لم يكن المؤتمر الصحفي الذي عقده المدير العام السابق للأمن العام في لبنان اللواء جميل السيد مساء الأحد الماضي هو الأول الذي يهاجم فيه بعنف رئيس الحكومة سعد الحريري. وقيادات قضائية وأمنية وسياسية واعلامية متعددة, ولن يكون الأخير. فكلما اقترب موعد اعلان قرار الاتهام في قضية اغتيال رفيق الحريري التي قضي السيد بسببها4 سنوات في السجن سترتفع بشدة وتيرة الحملة الإعلامية والسياسية التي يقودها حزب الله الآن بهدف نسف المحكمة الدولية ومنعها من نظر القضية. لكن الجديد هو اللغة التهديدية التي استخدمها اللواء السيد مقسما بشرفه أنه سيأخذ حقه بيديه, وهو ما أثار تكهنات حول مدي إمكانية تفجر الوضع الأمني في لبنان خلال الفترة المقبلة, وكذلك توقيت المؤتمر الصحفي الذي عقد بعد أربعة أيام فقط من لقاء مطول عقده الرئيس السوري بشار الأسد مع اللواء جميل في قصر الشعب بدمشق, استمر لمدة ساعتين وتم البحث في الاوضاع العامة, حسب البيان الصادر من المكتب الإعلامي للسيد يومئذ. بالاضافة إلي اتهام دول بعينها مثل مصر والأردن بإثارة الفتنة في لبنان, وتوجيه تهمة آخري غريبة إلي السفارة المصرية هي استقبال مرجعيات سياسية لبنانية وانتقاد سوريا خلال هذه اللقاءات, وهي تهمة آثارت دهشة وتندر الأوساط السياسية والإعلامية في بيروت, التي تساءلت عن الطريقة التي يمكن أن يؤدي بها أي دبلوماسي مهامه بدون لقاء القيادات السياسية, خاصة في لبنان التي تعتبر زيارات السياسيين للسفارات المختلفة طقسا يوميا لا غني عنه لأي سياسي. واللواء جميل السيد ليس مجرد ضابط عادي, ولكنه لعب أدوارا سياسية عديدة خلال فترة التواجد السوري في لبنان, وكان رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري يذكر دائما للمحيطين به أنه يجب التعامل مع السيد, بصفته ممثلا لجهتين: المخابرات السورية والجهاز الأمني في حزب الله. وقد لعب حزب الله دورا أساسيا في تولي اللواء السيد مديرية الأمن العام, بعد التوافق علي أن يكون هذا المنصب للطائفة الشيعية, وكان يعده ليصبح رئيسا لمجلس النواب بدلا من زعيم حركة أمل نبيه بري, وتحطم هذا الطموح علي وقع زلزال اغتيال رفيق الحريري, الذي اعتقد بعض حكام لبنان يومئذ أنه مجرد حادث سيمر مثل عشرات الاغتيالات التي شهدها لبنان دون تحقيق جدي يكشف حقيقة مرتكبيها, لكن المظاهرات المليونية والتحركات الدولية وخروج الجيش السوري من لبنان أدي الي تشكيل لجنة التحقيق الدولية, وانطلقت التحقيقات بالتعاون مع القضاء اللبناني لتكون أول قراراتها حبس قادة الأجهزة الأمنية الأربعة وعلي رأسهم جميل السيد علي ذمة التحقيق, بعد ظهور بعض الشهود الذين أدلوا بأقوال ضدهم. وأدي ذلك إلي فتح ملفات عديدة, منها ملف ثروة اللواء جميل السيد التي قدرها البعض بأنها تتراوح مابين20 و50 مليون دولار أموالا سائلة, بخلاف الشقق الفخمة وقصر كبير في بلدته بسهل البقاع يظهر من فرط ضخامته بوضوح شديد علي موقع' جوجل إيرث'. وبعد4 سنوات وبحملة كبيرة من حزب الله خرج الضباط الأربعة من السجن بعد انتقال ملف جريمة الاغتيال إلي المحكمة الدولية, ليتفرغ اللواء السيد بالتنسيق مع حزب الله وسوريا لقيادة حملة الهجوم علي المحكمة الدولية والتشكيك فيها تحت شعار البحث عن شهود الزور الذين أدخلوه السجن, وليشمل هجومه الدول العربية التي يعتقد أن توجهاتها الإقليمية تتعارض مع المصالح السورية, أو أن وجودها الطبيعي في لبنان يمنع سوريا من العودة للامساك بكل مفاصل الحكم هناك, وهي حملة استباقية ستتصاعد بشدة مع اقتراب موعد صدور قرار الاتهام الذي قد يسبب زلزالا آخر لا يعلم أحد عنه شيئأ. وأبرز دليل علي ذلك تصريحات ميشال عون زعيم التيار الوطني الحر التي تطابقت مع تصريحات السيد في الهجوم علي القيادات الأمنية والقضائية ورئيس الحكومة, وجاءت أيضا بعد أيام قليلة من استقبال بشار الأسد لصهر عون جبران باسيل, وكأنها مصادفة تكشف من يصنع الفتنة في لبنان.