إن الحاضر ينبع دائما من الماضي والمستقبل يتشكل نتيجة معرفتنا بالحاضر, من هذا المنطلق, أصدر مركز توثيق التراث الحضاري والطبيعي مجلة جديدة تقص قصة مصر الخالدة الماضي والحاضر. وتقدمها إلي الأجيال الجديدة والقديمة وإلي كل من يهمه أمر هذا البلد, ليعرفها من كل جوانبها التاريخية والجغرافية والطبيعية والإنسانية, كتابة وصورا. ولقد تقرر إهداء العدد الأول لهذه المجلة الدورية إلي محمية سانت كاترين بسيناء, شبه الجزيرة التي رأت الحرب والسلام, والتي شهدت مولد أديان واحتضنت الأديان السماوية الثلاثة, وربطت مصر بسائر الدول العربية المشرقية وقارة إفريقيا بآسيا. ويقول الدكتور فتحي صالح, مدير مركز التوثيق, في تقديمه لهذا العدد: إن إهداءه إلي محمية سانت كاترين يعود أيضا إلي تلك الثلوج الرائعة التي غطت المنطقة خلال شهر مارس الماضي في ظاهرة طبيعية لم تحدث في تلك المنطقة منذ أكثر من اثنتي عشرة سنة... إن اختفاء الثلوج من منطقة سانت كاترين خلال السنوات الماضية بسبب تغير المناخ أدي إلي تغيير كبير في مختلف الجوانب الاقتصادية والثقافية هناك, وهو ما حاولت المجلة أن تظهره وتركز عليه في عددها الأول, والذي صدر بعنوان:( سيناء: كما لم ترها من قبل). تتميز مجلة مصر الخالدة بثلاثة أشياء رئيسية: أولها: تلك الصور الخلابة التي تظهر مصر بكل جمالها وعمقها, وتصبح جزءا أساسيا فيها بجانب الكلمة والمقال, وثانيها: تقديم المجلة باللغتين العربية والإنجليزية بشكل لا يخل بالتوازن الفني ولا الناحية الجمالية, وثالثها: أن كل من أسهم في إخراج المجلة من كتاب إلي مصورين إلي فنيين, مصريون مثل أيمن طاهر وأحمد شمس وملك وهبة ومونيكا حنا وفاطمة كشك ومني هنري وسارة أبو بكر. لذلك فعندما نقرأ مصر الخالدة ونتأمل صورها, خاصة صور الثلوج التي تغطي صحراءها الممتدة وجبالها الصخرية, ونري مدينة سانت كاترين وهي تقبع بين الجبال العالية مضاءة بأنوارها وسط الثلوج البيضاء, ونتأمل زهورها المعروفة باسم اللبيد, وهي تحاول أن تجد لنفسها مخرجا من بين تلك الثلوج, فسوف نذهب أبعد من المعرفة, لأننا سوف نشعر ونتأثر بكل من عاش في حديقة الفريش بوادي طلاح وجبل الحجيج, ونشارك معهم ومع الكاتب والمصور أحمد شمس, والمصور أيمن خوري, همهم الكبير لرؤية تلك الحدائق وقد أصبحت مهددة بالزوال, مثلها مثل معظم ما حبانا به الله من تراث طبيعي بسبب التحولات الاقتصادية المتعاقبة, ونشارك معهم في كل الوسائل التي قاموا بها لإنقاذها والحفاظ عليها. وسوف نتشارك معهم في معرفة تقاليد تلك المنطقة ودستورها الأخلاقي العريق, ونتعرف كما تقول مني حسني مديرة التحرير علي مواثيق الشرف والحق والكرامة التي بني عليها. كما سنتعرف من خلال المجلة علي الأسباب التي دفعت كلا من زولتان ماتراهازي المجرية الجنسية, وكلفين بون الإنجليزي, علي اتخاذ منذ سنوات قرار بالإقامة في سانت كاترين, سواء بحثا عن ملاذ من قسوة الدنيا أو شغفا بالطبيعة الآسرة. أما الراهب جاستين, فسوف يقص علينا قصة مكتبة دير سانت كاترين, التي اعتبرت من الكنوز الأثرية الخاصة, إذ تضم المخطوطات التي سجل فيها الحكمة التي تراكمت عبرالعصور لإرشاد وإلهام الرهبان في حياتهم. وقصة الدير الذي كان ملاذا للمسيحيين في أواخر القرن الثالث الميلادي من الاضطهاد الروماني. ومن خلال حلم امرأة بدوية سوف نلمس الثورة التي حققتها النساء في هذا المجتمع المغلق, وسوف نعرف كيف تعلمت سليمة جبلي عواد سليمان, بالرغم من رفض فكرة تعليم المرأة في هذا الوقت, وكيف واجهت كل الصعوبات التي صادفتها هي ووالدها, الذي كان يشجعها, وكيف بدأت مشاريع رفع مستوي المرأة البدوية, من أجل الحفاظ علي التراث ودعم النساء للاستمرار في التطريز والأعمال اليدوية, وذلك من خلال مشروع فنسينا, الذي بدأ منذ عام2000 بتمويل من الاتحاد الأوروبي. لقد أخذتنا مجلة مصر الخالدة في رحلة أخاذة عبر التاريخ والجغرافيا لتعرفنا بسيناء المقدسة, ونحن في انتظار المزيد من الأعداد المقبلة ورحلات أخري عبر مصرنا الجميلة. *