ثلاثة أسابيع تقريبا كانت الحد الفاصل بين أسوأ موجة للعنف تشهدها قرغيزستان بين الأغلبية القرغيزية والأقلية الأوزبكية في جنوب البلاد. وبين أداء روزا أوتونباييفا اليمين الدستورية كاول رئيسة للبلاد وأول امرأة تتولي هذا المنصب في تاريخ جمهوريات آسيا الوسطي. فبعد موافقة90% من المواطنين علي الاستفتاء الذي تم بموجبه تعديل الدستور والتحول من النظام الرئاسي إلي نظام برلماني ديمقراطي أصبحت قرغيزستان أول دولة في تلك المنطقة تأخذ بهذا النظام الذي يقلص من صلاحيات الرئيس لصالح البرلمان وينص علي إجراء الانتخابات البرلمانية كل خمس سنوات ويحكم فيه الرئيس لمدة واحدة تستمر6 سنوات لا يجوز تجديدها, في إجراءات تهدف لتفادي تركيز السلطة في يد شخص واحد. وهو الاستفتاء الذي لقي تأييدا واسعا من المراقبين الدوليين الذين وصفوه بأنه كان سلميا وشفافا رغم كل الشكوك التي أحاطت منذ البداية بإمكانية اجرائه. فتردي الأوضاع الأمنية في الجنوب بعد موجة العنف التي أسفرت عن مصرع مالا يقل عن ألفين شخص وتدمير آلاف المنازل والمحال فضلا عن نزوح أكثر من400 ألف شخص للحدود مع أوزبكستان, دفع بعض القوي السياسية للمطالبة بتأجيل إجراء الاستفتاء لحين استقرار الأوضاع وعودة النازحين لديارهم خاصة أن الوضع في الجنوب وبشهادة المنظمات الدولية مازال متوترا للغاية وغير مستقر. وهو ما رفضته' أوتونباييفا' وعدد من مسئولي الحكومة الذين أصروا علي إجراء الاستفتاء في موعده واعتبروا أن أي تغيير سيهدد بمزيد من عدم الاستقرار واعتبروا ان إتمام هذه الخطوة هو أبلغ رد علي ما يتردد عن قرب انهيار قرغيزستان. ولعل ذلك كان السبب في الحفاوة الواضحة التي قوبلت بها نتائج الاستفتاء الذي وصفته أوتونباييفا بأنه تاريخي وأن بلادها أصبحت بموجبه دولة ديمقراطية حقيقية فضلا عن كونه وفر لحكومتها الشرعية اللازمة لكي تستطيع أن تمضي في خططها الإصلاحية, خاصة بعد أن أتاح لها الاحتفاظ بالمنصب حتي الانتخابات الرئاسية المقبلة العام المقبل, فضلا عن كونه اكبر دليل علي رغبة المواطنين في مداواة الجراح التي أصابت وحدة الأمة خلال الفترة الماضية. وبالرغم من الأجواء الايجابية التي قوبلت بها هذه الخطوة والدعم الذي حظي به هذا الاستفتاء من عدة أطراف دولية كالأمم المتحدة والولايات المتحدة واعتبار المراقبين أن ما حدث يمهد الطريق أمام الحكومة لتنفيذ وعودها بالإصلاح التي سبق وأعلنتها عقب إزاحة الرئيس السابق باكييف في أبريل الماضي إلا أن هناك شبه اتفاق علي أن العديد من التحديات مازالت تنتظر الحكومة وأن تغيير الدستور ليس سوي أول خطوة علي طريق الإصلاح الذي ينتظره الكثير من العمل. فسوف يتعين أولا علي هذه الحكومة أن تنفذ وعودها بإجراء تحقيق كامل حول الاضطرابات التي اندلعت في مدينتي أوش وجلال أباد الجنوبيتين خاصة أن كل طرف يلقي باللوم علي الأخر فالحكومة تتهم القوي الموالية للرئيس المخلوع بأنها السبب في زعزعة استقرار البلاد الهش والأقلية الأوزبكية تتهم الجنود القرغيز بالمشاركة في الهجوم عليهم خاصة أن الاعتداءات اتخذت شكلا منظما أما الرئيس المخلوع باكييف الموجود حاليا في روسياالبيضاء- فينفي أي صلة له بما يحدث. ويرتبط بذلك بحث أوضاع اللاجئين لأنه رغم انحسار العنف مازالت معاناتهم قائمة بسبب نقص إمدادات الغذاء والدواء والمأوي. ويتمثل التحدي الثاني في الإعداد الجيد للانتخابات البرلمانية المقبلة المقرر إجراؤها في أكتوبر القادم فرغم إشادة المراقبين الدوليين بالإجراءات الأمنية المشددة والاستعدادات اللازمة والجو السلمي الذي صاحب عملية التصويت إلا أنهم طالبوا باتخاذ مزيد من الإجراءات لضمان سلامة ومشروعية الانتخابات البرلمانية القادمة. أما الأمر الثالث والأهم فيتعلق بقضية الوحدة بين العرقيات المختلفة التي تضمها قرغيزستان خاصة أن الاشتباكات الدامية التي حدثت دفعت البعض للتساؤل عن إمكانية تجاوز ما حدث واستعادة أجواء الثقة مرة أخري بين أبناء العرقيات المختلفة بعد الجروح الغائرة التي أصابتها وهددت تماسك نسيج المجتمع. لقد رحب الجميع بالخطوة التي اتخذتها قرغيزستان واعتبروها الأمل الوحيد لإنهاء حالة عدم الاستقرار السياسي التي عصفت بالبلاد باستثناء روسيا التي أبدي رئيسها تشككا في أن تنجح حكومة برلمانية في تلك المنطقة ناهيك عن أن تعمل بكفاءة وتتصدي لخطر صعود قوي متطرفة للسلطة, مؤكدا ضرورة وجود سلطة قوية لحماية استقرار المنطقة. وآيا كان الوضع فإن الأمر الواضح أن أزمة قرغيزستان تلك الدولة الصغيرة- لا يتعدي سكانها ستة ملايين نسمة- تخطت حدودها الجغرافية وتسببت تركيبتها السكانية المعقدة وحدودها المشتركة مع كل من الصين وكازاخستان وأوزبكستان وطاجكستان في تخوف الجميع من أن تتسبب في تأثيرات ضخمة في منطقة آسيا الوسطي بأكملها إما بتفجر حوادث عنف عرقية مماثلة في دول أخري إذا فشلت الحكومة في الوفاء بتعهداتها أو بتشجيع الدول المجاورة علي التخلص من نظمها السلطوية والمطالبة بنظم ديمقراطية مماثلة والكرة الآن في ملعب القوي السياسية القرغيزية لترجيح كفة احتمال عن أخر. [email protected]