أتيحت لي الفرصة في عام1997 لحضور ندوة في إحدي قاعات نادي الصحافة القومي في واشنطن, وكان المتحدث فيها البروفيسور الاسرائيلي أفنر كوهن, الذي أثار ضجة في الأوساط السياسية الأمريكية, منذ أن صدر له قبلها بأسابيع, كتاب عنوانه اسرائيل والقنبلةIsraelandtheBomb وما قيل في الندوة لم يختلف في التفاصيل عما ورد في الكتاب, باستثناء تفسيرات من كوهن ردا علي أسئلة الحضور. كشف كوهن بناء علي الوثائق السرية الاسرائيلية والأمريكية التي رفع عنها الحظر عن كثير من خفايا برنامج التسلح النووي الاسرائيلي. من بينها ماتعرض له مؤتمر مراجعة معاهدة حظر الانتشار النووي في نيويورك في آواخر مايو2010, لسياسة الغموضambiguity التي تتبعها إسرائيل, والتي صارت مشكلة تشغل الحكومة الاسرائيلية هذه الأيام, بعد أن تبني المؤتمر قرارا ببدء مفاوضات حول الشرق الأوسط منطقة خالية من الأسلحة النووية, ينطبق ذلك علي إسرائيل وايران, ووضع منشآت اسرائيل النووية تحت سلطة التفتيش للوكالة الدولية للطاقة الذرية. كشف أفنر كوهن عن أن سياسة الغموض النووي كانت سياسة اسرائيلية بالاتفاق مع الولاياتالمتحدة, أثناء اجتماع تم في واشنطن بين الرئيس نيكسون, وجولدا مائير رئيسة وزراء اسرائيل, ويقضي بعدم قيام الولاياتالمتحدة, بالضغط علي اسرائيل لتوقيع المعاهدة, وإيقاف زيارات المفتشين الأمريكيين لمفاعل ديمونة, وفي المقابل تتعهد اسرائيل باضفاء جو من الغموض علي برنامجها النووي, فلا تعلن عنه أو تعترف بوجوده, ومن يومها ولدت سياسةOpacity أي اللاشفافية, أوالغموض. ومما أزاح أفنر الستار عنه أيضا, قوله أن كنيدي هو الرئيس الأمريكي الوحيد الذي اتخذ خطوات جدية لوقف المشروع النووي الاسرائيلي. وان ضغوط كنيدي علي رئيس الوزراء بن جوريون كانت السبب في استقالته عام1963. لكن حدثت تصرفات داخل إدارة كنيدي لعرقلة جهوده, فالعلماء الذين كان يرسلهم للتفتيش علي البرنامج النووي الاسرائيلي, لم يعثروا علي دليل مباشر علي نشاط اسرائيل لصنع سلاح نووي, والسبب أن وكالة المخابرات المركزية التي تأكد لها بالأدلة في النصف الأول من الستينيات, أن إسرائيل تطور بالفعل أسلحة نووية, قد أخفت عن هؤلاء العلماء الذين زاروا ديمونة, مالديها من معلومات. كوهن حصل علي معلوماته من وثائق الأرشيف الوطني, ووزارة الخارجية في اسرائيل, ومن أوراق بن جوريون في المركز الذي يحمل اسمه في سد بوكر, وأوراق ليفي اشكول, وكذلك من الوثائق السرية للأرشيف الوطني الأمريكي والرسائل المتبادلة بين كنيدي وبن جوريون. كانت هذه الخلفية المستترة, تقف وراء مصطلح الغموض وسياسة إسرائيل النووية, التي تعرض لها بيان مؤتمر نيويورك, وإعلان الرئيس أوباما تقديره للاتفاق المعلن في نيويورك. رغم محاولته موازنة موقفه هذا الاعتراض علي ذكر إسرائيل بالإسم في البيان الختامي, وبعد ذلك موافقة الوكالة الدولية للطاقة الذرية لأول مرة علي مناقشة القدرات النووية لاسرائيل, وبعد محاولته تهدئة قلق اسرائيل في لقاء نيتانياهو الأخير. ولاشك أن هناك تداعيات للاتفاق, ولموقف ادارة أوباما, علي الجانبين الأمريكي والاسرائيلي منها: { ان موافقة ادارة أوباما علي البيان, تمثل نوعا من الخروج علي سياسة الغموض, التي أقرها نيكسون وجولدامائير في الستينيات, أي قبل حوالي40 عاما, ويمكن النظر الي هذا التطور علي ضوء أول خطاب تفصيلي لأوباما عن سياسته في التعامل مع التسلح النووي, والذي أعلنه في مدينة براغ عاصمة جمهورية التشيك في ابريل2009 وقوله: انني أعلن اليوم بوضوح واقتناع التزام أمريكا بالسعي من أجل سلام وأمن عالم بدون أسلحة نووية. { ان اسرائيل مازال لديها إصرار علي الاستمرار في رفض وضع برنامجها النووي تحت سلطة تفتيش الوكالة الدولية للطاقة الذرية. وهو مايشكك في احتمالات حضورها مؤتمر عام2012, الذي سيتم خلاله بدء تنفيذ بيان نيويورك. وهناك تعارض واضح بين الموقفين, فادارة أوباما جعلت من إقامة منطقة خالية من الأسلحة النووية في الشرق الأوسط, سياسة لها. يعزز هذا التوجه أنها صعدت إلي قائمة مصادر التهديد لأمنها القومي, إمكان تسرب أسلحة نووية صغيرة لمنظمات إرهابية لكن أوباما لن ينجح في اقناع الدول الأخري بالموافقة علي سياسته, إذا ظلت أمريكا تكيل بمكيالين في موقفها إزاء اسرائيل. وفي المقابل فإن اسرائيل, إلي جانب الدوافع الاستراتيجية لامتلاكها سلاحا نوويا, فإنها تعتبره سلاح ردع نفسيا حتي ولو لم يستخدم. الموقف الآن ينبئ بتغيير في التفكير الأمريكي النابع من أسباب متعددة ترجع إلي التحولات في النظام الدولي, وتغير مفهوم القوة, والتنوع في مصادر تهديد الأمن القومي. ويبقي السؤال: إلي أي مدي يمكن لأوباما أن يفرض علي اسرائيل الالتزام بمعايير يطالب بتطبيقها علي كل الدول, وأن تبرأ أمريكا من علة, ازدواجية المعايير والكيل بمكيالين؟!