جريمة اعتداء الشاب المسيحي علي الطفلة المسلمة وتوزيع صورها علي المحمول والانترنت جريمة فردية اخلاقية جذورها اجتماعية, ولايمكن ان ننسبها إلي المسيحيين أو المسيحية. وجريمة نجع حمادي البشعة التي راح ضحيتها اخوة مسيحيون جريمة فردية ايضا جذورها سلوكية واجتماعية ولايحق لمثيري الفتنة والمأجورين والعملاء ان ينسبوها للإسلام او المسلمين. هاتان الجريمتان كل منهما كان يمكن ان تحدث بين ابناء العقيدة الواحدة.. وهي تحدث بالفعل. د. عزة كريم استاذ علم الاجتماع بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية تحدد اساس المشكلة قائلة اننا اذا تناولنا الامر برمته بالتحليل فسوف نجد الفتن والصراعات بمختلف اشكالها تتواجد بين فئات عديدة في المجتمع المصري, فهناك فتن بين احزاب المعارضة والحزب الحاكم, وكذلك بين الشعب والحكومة تتمثل في ازمة فقدان الثقة, وكذلك في مجلس الشعب نفسه.. فاذا كانت تلك هي الصورة المسيطرة أو المناخ العام السائد فمن البديهي ان تمس المسلمين والمسيحيين وربما ترجع اسباب ذلك إلي الأوضاع الاقتصادية المتردية والعشوائية التي يعاني منها المجتمع ومسرح كل فرد فيه.. وقد تكون هناك اطراف خارجية تعمل علي استغلال مثل هذه الأوضاع وتعمل علي تعذية الصراعات بين مختلف طوائف المجتمع المصري لتقضي علي تماسكه وتعمل علي تقويضه. وإذا أردنا مزيدا من الدقة والوضوح في التحليل فاننا نؤكد ان نيران الفتنة لاتشتعل علي الاطلاق من تلقاء نفسها, ولكنها تكون بفعل فاعل فالأمر المؤكد ان خانة الديانة لم تكن أبدا علي امتداد العصور تمثل أهمية بالنسبة للمصريين ولكن التعاون والتضامن اهم صفتين يتسمون بهما عبر سنوات طويلة وخصوصا في الصعيد.. ولذلك فاننا نري ان اصابع الاتهام في هذه القضية تتجه إلي بعض كبار المثقفين والمسئولين وكبار رجال الدين المسلمين والمسيحيين الذين يظهرون في وسائل الاعلام ويعقدون مقارنات مستمرة بين المسلمين والمسيحيين في تقلد المناصب والمعاملة, وعدد اماكن العبادة وشغل الوظائف الرسمية.. فتلك المقارنات هي التي اشعلت نيران الفتنة في حقيقة الأمر لان المسيحي شعر بالظلم, وكذلك شعر المسلم ان المسيحي يسعي إلي ان يأخذ مكانه.. وحينما تتولد مثل هذه المشاعر فلابد ان يتولد معها رغبة في الانتقام وحالة من الغليانالتي اسهمت فيها بعض وسائل الاعلام, خصوصا في برامج التوك شو التي تعتمد في كثير منها علي سخونة الحوار وعلي الحوارات المضادة الصراعية بين طرفين والتي قد يتحول بعدها الصديق إلي عدو.. وعلي الجانب الآخر نجد ان القوانين ايضا بدأت تدخل حلبة الصراع كما تضيف د. عزة كريم ففي الفترة الأخيرة كثر الحديث حول القوانين الموحدة للمسلمين والمسيحيين بالنسبة للاحوال الشخصية.. ولم يكن ذلك مطروحا من قبل كما انه من المؤكد انه ليست كل القضايا قابلة للنقاش لانه قد يؤدي ذلك إلي صراع ومنافسة ثم تعصب ينتج عنه عواقب وخيمة. والحل من وجهة نظرنا يكمن في وقفة سريعة تتضافر فيها جميع الجهود قبل ان تتحول هذه الظواهر إلي قنابل قابلة للانفجار تهدد كيان المجتمع ككل.. وهذه الجهود تشمل الجهات الحكومية والمدنية الرسمية الممثلة في المساجد والكنائس ورجال الدين المسيحي وعلماء المسلمين ووسائل الاعلام التي لابد ان تعد من سياستها في هذا السياق ولاتعتمد اظهار الفتنة بأشكالا المختلفة.. وكذلك هناك دور مهم للمناهج الدراسية في مختلف المراحل التعليمية, وبالذات التعليم الاساسي الذي يجب ان تبث من خلاله روح الاحترام فيما بين المسلم والمسيحي وسرد قصص وحكايات تدعم ذلك علي امتداد العصور. د. ممتاز عبدالوهاب استاذ الطب النفسي بجامعة القاهرة يركز علي أهمية الاعتراف أولا بوجود مشكلة حقيقية وعدم اللجوء إلي تصريحات دبلوماسية تحاول التهوين منها هروبا من مواجهتها لان الاعتراف بوجود مشكلة يدفع الجميع للبحث عن حل لها ويتحمل المسئولية تجاهها. ولهذه المشكلة اسباب واضحة تتمثل في نواحي اقتصادية متعثرة مثل البطالة وتأخر سن الزواج بحيث تدفع الشباب إلي ان يكون فريسة سهلة للافكار المتطرفة كنوع من الهروب من ازماته, بالاضافة إلي غياب دور رجال الدين المستنير في توضيح العلاقة الطيبة بين مختلف الاديان.. ناهيك عن الاحساس بالظلم والاحباط نتيجة انتشار المحسوبية والوساطة التي تولد نوعا من الرغبة في الانتقام ربما من النفس أو من المجتمع ككل وهو ما يوجه في اغلب الاحيان إلي بعض الاقليات كي يتحول الاحساس بالانكسار إلي احساس بالانتصار والزهو وتحقيق مكاسب قد يكون السبيل إليها هو العنف الطائفي. والعلاج يبدأ أولا من ضرورة خلق انشطة مشتركة فيما بين المسلمين والمسيحيين في مختلف النواحي. وكذلك علي رجال الأعمال دور مهم في إيجاد فرص عمل تقوم بانتشال الشباب من مأزق البطالة والمخدرات والتطرف, كما ان تنشيط مشاركة الشباب في الحياة السياسية في الجامعات امر مهم لافراغ طاقاتهم في شيء مفيد بدلا من افراغها في عنف ضد الآخر. د. هاشم بحري استاذ الطب النفسي بجامعة الأزهر يؤكد من جانبه ان التدخل الأمني هو علاج سريع ووقتي وليس له مردود ايجابي علي المدي البعيد, ولكن هناك علاجا استراتيجيا, يكمن في وجود وحدة الاهداف فيما بين المسلمين والمسيحيين واهمها تحقيق الأهداف المشتركة الخاصة بنشر مباديء العدل والمساواة بين افراد المجتمع, ونحن نريد هنا ان نؤكد ان اصلاح الوضع الحالي الذي اصاب المجتمع مؤخرا امر يعد هو السهل الممتنع, فالامر في حقيقته سهل نظرا لوجود تاريخ طويل يشهد ويؤكد علي عمق الروابط فيما بين المسلم والمسيحي.