تملك غالبية الأحزاب المعارضة في البلدان المتقدمة سياسيا التي يتم فيها تداول السلطة عن طريق الانتخابات الحرة المباشرة ما أدرج علي التعبير عنه ب حكومات ظل. وربما كانت أشهرها هي حكومة الظل في المملكة المتحدة, أقدم الليبراليات الديمقراطية. ولا تقتصر هذه الممارسة علي البلدان الأوروبية فحسب وإنما نجد الكثير من نماذجها المختلفة في بعض بلدان أمريكا اللاتينية وآسيا. ويتوقف بناء النموذج وفاعليته وآليات عمله علي درجة تطور الحياة السياسية في كل بلد علي حدة. كما يتوقف علي الظروف الموضوعية لكل بلد علي حدة. تتشكل هذه الحكومات في كل حزب حسب إمكانياته وتحت مسميات مختلفة. ولكن تلعب حكومات الظل هذه أدوارا مهمة للغاية في عدة اتجاهات: مثلا تلعب دورا في إعداد مجموعة من الخبراء والفاعلين الحزبيين لتناول القضايا المجتمعية المطروحة في المجتمع وبلورته ونشر هذه الآراء في صفوف الحزب المعني بحيث يتكون لدي العضوية الحزبية آراء موحدة حول هذه القضايا التي عادة ما تكون مرتبطة بالصالح العام الوطني والاجتماعي. في هذه الحالة يمكن لأي حزب الرد علي المشروعات الحكومية بمشروعات مقابلة لها. كما يمكن لكل مواطن التعرف علي الآراء الحزبية المتباينة التي تتناول المشكلة الواحدة, فينحاز الي المشروع الذي يراه ملائما له بناء علي موقعه الإجتماعي. كما أنها, أي حكومات الظل هذه أو ما يشابهها من تكوينات حزبية معارضة, تستمر طوال الوقت, وهو فترة الوزارة, تتابع أنشطة الحكومة من خلال متابعة أعمال وزاراتها بشكل تفصيلي بحيث يكون كل عضو فيها, أي في تشكيلات الظل هذه, مستعدا لتولي المنصب الذي يتابعه دون أن يبدأ من الجديد أو من المجهول. أما الاتجاه الثالث, والمهم للغاية, فهو أن الأحزاب المعارضة تحاول وهي تسعي لتكوين وكسب عضوية جديدة أن تشد إليها هؤلاء المتخصصين الذين تسمح لهم خبراتهم العملية والفكرية بالمساهمة في حكومات الظل هذه بشكل مباشر أو بشكل غير مباشر. فأي حزب سياسي جاد لابد أن يمتلك برنامجا شاملا, سياسيا واجتماعيا, يتوجه به الي المجتمع. ويؤسس هذا البرنامج علي مجموعة من التوجهات القطاعية التي تتداخل وتتلامس مع كل القطاعات الاقتصادية والاجتماعية المجتمعية. وهو ما يستدعي وجود المتخصصين والخبراء والفاعلين الاجتماعيين القاعديين القادرين علي ترجمة الأهداف السياسية الحزبية المطروحة في برنامجه السياسي الي سياسات قطاعية واضحة وثابتة تساعد الناخب علي عقد المقارنات وعلي حسن الاختيار بين هذا البرنامج السياسي ذاك. وأقرب النتائج لهذا النظام الحزبي المتقدم, من ناحية الزمن, جاءت من الانتخابات البريطانية الأخيرة التي نقلت عن النظام الأمريكي فكرة إدارة المناظرات الحزبية وإذاعتها مباشرة علي التليفزيون المحلي وعلي الفضائيات. ونتذكر أن صعود حزب الأحرار البريطاني للمشاركة في الحكومة الائتلافية الحالية كان نتيجة لهذه المناظرات. ولكن هذا الصعود لم يكن له أن يتحقق لولا طرح الحزبين, من خلال رئيسيهما, تفاصيل السياسة التي يتوجهان بها الي الناخبين بناء علي المعلومات والتقارير المقدمة لهما من أعضاء حكومتي الظل اللتين تعملان في صفوف حزبهما. فالمناظرات الثلاث التي قدمت من الأحزاب البريطانية الثلاثة كانت محصلة لجهد جماعي قادته حكومات الظل في كل من الحزبين المشكلين للائتلاف الحالي, المحافظين والأحرار في مواجهة مشاريع الحكومة القائمة حينذاك, وهي حكومة العمال. ولذلك يمكن استنتاج أن حكومات الظل هذه, وإن سميت ووصفت بأنها حكومات ظل, إلا أنها مواقع حزبية معروفة للجميع في بلادها, داخل الأحزاب وداخل الحركة السياسية. يعرف الكل أفرادها بالاسم وبالتخصص وبوسيلة الاتصال ويستطيع أي, وزير ظل فيها, الرد علي مشروعات وآراء نظيره في الحكومة برلمانيا وفي كل وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية, إذا ما اقتضت الحاجة للرد. لذا قدرت أن إقدام حزب الوفد علي الأخذ بهذه المبادرة يعتبر نقطة إيجابية تحسب له ولقيادته الجديدة. فتشكيل حكومة ظل كبناء من أبنية حزب الوفد التنظيمية يمثل خطوة جيدة مضافة الي حياتنا السياسية التي تحتاج بالفعل الي التطوير الكبير. وإن كانت هذه الخطوة الإيجابية قد جاءت بمبادرة من حزب الوفد إلا أن إنجاحها ليس رهنا بحزب الوفد بمفرده أو بإرادته المستقلة أو بتوجه قيادته فحسب. إنما يحتاج نجاحها الي عوامل سياسية أخري لابد من توافرها في حياتنا السياسية وفي علاقة أحزاب المعارضة بالحزب الحاكم ذاته. وهذا ما تشير إليه التجارب المماثلة في البلدان الأخري التي سارت منذ فترة, طويلة أو طويلة نسبيا, في الطريق الديمقراطي الليبرالي وحققت فيه شوطا ملحوظا, تحولت فيه مثل هذه التجارب الي تقاليد سياسية راسخة لا يمكن للمجتمع السياسي أو للحياة السياسية تجاهلها أو تجاوزها أو الاستغناء عنها. فالتجارب الأخري التي تشكلت فيها مثل هذه الأبنية السياسية التنظيمية وتطورت فيها أعمالها حتي حصلت علي الاعتراف المجتمعي العام, احتاجت الي مناخ سياسي واجتماعي يسير في مسار تطور سياسي واضح الملامح أهمها أن هذه النظم السياسية اعتبرت التعددية مكونا من مكونات البناء الديمقراطي وليس كله. ولم تقف عند مجرد التعددية الحزبية وإنما وفرت قدرا هائلا من تكافؤ الفرص والمساواة بين حقوق كل الأحزاب الموجودة علي الساحة. ولكن في تجربتنا المصرية التي تتقدم ببطء شديد تأتي أهم العوامل لإنجاح تجربة حزب الوفد في عاملين. الأول هو المدي الذي تتمتع فيه أحزاب المعارضة من فرص الحصول علي البيانات والمعلومات المتاحة للحزب الحاكم ذاته بحيث يتساوي الجميع في هذه الفرص وتنحصر الفروق في القدرة علي استخدامها للخروج بها في شكل برنامج سياسي ثم في خطط قطاعية. بالإضافة الي هذا العامل يأتي العامل الثاني الذي يوفر للمنخرطين في الأحزاب الحاكمة بحيث لا تتحول عضويتهم في المعارضة الي عبء علي حقوقهم المهنية العادية وحياتهم المعيشية. ببساطة.. نجاح تجربة الوفد تتوقف علي مدي قدرتنا علي تطوير التعددية الي ديمقراطية ليبرالية حقيقية. المزيد من مقالات أمينة شفيق