يوم الأربعاء الماضي, تحدث جيفري ساكس عالم الإقتصاد الأمريكي الشهير بلهجة إحباط شديد في مؤتمر صحفي بمقر الأممالمتحدة بمناسبة إطلاق تقرير تنمية الالفية لعام2010 . وقال إن قمة العشرين لن تبحث تحقيق هدف القضاء علي الفقر وانتشال المجتمعات في العالم الثالث من الأوضاع الراهنة ولن تكون في بيانها الختامي إشارة إلي هذه القضية التي وضعت المنظمة الدولية هدفا طموحا للوصول إلي إنجاز بشأنها في عام2015, بينما كان الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون يبحث عن كلمات دبلوماسية قدر الإمكان لتفادي نقد الدول الكبري صراحة. ولكن أحباط ساكس يمكن فهمه في إطار قواعد اللعبة العالمية, التي تمر بمرحلة تغير حقيقي اليوم من مجموعة الثماني التي كان ينظر إليها علي إعتبار أنها نموذج' الغرب في مواجهة الاخرين' وتمثل10% فقط من سكان العالم إلي مجموعة العشرين التي يري البعض أنها تمثل الدول' الأقوي والأغني في مواجهة الاخرين' حيث الدول العشرين تمثل70% من سكان الأرض و80% من الإنتاج الاقتصادي العالمي ومن المتعذر القفز فوق المجموعة الغنية وتكوين كيان عالمي جديد في المستقبل المنظور وهو ما يجعل تسمية المجموعة ب' مجلس إدارة العالم' قولا لا يحمل مبالغة. وفي مقابل التحذير من إغفال قمة العشرين للفقراء, وضع روبرت زوليك رئيس البنك الدولي تصورا مختلفا يقوم علي' نهاية العالم الثالث' فعليا علي يد المجموعة التي قال إنها تمثل لجنة القيادة في عالم متعدد الأطراف من الضروري أن يتعاون في حزمة واحدة مشتركة من المصالح التي يجب ألا تعترف بالتصنيفات القديمة في الوقت الذي لا يجب أن تنفرد المجموعة القائدة بتحديد الأجندة العالمية في غيبة العالم النامي الذي يريد مناقشة خطط النهضة بالتعليم والرعاية الصحية ومكافحة الأمراض, بينما العالم الأول مشغول بإعادة التوازن في الأسواق المالية والتغير المناخي والتجارة الحرة.. وهو تباين واضح وفجوة لا يمكن إنكارها جعل العالم الأول وحده في المشهد والعالم الثالث( النامي) غير موجود حتي ولو حضر بعض الزعماء الأفارقة بدعوات خاصة قمة الثماني الكبار. ورغم ان زوليك يقول أن النظام الجديد يجب ألا يقوم علي التراتب أو تصنيف العالم إلي درجات إلا أن الواقع الفعلي يثبت العكس! وحتي الدول الناشئة التي حققت قفزات مثل البرازيل والهند أصبحت تملك سياسات واضحة لمكافحة الفقر في مجتماعاتها منفصلة عن الآخرين في العالم النامي والفقير وبعض هذه الدول ركب بالفعل قطار العشرين الكبار. في قمة تورنتو, تجلي التباين بين العالمين, حيث قلبت صدمة اليونان وتطورات الديون السيادية والتراجع عن الإنفاق العام في أوروبا موازين مجموعة العشرين وجعلت الرئيس الأمريكي باراك أوباما يوجه خطابا مفتوحا إلي زعماء الإقتصاديات الأكبر قبل القمة يدعوهم إلي تدبر قضيتين الأولي هي تراجع الإنفاق الأوروبي واللجوء إلي سياسات تقشف يري أنها ضارة بالنمو في مواجهة ألمانيا وفرنسا وبريطانيا والأمر الثاني هو إعادة النظر في السياسة النقدية الصينية مع استمرار ضعف' اليوان' وهو ما يوجد حالة غير عادلة في التجارة الدولية. أزمة اليونان وضعت الجميع, في القمة الرابعة للمجموعة منذ بداية الأزمة المالية العالمية أمام خيار واضح.. إما الإنتعاش وإما الركود.. وهو ما يمكن أن يحسم مسار الإقتصاد العالمي لسنوات قادمة لكن الجميع إختلفوا حول كيفية هيكلة الإقتصاد الدولي. وإستهلت القمة أعمالها بمراجعة تقارير الإنجاز المرفوع من برلمانات دول المجموعة عن الشهور التسعة الأخيرة منذ قمة بيتسبيرج في الولاياتالمتحدة العام الماضي, والجهود المشتركة في مجلس الإستقرار المالي في بازل( سويسرا) وصندوق النقد الدولي في واشنطن من أجل وضع خطوات أكثر تأثيرا لإصلاحات المؤسسات والأسواق المالية العالمية. ورغم هذا الجهد, يخرج بيان القمة اليوم ممسكا بالعصا من المنتصف بعد تبدل الحال وتبخر' إجماع التوافق' بين الدول في أوج الأزمة المالية لتحل محله صيغ فردية ينتظر أن يؤكد الإعلان الختامي عليها منها حق الدول في إتخاذ ما تراه مناسبا لتضمن أن دافعي الضرائب لن يكونوا ضحية فاتورة خطط الإنقاذ المالي للبنوك الكبري. وبالتالي, الإعلان الختامي هو محصلة توازنات بين المضارين من الأزمة المالية ومحاولة لتقليل فجوة الخلافات خشية ضربة جديدة تقلب المائدة علي الجميع. أوباما يريد إنفاق الأموال لحفز النمو وأن تقدم الدول المشاركة ضمانات في هذا الشأن خشية أن تقع الواقعة ويسقط الجميع في مرحلة من الكساد االإقتصادي ويري أن خطوات دعم النمو هي التي ستضمن أن يلعب القطاع الخاص الدور الأكبر في الإنتعاش علي المدي الطويل. الزعماء الأوروبيون الكبار يرون الحل في تقشف الموازنات أو الإدخار لفترة من الوقت لتجنب المخاطرة والسيطرة من جديد علي العجز المالي. في هذا الشأن, هناك مدرستان متعارضتان في إدارة عملية الخروج من الأزمة المالية: الأولي تري الإنفاق هو المحرك الأساسي للنمو وإعادة الثقة للسوق بينما الثانية ترفض فرضية أن إجراءات التقشف ستؤدي إلي حالة من الركود العميق. فعلي سبيل المثال, ترغب المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل في توفير80 مليار يورو في السنوات الأربع المقبلة عن طريق سياسات التقشف وتقول أن النمو الثابت لا يتحقق إلا عن طريق السيطرة علي العجز المالي والدين. هكذا, مناقشات ترنو إلي المستقبل وحسابات دقيقة لا تحتمل المزيد من الأخطاء بينما الأخرون يكتفون بالفرجة علي مستوي لا يرقي إليه طموحهم. بختام قمة العشرين اليوم في تورنتو ينتقل المشهد إلي جولة جديدة في ديسمبر المقبل ولكن هذه المرة في كوريا الجنوبية التي خطت بعيدا عن تصنيف العالم الثالث وربما تكون كوريا أكثر تعاطفا مع رفاقها السابقين وتكون صوتا لها أو يتغلب صوت الأغلبية ويعلن عن ذوبان العالم الثالث في بوتقة اكبر لا تخدم الفقراء والطبقات الوسطي ولكن تستمر في خدمة الأقوي والأكثر ثراء في صراع جنوني علي موارد المجتمعات التي سقطت من ركب التقدم البشري!