هل من جديد في العلاقات التركية الأمريكية؟ بعبارة أخري ألا يوجد ما يستوجب أن يكون هناك ما هو مختلف ومغاير في مسيرة تلك العلاقات؟ وهل كان لزاما أن تنشر الفايننشيال تايمز تصريحات مختلقة. كما قيل حتي يدرك الساسة ومعهم مراقبون أن هدوء السطح لا يخف تلال من الشكوك باتت تعتمل وتتفاعل في دوائر صنع القرار الامريكي. علي الصعيد الرسمي نفي بيل بيرتون المتحدث باسم البيت الابيض يوم الاثنين الماضي أن يكون الرئيس الامريكي أوباما قد وجه انذارا الي تركيا بسبب سياستها حيال ايران ومواقفها الاخيرة ضد اسرائيل واردوغان نفسه ومعه وزير خارجيته أكدا علي عمق الروابط الوثيقة بين واشنطنوأنقرة ورغم ذلك لا تعكس تلك العبارات حقيقة ما ورائها. فالمؤكد أن تركيا قبل عامين ونصف وربما أكثر قليلا لم تعد هي نفسها لدي الذهن الأمريكي فبعد أن كان يشار إليها بالبنان كونها دولة ديمقراطية إسلامية مهمة في محيط مضطرب تتسم سياساته بالتطرف والتشدد ومعاداة إسرائيل والغرب معا بيد أن جورج بوش الابن أرادها نموذجا للشرق الاوسط الكبير عقب إنفجارت سبتمبر الرهيبة ليت جوارها وما بعده يقتدي بها صار ينظر اليها علي أنها تسعي زحفا كي تكون حاضنة للانظمة الرديكالية. الغريب أن احمد داود اوغلو تنبأ نهاية السنة المنصرمة ان يكون عام2010 الذي نعيشه هو عام العلاقات التركية الامريكية التي ستشهد طفرة غير مسبوقة لكن يبدو أن توقعاته ذهبت ادراج الرياح ففي الاسابيع الاولي من هذا العام نعتت لجنة العلاقات الخارجية بالكونجرس الامريكي تركيا بإبادة الأرمن إبان الحرب العالمية الاولي ومن وجهة نظر أنقرة كان يمكن لباراك اوباما أن يفعل شيئا وفي لهجة تصعيدية حادة أكد داود أوغلو أن موقف بلاده حيال ناجورنو إرباخ المتنازع عليه بين يريفان وباكو لم يتغير وأن البرلمان التركي لن يصادق علي بروتوكولات التطبيع مع أرمينيا التي سبق ووقع عليها البلدان في أحد العواصم الاوروبية خلال أكتوبر الماضي وبحضور وبمباركة وزيرة الخارجية الامريكية هيلاري كلينيتون. ثم جاء اتفاق تبادل اليورانيوم مع إيران والذي رفضته أوروبا وامريكا معا وسط تشنج تركي لافت وإطلاق عبارات لا تليق بالحلفاء واعتبر يوشكا فيشر وزير الخارجية الالماني الاسبق' لا' التركية مع' لا' البرازيلية في إقتراع مجلس الأمن علي العقوبات الجديدةضدايران مرآة تعكس تردي علاقات تركيا بالغرب ولم يمر اسبوعان إلا ويقع هجوم البحرية الاسرائيلية علي سفينة مرمرة التركية للمساعدات الانسانية لسكان غزة نهاية مايو وما اعقبها من تداعيات ورغم اسف الولاياتالمتحدة لسقوط ضحايا إلا أنها لم تخف إمتعاضها من السلوك الاردوغاني المثير للجدل. وكان طبيعي أن يدلو عددا من المحللين الاتراك بدلوهم خاصة وهم يرون أخطاء تكاد تشكل سمة لسياسات بلادهم الخارجية, فكتب سميح أيدز وهو كاتب بارز في صحيفة ميلليت منبها ومحذرا من مغبة الارتماء في احضان جوار قد لا يؤتمن مقابل التخلي عن الغرب المفترض أنه سدرة المنتهي للأناضول وراح سامي كوهين في ميلليت أيضا يدق علي الوتر ذاته مشيرا إلي التساؤلات المثارة داخل الكونجرس الامريكي حول امكانية الثقة في تركيا كحليف وهو ما يعني وفقا لتحليل كوهين عدم الاستجابة للمطالب التركية بخصوص شراء الاسلحة. ولم يكن الامر مصادفة في ان يتزامن هذا القلق مع مزاعم خرجت من تل أبيب قالت أن تركيا قامت بمد سوريا وحزب الله بأنظمة دفاعية وبعدها بقليل راجت تحليلات في مواقع الكترونية دولية مختلفة تساءلت بدورها ما الذي يمنع أنقرة وهي العضو المهم في الناتو من نقل خبرات وتقنيات إلي اعداء أمريكا واسرائيل. ولم تقتصر خيبة الامل فقط علي الامريكان بل امتدت إلي الساسة الاوروبيين وها هو ولهذا السبب جاء وصول رئيس وزراء بريطانيا ديفيد كاميرون ووزير خارجية المانيا الي أنقرة في محاولة للحصول علي ضمانة من الحكومة بعدم تغير مسار الخارجية التركية الي الشرق. لكن يبدو أن القائمين علي صنع القرار في وريثة الامبراطوية العثمانية لا ينتبهون بما فيه الكفاية لما يدور في كواليس الغرب الاوروبي والامريكي معتبرون الحاصل زوبعة وهواجس لا محل لها وها هم يلوحون بايديهم مفتخرون باشادة النيوزويك الامريكية( التي تطبع باللغة التركية) بصعود تركيا العدالة والتنمية في احتفالية خصصت لها الدورية الشهيرة جزء كبير من عددها الصادر في نهاية يوليو الفائت.