قد كنت أؤثر أن تقول رثائي هذا هو الشطر الذي بدأ به أمير الشعراء أحمد شوقي قصيدته التي أبن بها زميله شاعر النيل حافظ إبراهيم, ولا أجد أفضل منه لكي أبدأ به كلمتي عن محمد أركون الجزائري الذي مات في باريس عن عمر يناهز الثانية والثمانين عاما.. وان كنت أنسي كل ذكرياتنا وهو( أستاذي الذي علمني في السوربون) فلن أنسي ما حييت يوم بعث لي كتابه عن العرب في سلسلة ماذا أعرف الشهيرة بإهداء قال فيه: الي شيخ الصحفيين العرب أبعث هذا الكتاب! وأذكر أنه جاء الي القاهرة واستضافته القناة الفضائية المصرية في زمن رئاسة ميرفت سلامة التي خصصت له زمنا مفتوحا, وعندما حدثته عبر الهاتف وأخذت أناقشه فيما قال من أفكار, وما كان قد علمني إياه, أذكر أن الرجل قد بكي وكأنه لم يكن يصدق أن أحدا سوف يناقشه, كما أذكر اني قابلته يوم اختاره السيد عمرو موسي أمين عام جامعة الدول العربية من100 شخصية عربية للتفكير في مستقبل العرب والمسلمين بالخارج, وطلب الي أن يقوم بجولة في منطقة الحسين بالقاهرة, لكنه وجد أنه لا يستطيع عبور الشارع, برغم أننا كنا نحو منتصف الليل, وأذكر أنه هتف بمجرد جلوسه بالسيارة وسؤاله عن الأزهر الشريف والألف مئذنة: لقد عرفت لماذا سميت مصر ب أم الدنيا! في مكتبه بالسوربون.. أذكر المناقشات التي كانت تدور حول الإسلام والعلمانية التي كان يصر علي أنها تأتي من كلمة علم بكسر العين وليس من العالم بفتح العين. رحم الله محمد أركون الذي كان يؤمن بالعروبة قولا وفعلا, فهو جزائري, لكن زوجته كانت مغربية, أما ثقافته فكانت مصرية خالصة, وكان يكتب انتاجه باللغة الفرنسية واختار صديقه هاشم صالح السوري الجنسية لكي يترجم له. رحم الله الفقيد وأطال في عمر الثاني.