التحرك المصري المكثف علي الساحة الإفريقية هذه الأيام شمالا وجنوبا, وشرقا وغربا, يؤشر إلي أن البعد الإفريقي أصبح علي رأس أولويات السياسة الخارجية المصرية, وأن سنوات اهمال هذا الملف شديد الأهمية ولت إلي غير رجعة. وهذا الاهتمام المصري ليس منصبا فقط علي قضايا النيل التي شهدت خلال الفترة القليلة الماضية جدلا كبيرا بين دولتي المصب ودول المنبع, بل يشمل سبل تسوية النزاعات الإفريقية الإفريقية وتطورات الأحداث في السودان ودارفور والصومال, وقضايا التنمية والتعاون الاقتصادي, وفي كل قضية من هذه القضايا هناك رؤية مصرية مدروسة وعميقة تقترح الحلول وتستشرف المستقبل. لقد مضت تلك السنوات التي كانت الملفات السياسية والعسكرية تسيطر علي مجالات التعاون بين الدول الإفريقية وأصبحت قضايا التنمية والأمن الغذائي والزراعة والعلم والتكنولوجيا والتحولات الاجتماعية والاقتصادية في بؤرة اهتمام الدول الإفريقية. ومن هنا, فإن هناك حاجة لإجراء تعديل جذري يأخذ في الاعتبار هذه التطورات ولا يستبعد دور القطاع الخاص, أي أن السياسة الخارجية لم يعد يصنعها فقط دبلوماسيون محترفون بل دخل مجالها عناصر كثيرة وفي مقدمتها الخبراء الاقتصاديون والفنيون وغيرهم. وقد كان لتشجيع الرئيس حسني مبارك وتوجيهاته بالاهتمام بالقارة الإفريقية وتقديم الدعم اللازم في شتي المجالات لدولها تأثير كبير علي هذا التوجه المصري الجديد لإفريقيا, لكن لابد أن ندرك أن هذا العمل يجب أن يتواصل ويزداد كثافة, فالتحركات الموسمية لا تؤتي ثمارا, وقد أضعنا سنوات في عدم الاهتمام بإفريقيا وحتي نستعيد مكانة ودور مصر, فإن الأمر سيستغرق فترة ليست بالقصيرة. لقد كانت الدائرة الإفريقية إحدي الدوائر الرئيسية لسياسة ثورة يوليو الخارجية, وقد أولتها القيادة المصرية آنذاك اهتماما خاصا وجنت الثمار التي مازلنا نعيش علي بعضها حتي اليوم, ونحن في حاجة إلي أن نزرع البذور من جديد في التربة الإفريقية وأن نسهر علي رعايتها حتي تأتي دائما بالثمار.