هذه الأيام تحل الذكري العشرون لرحيل كاتب من طراز فريد... أقام الدنيا وشغل الناس برواياته الجريئة وأفكاره المتحررة.. حاصرته الاتهامات واختزله خصومه في خانة كاتب المرأة رغم أن مواقفه السياسية تشهد باتساع آفاقه وتعدد اهتماماته. ويكفي أنه كان أول من فجر وهو لايزال شابا صغيرا قضية الأسلحة الفاسدة التي أدت إلي هزيمة الجيش المصري في حرب1948. لكن الوجه الآخر الذي لايعرفه كثيرون عن إحسان عبدالقدوس هو السخرية والنقد اللاذع الذي لايخلو من لمسة تهكم! لم يكن إحسان يعرف المجاملة, أو يلجأ إلي الحلول الوسطي ورغم أنه لم يكن مجرد كاتب شهير بل نجم مجتمع بامتياز, فإنه كان يكره اللون الرمادي ويقول كلمة الحق بوضوح وسخرية دون أن يخشي في الله لومة لائم أو غضب فنان شهير أو مسئول كبير, هنا طائفة من أقواله الساخرة: * سألتني إحدي القارئات ذات مرة: لماذا لاتسمي قصتك الجديدة لاتطفيء النور بدلا من لاتطفيء الشمس. فأجبتها: عيب ميصحش سعاد حسني ونادية لطفي تعيدان مجد فاتن حمامة وماجدة في الردح.. ولكن الردح أيام فاتن حمامة كان أرقي في مستواه!! * لو كانت مواهب نجوي فؤاد في مستوي نشاطها.. لكانت شيئا عظيما! * سقط شهيد آخر من شهداء النفط.. بليغ حمدي اشترك مع الطويل في تجارة الفن... الهمنا الله فيهما الصبر والسلوان! * شاهدت محمد رشدي في تمثيلية علي بابا في التليفزيون, يلقي أغنية شعبية في مقهي بلدي, وهو يرتدي بنطلون وقميص أمريكاني مشجر, ويمسك في يده ماندولين بدلا من الربابة! هل هذا معقول؟ وإذا افترضنا أن محمد رشدي يريد أن يدعو الشعب إلي البنطلون بدلا من الجلابية, فما هي حكمة القميص المشجر.. والأدهي... ماهي حكمة الماندويلين... خصوصا أن المقهي كان مقهي بلديا, وكل زبائنه من أولاد البلد.. وكلهم يرتدون الجلاليب؟ * الأنفلونزا تمر علينا بالدور, فقد خرجت أي الأنفلونزا من مكتب فتحي غانم, ودخلت مكتب أبوالعينين, ثم طرقت باب أحمد بهاء الدين ودخلت إليه تسير في وقار وتحت إبطها كتاب, أحمر, ثم اقتحمت بابي وحلمتني عنوة وضمتني إلي صدرها في عنف ثم ألقت بي فوق الفراش! * الأسطي محمد الحلاق يحدثني عن الرؤوس التي يحلق لها.. إن رأس محمد حسنين هيكل توحي بالعمل الشاق.. رأس عبدالحليم حافظ توحي بالذكاء..ورأس أحمد بهاء توحي بالمنطق.. ورأس فتحي غانم توحي بالفوضي.. رأس كمال الشناوي توحي بالغرور.. وحين سألته.. وبماذا توحي رأسي؟ تهرب قائلا: لامؤاخذة ياأستاذي... أنا مش مركز دلوقتي! * وكان رحمه الله يتعامل بهدوء وسخرية من الآراء النقدية التي تهاجمه بلا ذنب جناه سوي أنه كان الكاتب الأكثر جماهيرية وانتشارا وكأن الوصول للناس في الشارع خطيئة تنزل الأديب من أبراج المثقفين العاجية. يقول إحسان: عزيزي الأستاذ أحمد حمروش تحية وشوق.. قرأت رأيكم في قصتي الوسادة الخالية ولاأنام, والذي أدليت به إلي مجلة الإذاعة.. وأعدكم بأني سأحاول أن أقتنع بمبادئك الفنية التي تحتم ألا يشهد الفيلم أو المسرحية أكثر من عشرة متفرجين في الليلة الواحدة... وأؤكد لك أن إقبال الجمهور علي عملي الفني ليس مقصودا ولكنه كما تري مجرد سوء حظ.. ولو كنت حسن الحظ, لنالت قصصي نفس النجاح الذي تناله المسرحيات التي تمثل علي مسرح الأوبرا, ولاتقبل عليها الجماهير... وإني أعدكم بأن أحرص في المرات القادمة علي ألا يشاهد قصصي في السينما أكثر من عشرة مفترجين تأييدا مني لمبادئكم. وتقبل تحياتي الفناني الفاشل الذي يقبل عليه الملايين, إلي الفنان الناجح الذي لايحس به أحد.. ملحوظة: قرأت أخيرا حكمة لعلك صاحبها.. والحكمة تقول.. إن الفن كالأسرار العسكرية, لايجب أن يصل إلي الناس!