تتصاعد من حين لآخر آراء تطالب بدعم المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر وتؤكد أن هذا هو المخرج الحقيقي لمعظم مشاكلنا وأزماتنا الاقتصادية ومع وجاهة هذه الآراء إلا أن معظمها يفتقد إلي آليات محددة تساعد علي تحقيق الهدف وهو رفع مستوي المعيشة من خلال دعم وتنمية المشروعات الصغيرة. ولعلنا نتفق من البداية علي ان مسئولية الحكومة الاساسية ترتبط برفع مستوي معيشة المواطنين وتحويل الملايين ممن يعانون من بطالة صريحة أو مقنعة الي منتجين حقيقيين يساهمون في زيادة الدخل القومي, وكذلك دخولهم الشخصية, ومن أهم الاستراتيجيات التي يمكن ان تتبع لتحقيق ذلك دعم وتنمية المشروعات الصغيرة والمتناهية الصغر, وذلك من خلال مجموعة من الآليات المرتبطة بالجوانب الادارية والاقتصادية والقانونية والاجتماعية. * علي المستوي الاداري والاقتصادي يقترح إنشاء جهاز مستقل يتبع رئاسة مجلس الوزراء ولنطلق عليه جهاز دعم وتنمية المشروعات الصغيرة بحيث يتوجه إليه كل من لديه فكرة انشاء مشروع صغير ومن خلال الخدمات المتخصصة التي يقدمها خبراء الجهاز يمكن اعداد دراسة جدوي اقتصادية مبسطة تضم الجوانب الفنية والتسويقية والمالية والاقتصادية للمشروع. وهذه التجربة مطبقة في الولاياتالمتحدة حيث يوجد جهاز فيدرالي يقدم خدماته دون مقابل وكلها تتركز علي مساعدة صاحب فكرة المشروع علي اعداد دراسة جدوي مقنعة للمشروع تتضمن تحليلا واضحا لأركان المشروع موقع, عمالة, آلات ومعدات, المواد الخام... وكذلك توكيد للجدوي التسويقية منتج عميل سوق مع بيان الجدوي المالية والاقتصادية ومن الممكن في هذه الحالة طرح امكان ان يكون المشروع ضمن احدي الصناعات المغذية لصناعة رئيسية وذلك أمر وارد في ضوء خرائط معلومات الصناعةالمفترض توافرها لدي ادارة الجهاز. ومن المتصور ان يكون هناك فروع لهذا الجهاز في المحافظات والمدن المختلفة لضمان التوزيع الجغرافي المناسب لخدمات الجهاز, كما يمكن التنسيق مع الجهاز المصرفي بشأن منح قروض ميسرة وبشروط أفضل لمن يقدم دراسة الجدوي المعتمدة من الجهاز. مع ملاحظة أن خبراء الجهاز لا يقومون باعداد دراسة الجدوي بمعزل عن صاحب فكرة المشروع, ولكن الامر يتحول الي حوار متبادل مدعم بالارقام حول جدوي المشروع مما يساعد علي رفع مستوي الوعي والحماس والادراك لدي مالك المشروع. * علي المستوي القانوني يتطلب الأمر اجراء تعديلات تشريعية جذرية لحماية المشروع الصغير من مخاطر الافلاس بحيث يتحقق الفصل التام بين المشروع ككيان اقتصادي مدر للدخل من ناحية ومالك المشروع من ناحية أخري ويمكن تصور ذلك علي النحو التالي: يتقدم الدائنون بطلب اشهار الافلاس للمحكمة المختصة. يقوم القاضي المختص بتكليف مالك أو ملاك المشروع باعداد خطة اعادة هيكلة للمشروع من جميع جوانبه المالية والاقتصادية والتسويقية وذلك خلال فترة زمنية محدودة. تقوم هيئة المحكمة بدراسة خطة اعادة الهيكلة وعند اقرارها والموافقة عليها تسقط دعوي الافلاس مؤقتا عن المشروع ويستطيع أن يعاود النشاط بشكل طبيعي. يتم السماح لشركات رأس المال المخاطر بمساعدة ادارة المشروع المتعثر علي تنفيذ خطة اعادة الهيكلة وذلك في جوانبها التمويلية والتشغيلية والاستثمارية. تقوم هيئة المحكمة بتشكيل لجنة لمتابعة تنفيذ خطة اعادة الهيكلة وتقدم اللجنة تقارير دورية لهيئة المحكمة توضح فيها مستويات ومؤشرات الأداء الفعلي في ضوء الخطة الموضوعة. في نهاية فترة تنفيذ الخطة, تتقدم ادارة المشروع لهيئة المحكمة بتقرير نهائي موضح به النتائج الفعلية لتنفيذ خطة إعادة الهيكلة. تقوم هيئة المحكمة بدراسة التقرير النهائي الذي في ضوئه يتحدد الموقف النهائي للمشروع والذي لا يخرج عن بدائل ثلاثة, الأول هو احتياج المشروع لفترة زمنية اخري لاستكمال تنفيذ بعض جوانب خطة اعادة الهيكلة, والثاني هو استمرار الحالة السيئة للمشروع, وبالتالي دخوله مرحلة اشهار الإفلاس المالي واسقاط دعوي الافلاس نهائيا وعودة المشروع للعمل بشكل طبيعي ويلاحظ ان جهاز دعم وتنمية المشروعات الصغيرة الذي تم اقتراحه سابقا يمكن أن يلعب دورا مهما في حماية المشروع من التعثر المالي وذلك من خلال متابعته لأداء المشروع في أثناء فترات التشغيل بحيث يمكن ان تتم الخطوات السابقة بمعرفة خبراء الجهاز لعلاج مشاكل التعثر المالي وقبل الوصول الي مرحلة الافلاس الفعلي للمشروع. من الاقتراحات السابقة يتضح أن الرؤية العامة التي تحكمها هي حماية ودعم وتنمية المشروعات الصغيرة سواء قبل انشاء المشروع مرحلة اعداد دراسات الجدوي أو عند تعثر المشروع خطوات الافلاس مع الفصل التام بين المشروع ككيان اقتصادي واصحابه فلا توجد خسارة اكبر من ضياع المشروع بانتاجه وإيراداته وأرباحه والعمالة الخاصة به.. وهناك يتحقق البعد الاجتماعي المهم, وهو تحويل ملايين العاطلين الي منتجين وأصحاب مشروعات حقيقية تحظي بدعم ورعاية الحكومة بشكل عملي وواقعي لا يقبل التهويل أو التبسيط المخل. إن مصر في أشد الحاجة الي آلاف المشروعات الصغيرة التي تتيح فرص العمل الشريف المربح لملايين الايدي العاملة في مختلف التخصصات, واعتقد ان هذا افضل كثيرا من الوقوف علي أرصفة الشوارع أو الاقامة في الهواء الطلق.