أزمات متلاحقة ثالوث من النكبات شلال من التفجيرات.. تلك هي العناوين الرئيسية التي يعيشها اليمن اليوم.. الصورة بالقطع مرعبة والوضع أكثر من معقد, باتت أزمات اليمن لا تأتي فرادي.. فالمشهد السياسي في شطري اليمن الشمالي والجنوبي تلاحقه كثير من التوترات. فجحافل الإرهاب الأسود الدامي تسعي طيلة الوقت لتسويد صورة اليمن الذي كان بالأمس القريب اليمن السعيد حيث القاعدة وأخواتها تبحث لها علي مدي الساعة في يمن اليوم عن قاعدة انطلاق ومنصات تمركز وعمليات إنزال خلفي بعد أن أعيتها الضربات المتلاحقة والمطاردات الماراثونية ونزيف الفشل والفرار المستمر حاليا من العراق, والهروب شبه الجماعي من أفغانستان وباكستان, بفعل قبضة ضربات الناتو. وفي الوقت نفسه, تبرز علي سطح الأحداث في اليمن قصة مأساة جديدة من التوتر والفتن والتجاذب السياسي الطائفي, يصنعها لاعب سياسي جديد في منطقة صعدة إحدي أكبر محافظات الشمال, تلك الجماعة التي تسمي الحوثيين, مجموعة من الزيديين الشيعة التي تقف وراءهم وتساندهم بالمال والدعم والمد اللوجستي دولة في حجم إيران التي تجد فيهم إحدي أبرز أدوات استراتيجية الهيمنة والاختراق والتمرد الإيراني في المنطقة فتجعل منهم هدفا ومنطلقا لها طيلة الوقت, حتي لو وصل الأمر إلي حد التباعد والخلاف مع دولة اليمن وقيادتها بفعل بؤر التوتر والقلاقل التي تخلقها لها عبر أتباعها من الحوثيين الذين كانوا ومازالوا بحق نعم الأتباع الذين لا هدف لهم من شمال اليمن, خاصة منطقة صعدة وغيرها سوي توسيع رقعة الفوضي والفتن والاضطرابات علي قطعة الشطرنج اليمني المستقر والآمن. وبما أن مشاكل وأزمات اليمن لا تأتي فرادي.. فذلك لا يمنع من عودة جماعة الحراك الجنوبي الانفصالي الذين يأبون أن يتركوا مشروع وحدة اليمن القائم لتكريس شطريه في دولة الوحدة منذ عشرين عاما بالتمام والكمال حتي الآن ان يكمل دورته الكاملة دون منغصات ومناكفات وقلاقل سياسية وتشرذم جغرافي يغذيها بضعة نفر لا يتجاوز عددهم60 أنفصاليا من قادة وعتاة أصحاب السوابق والجرائم الجنائية والفارين من العدالة, تغذيهم وتمدهم أطراف ودول إقليمية ودولية بالمال والمساعدات اللوجستية ومؤامرات التقسيم والانفصال من جديد لوأد حلم تلك الوحدة, يتنادون طيلة الوقت بعودة زمن التشطير والتشظي السياسي في اليمن. وكل ذلك بعد أن أعيتهم تلك الوحدة ووقفت حائلا سنوات طويلة دون تحقيق أهدافهم ومقاصدهم الرخيصة في تقسيم وتشقق اليمن. جاهزية الدولة والجيش وفي مقابل تلك الأزمات مازالت قوة وقبضة الدولة اليمنية قوية تعلم حقيقة ومجمل تلك التحديات بواقعية شديدة ولديها القدرة شبه الكاملة علي ضبط الإيقاع السياسي والأمني بفضل الخبرة السياسية الطويلة التي اكتسبها النظام اليمني عبر سنوات طويلة, فحرب الإرهاب وخطر القاعدة وأخواتها بات يعلم أنها ليست بالهينة أو السهلة بل ستكون طويلة وممتدة ولم ينكر يوما صعوبة الوصول إلي كتابة النهاية الطبيعية له حتي هذه الساعة, بل هو يعلم ويقول صراحة إنه لايزال في ربع الساعة الأول من الشوط الأول ولا يخفي صراحة طلب الدعم والمساعدات اللوجستية من تدريب وتجهيز قواته ومعداته والمدد الاستخباراتي ليس من دول الجوار الجغرافي أو المحيط العربي, بل حتي من الولاياتالمتحدةالأمريكية وبريطانيا ودول أوروبية لديها من الخبرة والتراكم في مكافحة الإرهابيين ومطاردة فلول القاعدة ما يكفي. ولذا لم يتأخر الرئيس علي عبدالله صالح في ضبط ساعة المواجهة الأولي ومطالبة قادة المؤسسة العسكرية في اليمن في الالتفات إلي ساعاتهم لشن حرب ضروس مستمرة رحاها حتي هذه اللحظة في عديد من مناطق اليمن, خاصة محافظات مأرب وشبوه والجوف وإبا في شمال وجنوب اليمن لدك حصونهم علي مدي الساعة, حيث تخوض قوات الجيش معارك شبه يومية بعد أن حددت الأهداف بدقة. وربما يكمن المأزق الذي تواجهه السلطات اليمنية في حربها الطويلة والممتدة حاليا مع القاعدة أنها لم تعد تحارب وتطارد خلايا وفلولا معروفة ومعلومة للقاعدة الأم بل بات يزيد الأمر عليها صعوبة أن هذا التنظيم الإرهابي استطاع خلال السنوات الماضية أن يجند عناصر كثيرة من دول آسيوية وأوروبية وكذلك عشرات من المارقين في الولاياتالمتحدةالأمريكية الذين آمنوا واعتنقوا وتعايشوا مع فكر القاعدة طويلا في اليمن. مبادرات الرئيس وفي ضوء المعالجات الأمنية الحاسمة للسلطة والجيش اليمني لقضية الإرهاب ومطاردة القاعدة, قررت السلطات أيضا وفي وقت واحد ومتزامن توسيع دائرة الحركة السياسية في اليمن, لمعالجة قضيتي الحوثيين والحراك الجنوبي بنفس الجهد والحماس, ولكن مع مختلف الأدوات والمنهج حيث بعد حرب مطولة استمرت قرابة العام, وإن كانت بشكل متقطع سارع الرئيس اليمني علي عبدالله صالح مؤخرا بتقديم مبادرة وقف إطلاق النار مع الحوثيين في الفترة الماضية بعد أن أحرز عدة انتصارات مدوية في الساحة العسكرية. وربما تعلم هيئات عليا في اليمن أن الاتفاق الأخير مع الحوثيين لا يمثل سوي استراحة محارب حيث المخاوف اليمنية من دخول إيران علي خط هذه الأزمة من جديد وارد بقوة من أي وقت وإعطاء الضوء الأخضر للحوثيين في أي وقت لإشعال جبهة المواجهة من جديد ونقل معركة المواجهات إلي ساحات أخري. إلا أن الأمر الأكثر إثارة أن غالبية اليمنيين مازالوا يرون في مواجهة ومعارك الحراك الجنوبي شبه اليومية أكبر المشاكل والتوترات التي تواجه اليمن حاليا بل أنها تتقدم مشاكل وحروب القاعدة والحوثيين من حيث الترتيب والأولوية ويرون أن الخوف الأكبر ربما يتمثل في رفض الحراك الجنوبي للتعاطي بفعالية هذه الأيام مع مبادرة المصالحة الأخيرة للرئيس صالح والقبول بتشكيل حكومة ائتلافية وإقامة حوار وطني فعال لحل كل الأزمات والخلافات من أجل إنقاذ مستقبل الوحدة اليمنية خاصة أن أحزاب اللقاء المشترك في الجنوب لاتزال منقسمة علي نفسها وليس لديها صراحة رؤية سياسية متميزة وخطاب سياسي واضح في التعامل مع حل أزمات الجنوب أو التعاطي مع مبادرة الرئيس صالح, حيث إن الغالبية منهم تسعي لتحقيق مكاسب سياسية ومادية شخصية من وراء استمرار تفجر أزمة الحراك الجنوبي. وأخيرا.. سيظل اليمن يدور في فلك ودوامة هذه الأزمات, ولعنة الإرهاب والتفجيرات وخفقات الحراك الجنوبي الانفصالي بين الفينة والأخري, إلي أن تقرر الدول العربية ومعها الغربية تقديم الغطاء المالي واللوجستي العاجل لمساعدته في الخروج من شرك هذه الأزمات بشكل تدريجي, باعتبار أي أزمة في اليمن هي مالية اقتصادية بالأساس.