قرر الرئيس ساركوزي رفع التمثيل الفلسطيني من مفوضية عامة إلي بعثة لفلسطين لها وضعها الدبلوماسي يرأسها سفير وتكون لها لوحاتها الدبلوماسية المستقلة. وذلك في لفتة لها مغزاها ومعناها تذكر المراقب والمتابع لعلاقات فرنسا بالقضية الفلسطينية.. باللفتة التي اتحذها الرئيس السابق الراحل فرانسوا ميتران في2 مايو1989 حينما قرر رفع مستوي تمثيل منظمة التحرير الفلسطينية في فرنسا إلي مفوضية عامة لفلسطين. برناركوشنير خرج ليعلن أن فرنسا وجدت من المناسب في ظل الظروف الحالية.. وبتنسيق وثيق مع السلطة الوطنية الفلسطينية..اتخاذ خطوة جديدة, مضيفا أن هذا القرار الذي يتم تنفيذه فورا ستكون لها نتائج ثلاث: 1 المفوضية العامة لفلسطين ستصبح من الآن فصاعدا اسمها بعثة فلسطين. 2 مفوض عام فلسطين سيحمل من الآن فصاعدا لقب سفير رئيس بعثة فلسطين. 3 إن السفير الجديد رئيس بعثة فلسطين عندما يصل لتولي منصبه سيكون حاملا معه خطاب اعتماد من رئيس السلطة الفلسطينية. يتم تقديمه إلي رئيس الجمهورية في مناسبة احتفال بتقديم خطابات الاعتماد. كوشنير في تبريره لظروف وملابسات اتخاذ هذا القرار قال إنه بعد مرور ثلاث سنوات علي المؤتمر الدولي للمانحين لدولة فلسطين عام2007 وبرغم القيود والمعوقات فإن الفلسطينيين بصدد وضع قواعد دولتهم وأسسها تحت قيادة محمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية وإن المجتمع الدولي والاتحاد الأوروبي بصفة خاصة.. قد أسهم بشدة في هذه العملية ولكن الفضل الأول يعود للفلسطينيين أنفسهم, فقد قاموا بتنظيم إدارتهم وتطبيق الشفافية في كل ما يتعلق بالأموال العامة, وحققوا نتائج ممتازة أشاد بها المجتمع الدولي. ومضي كوشنير يؤكد مساندة فرنسا من الآن وحتي الربع الأول من2012 لقيام دولة فلسطينية قادرة علي البقاء, مضيفا أن بلاده إسهاما منها في تحقيق هذا الهدف.. فإنها تساند بناء مؤسسات الدولة الفلسطينية المستقلة ومن هنا كان قرار رفع مستوي التمثيل الفلسطيني في فرنسا. كوشنير أكد أيضا ضرورة أن يكون عام2010 العام الذي يحدث فيه تقدم حاسم علي طريق السلام؟! لأننا إذا انتظرنا ستتراجع فرص السلام. خطوة ميتران لم تكن مجانية.. بل كان لها مقابل في ذلك الحين حيث طلب من الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات أن يقوم بإعلان إلغاء ميثاق منظمة التحرير وكما أبلغه عرفات بأن هذا مستحيل.. فكر ميتران ووجد لها مخرجا فاستمعنا إلي عرفات في كلمة في معهد العالم العربي يعلن أن ميثاق منظمة التحرير الفلسطينية قد أصبح باليا عفي عليه الزمن. ومن هنا كان التساؤل حول ما وراء قرار إدارة ساركوزي برفع التمثيل الفلسطيني إلي سفارة؟ التساؤل لم يدم طويلا حيث خرج الإليزيه في اليوم التالي ببيان رئاسي يعلن أن رئيس الجمهورية تباحث هاتفيا مع رئيس السلطة الفلسطينية ثم مع رئيس الوزراء الإسرائيلي وأكد لمحادثيه الحاجة الملحة لاطلاق عملية السلام وعلي ضرورة تحرك الأطراف بما يتماشي مع هذا الهدف. وفي هذا الإطار دعا رئيس الجمهورية إلي استئناف سريع للمفاوضات المباشرة؟! الأمر إذن يتعلق بقبول السلطة وعباس تحديدا.. باستئناف المفاوضات المباشرة.. وهو أمر من المعروف أنه يقترن فلسطينيا وعربيا.. بحدوث تقدم ملموس وواضح فيما يسمي المفاوضات غير المباشرة الجارية حاليا من خلال المبعوث الأمريكي جورج ميتشل.. وهي مفاوضات أو بالأحري مباحثات عن بعد لم تحقق وفق ما هو معلن حتي الآن علي الأقل إلي أي تقدم. المراقب والمحلل.. قد يجد في اللفتة الفرنسية رسالة دعم وتأييد لمحمود عباس.. وللسلطة.. ولفياض.. ورسالة تأكيد وترسيخ لمواقف فرنسية ثابتة تجاه الصراع الإسرائيلي الفلسطيني.. وإن خلا بيان الإليزيه في هذا المجال من ذكر مسألة اللاجئين وحق العودة أو التعويض لمن يرغب.. ربما سقطت سهوا وربما قصد الابتعاد عن مسألة لا يرضي بها الجانب الإسرائيلي؟!! وربما كان فيها رسالة تنبيه لإسرائيل بأنه لابد من التحرك.. وإلا فإن المجتمع الدولي سيتحرك أخيرا ربما بالعودة إلي مجلس الأمن كما سبق وأعلن الوزير أحمد أبو الغيط في عدة مناسبات. كما أن كوشنير كان واضحا أيضا في الحديث عن عقد قمة دولية لإطلاق عملية السلام بمساراتها الثلاثة. وفي هذا المجال يقول مصدر دبلوماسي عربي إن التفكير يدور حول أنه لو كانت الظروف سانحة.. فإنه يمكن توظيف قمة الاتحاد من أجل المتوسط.. المفترض عقدها في نوفمبر2010 لإعطاء دعم ومساندة للتحرك من أجل السلام.. والمفترض طبعا.. وفق هذه الفكرة.. أن تكون قمة برشلونة قمة موسعة.. لتشمل أطرافا من خارج الاتحاد من أجل المتوسط.. في مقدمتها بطبيعة الحال الولاياتالمتحدةالأمريكية.. وروسيا.. وآخرون. ولكن المصادر تتحفظ في هذا المجال.. انطلاقا من حقيقة أن مساحة التحرك الأوروبي محدودة.. فأوروبا تتحرك علي الهامش.. في إطار التعامل مع قضية غزة.. والاتحاد الأوروبي يكاد يتولي المسئولية الكاملة من الناحية الاقتصادية.. ولكنه لا يتعامل مع صلب القضايا الفلسطينية.. والواقع أننا لكي نصل إلي نقطة النهاية لابد أن نتعامل مع قضية التسوية نفسها.. لا يمكن أن ننشيء دولة دون التوصل إلي حلول فيما يتعلق بقضايا الوضع النهائي. فرنسا التي هي جزء من هذه المنظومة الأوروبية تريد فعلا تحقيق شيء.. وهي قد تجد في الاتحاد من أجل المتوسط وفي قمتها المقبلة نافذة تسمح لها.. ولأوروبا معها.. بالمرور إلي التعامل مع صلب قضايا التسوية.. خاصة إذا نجحت في إقناع الرئيس الأمريكي أوباما بهذه المسألة.. بعد أن يكون قد استنفد جميع الفرص مع مبعوثه ميتشيل. تري.. هل يمكن أن تكون المجموعة الدولية هذه المرة جادة وصادقة في نياتها وفي إرادتها خاصة أن الشارع العربي والإسلامي لم يعد وحده الذي سئم هذه الميوعة في التحرك بل إن الشارع الغربي والدولي قد بات هو نفسه يشعر بأن إسرائيل أصبحت اليوم عبئا علي صورة الغرب, وعبئا علي الصراع مع الإرهاب, وعبئا علي قضية حوار الحضارات. التصريحات قوية.. والنيات طيبة.. ربما.. والخطوة الفرنسية الأخيرة.. مشكورة ومحمودة.. ولكن الإرادة.. تظل مترددة.. ودون مستوي الحزم المطلوب.