مما لاشك فيه أن الماء والغذاء والطاقة أهم الموارد الأساسية التي تقوم عليها الحضارة البشرية, كما أن هذه الموارد الثلاثة تمثل أضلاعا متساوية في مثلث يمكن أن يطلق عليه( مثلث الحياة), حيث تشكل معا هذه الموارد منظومة متكاملة وضرورية لاستمرارية الحياة علي وجه الأرض. والأهم من ذلك أن هناك علاقة تبادلية بين الماء والغذاء والطاقة, فالمعلوم أن انتاج الغذاء لا يمكن أن يتم بمعزل عن الطاقة, وانتاج الغذاء وتوليد الطاقة لا يمكن أن يتم بمعزل عن وجود الماء, ولعلي لا أبتعد كثيرا عن دائرة الصواب اذا ما قلت إن جميع الدلائل والمؤشرات تشير الي أننا سنواجه أزمات ونقصا حادا في المياه والغذاء والطاقة, أضلاع هذا المثلث الحيوي. وأحسب أنه اذا استمر الحال علي ما هو عليه فستكون الحروب والصراعات القادمة في بلاد الشرق الأوسط وإفريقيا للاستيلاء و الحصول علي تلك الموارد. واحسب ايضا أن الحكمة تقتضي الإدراك الواعي في هذا الميدان وما يستتبعه من تداعيات وخطر داهم يهدد باستمرار الحياة وتوقفها, الأمر الذي يتطلب غاية الاهتمام سرعة المواجهة المبنية علي أساس علمي ومحاولة جادة لقراءة صحيحة من منظور علمي قدر الإمكان لما نواجهه من تداعيات شائكة وسلبية علي المجتمع المصري جراء حدوث تلك الأزمات الطاحنة. ومن هذا المنطلق يأتي دور الجامعات المصرية لإدراك أضلاع هذا المثلث علي اعتبار أن الجامعات المصرية مراكز اشعاع وقوة دافعة بما تملكه من مقومات بشرية ومادية وتمثل نشاطا حيويا وديناميكيا له آثاره المباشرة علي مواجهة تلك الأزمات وسد احتياجات المواطنين من هذه الموارد الأساسية. لذا دعونا نتفق علي أن الجامعات المصرية تستطيع بالبحث العلمي وخبرات أعضاء هيئة التدريس وفي اطار خدمة المجتمع وتنمية البيئة سد احتياجاتنا من الماء والغذاء والطاقة, اضلاع مثلث الحياة.. فلو أخذنا في الاعتبار الضلع الأول وهو الماء, والذي يعتبر الحبل السري لحياة المصريين فإن جميع الدلائل والمؤشرات تشير الي أن مصر ستواجه نقصا حادا في المياه والموارد المائية في المستقبل المنظور والمتوقع ادراجها ضمن الدول التي تموج داخل حزام الفقر المائي, الأمر الذي يؤرق مضاجع الكثيرين في مصر لنقص المياه. ويزداد الوضع حرجا مع مناقضة دول منابع النيل لاتفاقية1959,1929 ومعارضة حق مصر والسودان في الحصول علي المياه في اطار مبدأ التوارث الدولي, ومن سوء الطالع أن المياه أيضا ستشهد نقصا حادا نتيجة تأثر المنطقة بالتغيرات المناخية العالمية الي جانب تضاعف عدد السكان, لذا ينبغي تطويع البحث العلمي والقائمين عليه بالجامعات المصرية الي الطرائق العلمية الحديثة في اطار التقنيات العالمية ذات الصلة بتحلية مياه البحار باستخدام الطاقة المتاحة حاليا مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والطاقة الحيوية, بجانب الاستفادة من الخبرات الجامعية العلمية نحو انشاء محطات نووية ليكون هدفها الأول هو توليد طاقة نووية لتحلية مياه البحار, كما ينبغي أيضا التوصل علميا الي الطرق العلمية الحديثة لمعالجة وتنقية مياه الصرف الزراعي والصناعي والصحي وإعادة استخدامها في الأغراض المتعددة مع التوصل الي استخدام أنظمة ري حديثة قادرة علي ترشيد مياه الري بدلا من استخدامها بشكل سيئ. أما عن الضلع الثاني وهو الغذاء الذي يمثل أضعف حلقة من حلقات الأمن القومي حيث إن مصر من الدول الأولي المستوردة لمحاصيل القمح والذرة التي تعتبر عماد الحياة للقاعدة العريضة للمصريين وعصب الأمن الغذائي بمصر. وذلك نظرا لأن انتاجنا المحلي من تلك المحاصيل يكفي فقط للوفاء بنسبة60% من الاستهلاك أي أننا نستورد ما يزيد علي40% من احتياجاتنا من السوق العالمية, ولعلنا تابعنا جميعا بمزيد من التحسب والقلق أن أمريكا ودول أوروبا بدأت بالفعل انتاج الوقود الحيوي من فائض زراعاتها من الحبوب عامة والقمح والذرة خاصة وتقليص الكميات التي تصدرها للدول النامية, والتي هي في حاجة ماسة الي تلك المحاصيل للأمن الغذائي. هذا بالإضافة الي السعر الجنوني الذي أصاب الأسعار العالمية للقمح تحديدا نتيجة الحرائق والنيران التي أصابت الأراضي الروسية, الأمر الذي دفع الحكومة الروسية إلي حظر تصدير القمح والحبوب الأساسية للدول خشية الاحتياج الي تلك الكميات المعدة للتصدير وهذا سيودي إلي تأثيرات بالغة العذر علي الواقع المصري من خطط وتقديرات في هذا الشأن, وهنا يأتي دور الجامعات المصرية نحو التوجه الي استحداث أقسام وشعب جديدة بكليات الزراعة علي مستوي الجامعات المصرية بما يتفق مع تغيير مفهوم الزراعة في العالم عن الزراعة التقليدية مثل أقسام التكنولوجيا الحيوية والهندسة الوراثية وتكنولوجيا المعدات والميكنة الزراعية وكل ما يتعلق بالتخصصات الزراعية ذات الصلة بمجالات العلم المعاصر. أما الضلع الثالث وهو الطاقة واحسب أنه من الضروري أن ندرك تماما أن قضية الطاقة قضية محورية للتنمية ومستقبل مصر, خاصة أن معظم الطاقة المتاحة لدينا حاليا هي طاقة الوقود الأحفوري( الفحم والبترول والغاز الطبيعي) حيث تشير الدراسات العلمية الي أن هذه الأنواع من الطاقة في سبيلها الي النضوب. ومن ثم نناشد جميع الجامعات المصرية ضرورة اعداد وتنمية العقول المصرية من العلماء و الباحثين نحو انتاج طاقة جديدة ومتجددة مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والطاقة الحيوية وما نحو ذلك هذا بالإضافة الي ضرورة اعداد وتأهيل كوادر بشرية قادرة علي التعامل مع القضايا النووية تحديدا وتهيئة المناخ الملائم لهم علي جميع الأصعدة العلمية والبحثية, علي أن يسير هذا الاتجاه علي التوازي مع بناء محطات ومفاعلات نووية علي أيدي علماء وباحثين مصريين يستمدون نشاطهم وقواهم من البحث العلمي الذي هو قاطرة التقدم.