قبل أيام قليلة من الاحتفال بالعيد الخمسين للتليفزيون, قرأت في الزميلة الأخبار ما يعبر عن الأمل في أن يكون اسم المرحوم عصام بصيلة بين الراحلين من رواد التليفزيون الذين سيكرمهم وزير الاعلام أنس الفقي, لأنه أمضي أكثر من40 عاما متابعا بالتقويم والتحليل لما يبثه هذا الجهاز. كان وفاء من الذي كتب مطالبا بتكريم زميله الراحل, وهو ما لم يتحقق لا لعصام ولا لأي من الصحفيين النقاد الذين آمنوا بالتليفزيون ودور يجب أن يكون له في النهوض بالوطن, وتقدمه من خلال هذا الجهاز وما يبثه من إعلام وتوعية وتوجيه وتربية وتثقيف وترفيه راق نظيف, فتعاملوا معه علي هذا الأساس, علي أنه مكمل لما تقوم به المؤسسات التعليمية من مدارس وجامعات, وكان الحب هو دافعهم فيما يكتبون موجهين ومصححين لما يرونه معوقا لرسالته أو متجاوزا لحدود وقيم, ولما يجب أن يكون, بذلك الايمان أفنوا أيامهم أمام شاشته متابعين وكانت للكثير من آرائهم التحليلية والنقدية فيما يكتبونه عن التليفزيون وأيضا الاذاعة أثره في التغيير الي الأفضل, خاصة قبل مرحلة الفضائيات. تجاهل تكريم عصام بصيلة برغم المطالبة به وغيره من الذين أمضوا سنين طويلة من أعمارهم متابعين للشاشة لا لمجرد المتعة وقتل الوقت, ولكن لاكتشاف الجيد والضعيف والراقي والهابط, خاصة الراحلين منهم دفعني الي التقليب في كتاب أصدرته مكتبة الأسرة ضمن أعمالها الخاصة عام1998 بعنوان[ محمد صالح وعصام بصيلة في المسألة التليفزيونية], وهو من490 صفحة وقد رسم غلاف الكتاب الفنان الكبير مصطفي حسين, وكتب تصديرا له د. فوزي فهمي وكان يرأس أكاديمية الفنون. وبمناسبة مطالبة السيدة سامية صادق بقناة خالية من الاعلانات, فقد كان ذلك الموضوع محل اهتمامي لإن الفرق كبير بين إعلان تليفزيوني مباشر عن سلعة ما عن طريق القطاع الاقتصادي باتحاد الاذاعة والتليفزيون, أو احدي الوكالات الاعلانية المتخصصة وبين البرامج التي ينتجها القطاع الخاص ممولة من الاعلانات ومتضمنة الدعاية الي جانب الترفيه, وبذلك تشغل وقتا أطول قد يمتد الي نصف الساعة وربما أكثر بالنسبة للبرنامج الواحد, وقد أصبح واضحا في رمضان أن تلك النوعية من البرامج التي أنتجها القطاع الخاص هي السائدة علي الشاشة الصغيرة.. ليس علي القناتين الأولي والثانية فقط, بل علي القنوات الإقليمية أيضا, خطورة تلك البرامج أنها تفرض نفسها علي التليفزيون, اما أن يقبلها أو يرفضها بالكامل ولكن ما حدث هو القبول التام لتلك البرامج, مادامت ستشغل ساعات من وقت الارسال بغض النظر عن مضمونها, وأصبح غريبا أن نري زوجا ينتج برنامجا لتقدمه زوجته, وأسرة تنتج برنامجا علي نفقتها لتقدمه الزوجة, وذلك علي الرغم من أنها أصلا من المقررات اليومية المفروضة علي المشاهدين. انها مسألة زادت عن حدها وتحتاج الي وقفة لبحث إيجاد قناة خالية من الاعلانات تحترم المشاهدين وقيم الاعلام الملتزم الأمين, وهو النظام المعمول به في دول يحترم اعلامها المواطنين ولا يستخف بهم؟! ما قلناه قديما في عقود القرن الماضي, وسجلنا بعضه في اصدارات مسجلة بدار الكتب, مازال يردده حتي اليوم من لا يعجبهم حال التليفزيون, ويبدو أنه لهذا السبب لم يهتموا بتكريم الصحفيين الذين أفنوا جانبا من حياتهم وعيونهم علي الشاشة الصغيرة لأنه منذ أصبح للفضائيات وجود علي أرضنا توقفت الاستجابة لمعظم الآراء النقدية النزيهة التي كان يتم الاستجابة لها وقت أن كان البث التليفزيوني أرضيا فقط.