ربما كان تشابه الأسماء هو السبب في هذه المأساة التي عاشها الطيار محمد عبد الوهاب محمد ابراهيم نتيجة تشابه اسمه مع المتهم محمد ابراهيم محمود ابراهيم وشهرته الزفر المتهم في قضية حيازة مخدرات قضي عقوبتها في السجن . حيث قضي الطيار الضحية العقوبة بدلا منه وفقد فيها كرامته وآدميته وخسر وظيفته وماتت أمه كمدا لما وقع عليه من ظلم ليصدق عليه مقولة ياما في الحبس مظاليم وهي عبارة كان يرددها كغيره من الناس يرددونها علي لسانهم دون ان يتجرعوا مرارة الظلم وقسوة الزنزانة.. فالبطل الضحية في هذا المسلسل الدرامي المأساوي كان والده المرحوم عبد الوهاب محمد ابراهيم وكيل الوزارة بالجهاز المركزي للمحاسبات حاصلا علي نوط الامتياز من الطبقة الاولي لانه احد المؤسسين للجهاز المركزي للمحاسبات. هذا الطيار البريء ساقته الاقدار الي زيارة منزل والدته في منطقة مصر الجديدة وذلك بعد جولة تدريبية طويلة وشاقة في امريكا.. فأراد ان يروح عن نفسه ويطمئن علي أمه التي تركها منذ بضع سنوات لم يلتق بها فوقع في براثن كمين شرطة لا يعرف الرحمة وكأنما كان يتربص به منذ ان وطأت قدما محمد ارض بلاده أو ربما كان هناك شيطان ما أبلغ رجال الشرطة بوصول محمد عبد الوهاب الي مصر وهو هارب علي ذمة احدي القضايا ولابد من القبض عليه في التو واللحظة بمجرد وصوله من امريكا لتنفيذ هذا الحكم الصادر ضده غيابيا بحبسه لمدة عام وغرامة5 آلاف جنيه في جريمة إتجار بالمخدرات. القي القبض علي الطيار البريء وأودع في السجن وتم عمل نماذج الفيش والتشبيه له لحين اعادة اجراءات محاكمته من جديد نظرا لصدور الحكم الجنائي ضده غيابيا. .. تصور لحظتها ان براءته قريبة لانه ليس المقصود لكنه واجه فصلا جديدا من الظلم والتعسف امام محكمة الجنايات التي انتدبت محاميا للدفاع عنه لم يكن لديه أي المام بظروف القضية مما جعل المحكمة تصدر حكما بحبسه لمدة عام وغرامة10 آلاف جنيه فظل الطيار يصرخ من داخل القفص بأنه بريء فلم يستجب له احد واقتيد الي السجن لقضاء العقوبة في زنزانة مليئة بالشياطين من النزلاء تجار المخدرات والمدمنين الذين حطموا قواه العقلية والجسدية من اثر التعذيب والاعتداء عليه داخل الزنزانة حتي تحول الي بقايا انسان وفقد كل شيء: آدميته وكرامته كما توفيت والدته حزنا عليه كما فقد شقتين بإحدي العمارات بميدان روكسي وخسر وظيفته التي تمكن من خلالها السفر الي جميع انحاء العالم واصبح الآن يعيش بلا هدف أو عنوان هائما لا يعرف وجهته بعد أن حطمته كوابيس السجن وظلماته وشياطين الزنزانة. وفي محاولة لرفع الظلم الذي وقع عليه اقام الطيار البريء دعوي مدنية ذكر فيها انه كان يقيم قبل وقوع هذه الكارثة في18 شارع الشيخ علي عبد الرازق بالنزهة مصر الجديدة وأنه من مواليد الخامس من ابريل1968 بمصر الجديدة وكان يسكن مع والدته في شقتين متجاورتين في العنوان السابق ثم سافر الي الولاياتالمتحدة في أول مايو1988 لدراسة الطيران وحصل علي شهادة ملاح خاص في اول نوفمبر1988 ثم ملاح تجاري عام1989 وظل هناك حتي عاد الي مصر في11 أغسطس1989 ثم عاد الي امريكا لعمل معادلات في بعض العلوم الدراسية التي تلقاها في امريكا لمعادلتها بما يجري في مصر للاستفادة بهذه الخبرة في بلده لكنه لم يستطع فقرر العودة إلي مصر لزيارة أمه المريضة. في11 نوفمبر2000 خرج من منزله بمصر الجديدة يتنزه بجوار حديقة المريلاند ففوجيء بكمين شرطة يلقي القبض عليه بدعوي انه متهم هارب في القضية رقم3595 لسنة89 القناطر الخيرية والمقيدة برقم656 لسنة89 كلي بنها رغم انها مقيدة ضد المتهم الاصلي محمد عبدالوهاب محمود ابراهيم الذي كان نزيلا وقتئذ بسجن القناطر الخيرية وهذا المتهم الاصلي من مواليد1953 ومقيم في7 شارع زين العابدين بدائرة السيدة زينب وكان يقضي داخل سجن القناطر الخيرية فترة عقوبة عن جريمة حيازة مخدر الافيون للاتجار فيه وعاقبته محكمة جنايات مصر القديمة في القضية رقم27 لسنة1977 وقتئذ بالاشغال الشاقة10 سنوات حيث كان يقضي فترة العقوبة داخل السجن واثناء مراقبة رئيس مباحث السجن لحركة وانتظام السجن شك في المتهم الاصلي محمد عبد الوهاب محمود ابراهيم فقام بتفتيشه فعثر معه علي اقراص مخدرة وأفيون يقوم بتوزيعها علي زملائه من المساجين فحرر له محضرا بالواقعة واحالته ادارة السجن الي النيابة العامة التي احالت أوراقه الي المحاكمة التي أمرت بإخلاء سبيله في المحكمة الاولي واستمرار حبسه علي ذمة القضية القديمة التي كان يقضي فترة العقوبة علي ذمتها10 سنوات اشغال شاقة ثم عرضت أوراقه مرة أخري علي المحكمة فأصدرت حكما غيابيا ضد محمد عبدالوهاب محمود ابراهيم وشهرته الزفر بحبسه لمدة عام واحد وتغريمه500 جنيه ومصادرة المخدرات المضبوط. ورغم تقديم الطيار البريء لجواز سفره إلي مأمور السجن الذي يوضح فيه أنه لم يكن متواجدا في مصر وقت ارتكاب الجريمة وأن هناك اختلافا واضحا في الاسم بينه وبين المتهم الأصلي وكذا هناك اختلاف في وظيفة كل منهما ومحل الاقامة بل وتاريخ الميلاد واسم أم كل منهما الا أن مأمور السجن لم يكلف نفسه ذرة من العناء ليحضر صحيفة الحالة الجنائية لكل منهما ويقارن البصمات المتواجدة عليها بما هو موجود في محضر القضية لكنه رغم كل هذه الاختلافات زج مأمور السجن بهذا البريء الي الزنزانة التي اخرسته من هول ماشاهد بداخلها من ظلم ومرارة ولانه كان لا يجيد اللغة العربية تحدثا مع الآخرين بعد أن ظل لفترة دراسية طويلة داخل امريكا وانقطاع صلته عن امه في منطقة مصر الجديدة حيث ظنت انه داخل أمريكا للتدريب أو للعمل لكن قلبها الحي ظل ينبض ويتأثر بصراخ ابنها وعذابه من داخل الزنزانة ليل نهار والتي حولته الي شبح ففوجئت بفاعل خير يطرق باب شقتها بعنف في ساعة متأخرة من الليل يخبرها بأن ابنها في حالة يرثي لها بعد الزج به داخل السجن في قضية لا ناقة له فيها ولا جمل وساءت حالته الصحية داخل السجن حتي أصيب بمرض فصام أفقده القدرة علي اتخاذ أي خطوات عملية لانقاذه من هذا المأزق. هكذا بعد مرور9 أشهر داخل الزنزانة علمت اسرته بواقعة سجن نجلهم وأصيبت الام بحالة اكتئاب شديدة دخلت علي اثرها في نوبات نفسية وقلبية متواصلة الي ان توفاها الله متأثرة بحزنها علي نجلها الوحيد واسرعت شقيقته الكبري تستغيث علي الفور بالمحامية اماني يحيي خليل لاثبات دليل براءته امام النائب العام حيث تقدمت بطلب يحمل رقم406 لسنة2001 عرائض النائب العام الذي قرر في20 مايو2002 إرسال كل من المحكوم عليهما أولا البرئ محمد عبدالوهاب محمد ابراهيم وثانيا محمد عبدالوهاب محمود ابراهيم المتهم الاصلي الي مصلحة الطب الشرعي لإجراء المضاهاة اللازمة لتحديد أي منهما المتهم في القضية3595 لسنة89 ج القناطر الخيرية.. وبعرض الطيار البرئ محمد عبدالوهاب محمد ابراهيم المقيم في10 شارع المعالي بروكسي مصر الجديدة اثبت أنه ليس هو المتهم في الجناية رقم3595 لسنة89 ج والمقيدة برقم656 لسنة89 كلي بنها وقد تحرر هذه الشهادة بناء علي طلب النائب العام. انقضاء فترة العقوبة وبعد أن اتخذت الاجراءات الجنائية للافراج عن الطيار البريء كانت فترة العقوبة قد انقضت بالكامل داخل زنزانة السجن وتحول الي شبح بعد أن انهارت قواه العقلية والجسدية وأصبح أسيرا للأمراض النفسية التي حولته إلي بقايا. فقد اصرت شقيقته علي اصطحابه إلي احدي المصحات النفسية للعلاج علي نفقتها الخاصة وفقا لبرنامج علاجي خاص ومكثف لكن كل هذه المحاولات فشلت وظل محمد عبدالوهاب هائما علي نفسه سارحا في سماء الخيال بعيدا عن الواقع الذي لفظه بسبب الظلم والمرارة التي عاناها داخل السجن.. ثم كانت الصدمة الثانية عندما فوجيء برجال المباحث يقتادونه رغم ظروفه النفسية المحطمة الي مديرية أمن القليوبية لتنفيذ عقوبة الايذاء البدني والمراقبة عن قيمة الغرامة(10 آلاف جنيه) بالمراقبة لمدة شهر كامل داخل أحد اقسام المديرية يقوم خلالها بأعمال نظافة داخل القسم صباحا حتي بعد الظهر تعرض خلالها لابشع الوان القسوة والظلم والشتائم بألفاظ نابية مختلفة حتي كره حياته وكان يحاول الانتحار للتخلص من هذه الحياة الكئيبة لكن شقيقته كانت تمنعه. الجولة الثانية بدأت الجولة الثانية من التقاضي عندما أصرت صديقة الاسرة اماني يحيي خليل المحامية علي مقاضاة المسئولين عما حدث من خلال دعوي مدنية فلجأت الي محكمة جنوبالقاهرة الابتدائية واقامت الدعوي رقم1685 لسنة2004 تعويضات كلي جنوب وطلبت في ختام دعواها بتعويض مليون جنيه وبتداول الدعوي أمام محكمة أول درجة الابتدائية قضت برفضها علي أساس أن المحامية لم تقدم المستندات الدالة علي أقوالها. فعادت المحامية تطعن علي هذا الحكم أمام محكمة استئناف القاهرة بالطعن رقم13305 ل121 وقدمت المستندات وأصرت علي طلب تعويض مليون جنيه كما نصت المادة57 من الدستور التي تنص علي أن كل اعتداء علي الحرية الشخصية أو حرية الحياة الخاصة للمواطنين وغيرها من الحقوق والحريات العامة التي يكفلها الدستور والقانون مشيرة إلي أن الجريمة الجنائية تسقط الدعوي عنها لكن الدعوي المدنية الناشئة عنها لاتسقط بالتقادم بل وتكفل الدولة تعويضا عادلا لمن وقع عليه هذا الاعتداء. اقتنعت المحكمة بالأضرار التي لحقت بهذا الطيار البريء سواء المادية أو المعنوية وأقرت قيمة التعويض40 ألف جنيه. أصدر الحكم المستشار مصطفي الأنصاري محمد وعضوية المستشارين عطية قنديل وسمير الشحات عبدالعزيز رئيسي المحكمة بأمانة سر عاطف محمد شحاته وأمرت المحكمة بالغاء الحكم الابتدائي القاضي برفض الدعوي. عض آدمي في كافة أنحاء جسده وفي حوار مع شقيقته الكبري بعد صدور حكم التعويض قالت: انها لم تعلم أي شيء عن شقيقها محمد عبدالوهاب سوي أنه في أمريكا يتلقي تدريبات عن علوم الطيران ثم فوجئت بأمها تخبرها في ساعة متأخرة من ليالي شهر نوفمبر عام2000 بأن محمدا تم إيداعه في سجن شبين الكوم وفي حالة يرثي لها وأنه متهم علي ذمة إحدي القضايا التي لم يعرف عنها شيئا فأسرعت الشقيقة وأمها إلي محبس محمد في السجن فوجدوه في حالة يرثي لها وقد أصابته حالة نفسية سيئة وآثار عض غريبة في كافة أنحاء جسده النحيل لم تتحمل الأم رؤية ابنها في هذه الحالة فأصيبت بأزمة قلبية نقلت يومها الي أحد المستشفيات الخاصة ثم ازدادت الحالة سوءا بعد أن أصيبت بحالة نفسية وانهيار نفسي شديد دخلت علي أثره في غيبوبة تامة ثم فاضت روحها بعد أيام قليلة من دخولها المستشفي حزنا علي نجلها الوحيد الذي اغتالته يد الظلم والاهمال. أضافت انها تقدمت بطلب عرائض إلي مكتب النائب العام وأثبتوا بالفعل ان محمدا برئ لكن بعد فوات الأوان. قالت.. إنها ذهبت إلي قسم السيدة زينب للسؤال عن المتهم الأصلي محمد عبدالوهاب محمود ابراهيم فأخبرها رجال المباحث أنه يقضي فترة مراقبة داخل القسم بعد تنفيذه العقوبة السابق اتهامه فيها وهي الأشغال الشاقة10 سنوات عن تهمة الاتجار في المخدرات بمنطقة مصر القديمة.. في نفس الوقت الذي كان شقيقها البريء مسجونا داخل الزنزانة يقضي فترة عقوبة عن جريمة ارتكبها تاجر المخدرات السابق. واختتمت قائلة انها أدخلت شقيقها احدي المصحات النفسية المعروفة وتكلفة علاجه من حالة الاكتئاب الشديدة التي ألمت به15 ألف جنيه شهريا ورغم ذلك فهو غير قادر علي الاندماج في المجتمع أو التفكير في العودة إلي عمله. وأعلنت أنها ستتقدم بمذكرة طعن إلي محكمة النقض بعدما علمت أن وزارة الداخلية طعنت علي الحكم وطالبت بالغائه ورفض الدعوي.. وقررت شقيقة محمد عبدالوهاب أن قيمة التعويض40 ألف جنيه لاتتوازي مع حجم الأضرار التي أصابته. وأخيرا كان لابد أن نستطلع رأي المتخصصين في القانون إزاء هذه الواقعة الغريبة, يؤكد المستشار زكي عبدالعزيز رئيس محكمة استئناف القاهرة أن هذه الأخطاء تتكرر ولن تكون الأخيرة ويجب علي وزارة الداخلية أن يكون لديها موقف صارم لكل من يرتكب مثل هذا الخطأ لأن أحكام التعويضات التي تصدر لصالح الضحايا لن تعوضهم عما عانوه داخل الزنزانة وحبس حرية الانسان. ويري أن محكمة النقض إذا ماطعن أمامها الطيار البرئ فإنها يمكن أن تزيد من قيمة التعويض.