلا و24 مصابا فى حادث سقوط حافلة وسط العاصمة الجزائرية    وفاة والدة صبحي خليل وتشييع جثمانها بعد صلاة الظهر    عمرو وهبة يحتفل بعيد ميلاد ابنه: «الحمد لله عدت بدعوات الناس » (فيديو)    مدير الرعاية الصحية بالأقصر يتفقد 5 مستشفيات بالمحافظة لمتابعة الخدمات    وزارة الأوقاف تحدد 15 نقطة لاستغلال وقت الفراغ والإجازة الصيفية.. اعرفها    مصرع وإصابة 15 شخصًا في حادث تصادم ميكروباص بسيارة نقل بالوادي الجديد    بدائل الثانوية العامة محاصرة بالشكاوى.. أزمات مدارس «ستيم» تثير مخاوف العباقرة    ترامب يغادر ألاسكا بعد قمته مع بوتين    بوتين يدعو كييف والقادة الأوروبيين إلى عدم عرقلة "التقدم الناشئ"    مفاجآت في قائمة الزمالك لمواجهة المقاولون العرب    بقيادة صلاح.. ليفربول يفوز بصعوبة على بورنموث برباعية في افتتاح البريميرليج    حاكم ألاسكا: لقاء بوتين وترامب يمثل يوما تاريخيا لولايتنا    وزير الأوقاف السابق: إذا سقطت مصر وقع الاستقرار.. وعلينا الدفاع عنها بأرواحنا (فيديو)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فاروق عبد القادر‏..‏ صديقي
نشر في الأهرام اليومي يوم 28 - 09 - 2010

‏(1)‏ قبل اثنين وأربعين عاما‏,‏ كنا شبابا نذهب ونأتي في الباحة الخارجية لمقهي ريش المفتوحة علي قاهرة هذه الأيام‏,‏ أثناء مروري من هذه المنضدة إلي تلك رأيته يقوم معترضا طريقي بقميصه المكوي ويقبض بيديه علي حافة مسند المقعد القائم بيننا ونحن وقوف‏,‏ ومال قليلا إلي الأمام بنظارته الطبية وشعره الكثيف الأسود‏,‏ وقال متمهلا‏:‏
أنا اسمي فاروق عبد القادر‏.‏ سامع عنك كتير‏,‏ ياريت توفر لي كم قصة أقرأها وأرجعها لك‏.‏ لو سمحت‏.‏
‏(2)‏
بعد يومين قرأ ودعاني ليلا إلي محل روي في شارع سليمان‏.‏ وهو الخبير بالمكان‏,‏ أعطي أحد عمال المحل قروشا‏,‏ ولم يمر وقت حتي كانت كل المساحات الشاغرة بين الأكواب والزجاجات‏,‏ مشغولة بصحون صغيرة ممتلئة بقطع من الكوارع وشرائح الكرشة المسلوقة ولحمة الرأس‏.‏
منذ ذلك المساء البعيد امتدت صداقتنا‏.‏ لم تنقطع حبال الود ولم تشبها رغم الأهوال شائبة‏.‏ وفي مكالماتنا الفكهة التي نبدأ بها صباحات الأيام نتذاكر القراءة والكتابة والكتب والأصدقاء والناس‏,‏ ولا نغفل طبعا‏,‏ عن مراجعة ما شئنا من أحوال البلد‏,‏ ما جري لها ولنا‏,‏ وننتهي علي موعد بلقاء قريب نادرا ما يتحقق‏.‏
كان صاحب ذاكرة غير مثقوبة‏.‏ خزانة ثمينة مفعمة بالمعرفة والنوادر والأسرار‏.‏
‏(3)‏
عندما جاءتني كلماته ثقيلة متعثرة‏,‏ ظننته عاد للشراب بعدما أقلع سنوات بإرادة لا مثيل لها‏,‏ وشعرت بالحزن والحسرة البالغة خصوصا أنه كان يشرب بإفراط اذا ما بدأ‏,‏ اتصلت بمحمد البساطي وأخبرته أن فاروق عاد‏,‏ غالبا للشراب‏.‏ طلبت منه أن يتصل به ويلاحظ طريقة كلامه ويخبرني‏.‏
‏(3)‏
أخبرتني الروائية هالة البدري أنها رأته في جلسته الأسبوعية بسوق الحميدية يذهب ويأتي ويمارس حياته بهذا اللسان الثقيل‏.‏ ولأنها كانت رأت تجربة مشابهة أخبرته أنه يعاني من جلطة في المخ ولابد من عيادة الطبيب‏,‏ وهو غضب منها واتهمها بالغلظة وعدم اللياقة وقاطعها‏.‏ فجأة‏,‏ علمنا أن الأحوال ساءت وأنه أصيب بعطب في الجانب الأيسر كله‏.‏
غادرنا اجتماع لجنة القصة بالمجلس الأعلي للثقافة‏:‏ الأصدقاء هالة البدري ويسري عبد الله وفؤاد قنديل واتجهنا إلي منزله‏.‏ صعدنا السلم وجلسنا في الصالة الصغيرة شبه المعتمة‏,‏ ولم تلبث المرأة الشابة التي تقوم علي خدمته أن جاءت به تعاونه من حجرة النوم‏.(‏ قضي فاروق عمره وحيدا بعدما ماتت شقيقته‏).‏ كان يجر قدميه متصلبا والروب القديم معقود حزامه علي جسده الذي صار هزيلا‏,‏ بلحية بيضاء وعينين مفتوحتين لا تطرفان في وجه قنوع مشرئب ومبتسم‏.‏ بدا فاروق مثل رجل جري تبديله‏.‏
كنا استقبلناه وقوفا‏.‏ والسيدة ضبطته في مقعد أمامنا‏.‏ لقد عرفنا واحدا وراء الآخر‏.‏ قال بصعوبة ونحن نتبادل تقبيله‏.‏ أبو خليل‏,‏ فؤاد‏,‏ إزيك يا هالة‏.‏ قليلا ثم يذهب بالحديث إلي مكان آخر‏,‏ ولا يلبث أن يعود‏.‏
‏(6)‏
لم يمر وقت حتي تبينا أنه يتكلم متعلثما عن العمر‏,‏ كيف أنه قصير‏,‏ أقصر مما يتوقع أحد‏,‏ لكنك تكتشف ذلك فجأة‏,‏ وللأسف‏,‏ يكون الأوان فات‏.‏
وفي لحظة صمت مال إليه الأستاذ قنديل وأخبره‏,‏ من باب المجاملة‏,‏ أن أعضاء اللجنة كانوا يريدون أن يأتوا جميعا لزيارته‏,‏ ونحن هنا عوضا عنهم‏.‏ لم يكن شيئا من ذلك حدث بطبيعة الحال‏.‏ وفاروق الذي يجالسنا أدرك‏.‏ لم يكن غافلا حتي في مرضه عن مشاعر الكثيرين وخلافاتهم معا‏.‏ سمع كلام قنديل وقال إن‏:‏ المرض لما يأتي‏,‏ يكون علي الناس أن تتجاوز ما بينهم من الخلافات‏,‏ وتنسي‏:‏ ده اللي انا عاوز أقوله دلوقت‏,‏ قبل الواحد ما يتوكل علي الله‏,‏ ويموت‏.‏
وأنا رأيته‏.‏ كأنه يطلب السماح ممن غضبوا‏.‏

المزيد من مقالات إبراهيم اصلان


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.