الجدل حول خطة التقشف, التي وضعتها الحكومة الإيطالية لخفض العجز في الموازنة العامة, مازال دائرا رغم إقرار البرلمان الإيطالي بمجلسيه الشيوخ والنواب لتطبيقها. وأصبحت المعارضة لهذه الخطة تمثل تهديدا حقيقيا لبقاء حكومة بيرلسكوني, خصوصا أنها أثارت احتجاجات واسعة وإضرابات بين جميع شرائح المجتمع الإيطالي, بما في ذلك القضاة والدبلوماسيين والأطباء وغيرهم من الفئات المؤثرة. تهدف خطة التقشف الإيطالية إلي توفير25 مليار يورو من نفقات الدولة في العامين الحالي والقادم, بغرض الهبوط بنسبة العجز في الموازنة العامة من5.3% من الناتج المحلي الإجمالي التي بلغها في عام2009 إلي2.7% عام2012, ليكون تحت السقف الذي حددته معاهدة ماستريخت الأوروبية للاستقرار المالي ب3%, وتقوم الخطة علي تجميد الرواتب لمدة ثلاث سنوات لموظفي القطاع العام التوظيف في الدوائر الحكومية, وكذلك إلزام الوزارات بخفض نفقاتها بنسبة10%, ولم تترك الخطة القطاع الخاص, حيث ستزيد من الضرائب وتخفض الرواتب. الإيطاليون لم يتقبلوا خطة التقشف, رغم أنها ليست الأولي علي الصعيد الأوروبي, حيث سبقت اليونان وإسبانيا والبرتغال وإيرلندا وألمانيا إلي إقرار إجراءات مماثلة للسيطرة علي الديون والعجز في الموازنات, ويرجع سبب الرفض في الأساس إلي أن الناخب الإيطالي منح صوته لبيرلسكوني رجل الأعمال الناجح ليقود الاقتصاد الإيطالي نحو الرخاء, لكن التجربة أثبتت أن إدارة اقتصاد دولة بحجم إيطاليا يختلف عن إدارة شركة أو مجموعة اقتصادية أيا كان حجمها, وساهمت الأزمة الاقتصادية العالمية في خفض تقديرات حكومة بيرلسكوني للنمو الاقتصادي في2010, كما ارتفع الدين العام الإيطالي إلي115.8% من الناتج الإجمالي المحلي لعام2009, ومن المتوقع أن يصل إلي118.4% في العام الحالي, وبذلك يعد الدين العام الإيطالي من أعلي الديون في العالم, ويكون بيرلسكوني فشل في تحقيق أهم وعوده الانتخابية. معارضة خطة التقشف لم تتوقف عند فئات المجتمع الإيطالي فقط, بل تعدته إلي بعض أعضاء حكومة وحزب بيرلسكوني, حيث انتقد وزير الخارجية فرانكو فراتيني الإجراءات التقشفية الخاصة بوزارته, وتحدث عن إجراءات عبثية منها ترقية موظفين دون زيادة في الأجور, ولم يخف رئيس مجلس النواب جان فرانكو فيني معارضته لهذه الخطة, كما أكد حكام المناطق أنهم لن يستطيعوا تأمين بعض الخدمات الاجتماعية أو في مجال النقل, ويستطيع المراقب لتسلسل الأحداث علي الساحة السياسية الإيطالية في الفترة الأخيرة الوصول إلي أن نهاية حكومة بيرلسكوني قد تكون قريبة, فهناك الكثير من الشواهد التي تقود إلي هذا الاتجاه, من بينها أن حكومة بيرلسكوني ذات الأغلبية الكبيرة في البرلمان لم تحصل سوي علي329 صوتا مؤيدا لخطة التقشف من بين650 صوتا هي مجموع مقاعد مجلس النواب, مقابل معارضة275 نائبا, وهو ما يعني أن المعارضة لم تعد ضعيفة, كما أن إجراء ذلك التصويت في حد ذاته كان يمثل مؤشرا, حيث أن حكومة بيرلسكوني اضطرت إلي طلب الثقة من البرلمان للمرة36 منذ توليها السلطة قبل أكثر من عامين, وهو ما اعتبره الأمين العام للحزب الديمقراطي المعارض مؤشرا علي قرب النهاية السياسية للحكومة الإيطالية. وقد زاد من التكهنات بقرب نهاية حكومة بيرلسكوني تصاعد خلافه مؤخرا مع رئيس مجلس النواب جان فرانكو فيني, الذي كان يعتبر الرجل الثاني بالحزب الحاكم, وذلك بعد قرار المكتب التنفيذي لحزب شعب الحرية بفصل فيني من الحزب, وهو ما دفع عددا من النواب بالبرلمان إلي الاستقالة الجماعية من الحزب, فيما اعتبره المراقبون تجميدا انشقاقا قد يتسبب في الدعوة إلي انتخابات مبكرة مطلع العام القادم لإنهاء حالة الاضطراب السياسي التي تشهدها إيطاليا.