تبدو مسألة تحقيق الاكتفاء الذاتي من القمح مسألة مثيرة للجدل, ففي الوقت الذي يؤكد فيه خبراء الزراعة إمكان تحقيق هذا الاكتفاء من القمح فإن وزير الزراعة أمين أباظة يقول: إن تحقيق الاكتفاء بنسبة100% أمر مستحيل, لأن ذلك تلزمه زراعة ما بين4.5 و5 ملايين فدان بالقمح سنويا, بدلا من2.7 إلي3.1 مليون فدان حاليا, وأشار إلي أن أكثر نسبة يمكن تحقيقها هي70% بحلول عام2017 بدلا من60% حاليا وفقا لاستراتيجية الزراعة. وأغلب الظن أن مسألة الاكتفاء الذاتي من القمح مسألة أمن قومي, وليس خافيا أن التقلبات العالمية تؤثر في الأسعار والكميات المتاحة من محصول القمح, وفي غضون العامين الماضيين فقط شهدنا تقلبات حادة قفزت بسعر الطن في مرحلة من المراحل إلي400 مليون دولار دفعة واحدة. ومع التسليم بأن التقلبات الجوية أصبحت جزءا من واقعنا, فإن تزايد الاستهلاك في مناطق عدة من العالم سوف يفرض ضغوطا كبيرة علي القمح من حيث ما هو متاح, فضلا عن أسعاره, ويكفي الإشارة هنا إلي أن منظمة الأغذية والزراعة الدولية( الفاو) تتوقع أن يرتفع الطلب علي القمح في عام2030 إلي نحو850 مليون طن, ولا يمكن مواجهة هذا الطلب إلا باللجوء, مثلما يقول الخبراء, إلي وسائل زراعة حديثة, أو باستعجال زراعة القمح المعدل وراثيا, وزيادة كمياته تحسبا من ارتفاع كبير في سعره, الأمر الذي قد يمنع وصوله إلي الفقراء, وليصبح طعام الأغنياء فقط, ومن هذه الحقائق المجردة لا يمكن لحكومة ذكية أن تقوم حجتها, أو تستند في إحساسها بالأمان إلي وهم لسنا دولة معزولة حتي نخشي ارتفاع أسعار القمح عالميا, أو اتخاذ دولة قرارا بحظر تصدير محصولها, فالسوق العالمية مفتوحة. نعم السوق مفتوحة, لكن بأي سعر, وتري هل فرق السعر أولي دفعة للفلاحين المصريين أم الأجانب؟ وماذا لو اختار الآخرون أن يوفروا الغذاء لمواطنيهم هم, حتي لا تحدث قلاقل, بدلا من القلق علي توفير الغذاء لمواطني دولة أخري حتي لو كانت صديقة مثل مصر! ويبقي أن العلماء البريطانيين قد تمكنوا أخيرا من فك رموز الخريطة الجينية للقمح, الأمر الذي سوف يساعد علي إنتاج نوع جديد من القمح قادرا علي مواجهة التغيرات المناخية, والصمود في أوقات شح المياه, وها هو العلم يتدخل لمضاعفة إنتاج القمح, إلا أن التنفيذيين والحكومات علي مستوي العالم الثالث مطالبة بالتحرك, ومواكبة ما يجري في العالم بدلا من التهوين من مسألة إنتاج غذاء مواطنيها.