أثار الكتاب الذي أصدره الكاتب الأمريكي الشهير فريد زكريا(مسلم من أصل هندي) الذي يرأس تحرير الطبعة الدولية في مجلة النيوزويك الأمريكية, والذي حمل عنوان: عالم مابعد أمريكا اهتماما اسرائيليا فائقا. لدرجة أن افرايم هاليفي رئيس جهاز الموساد السابق حرص علي أن يكتب مقدمة لترجمته العبرية قال فيها كل من يريد التطلع الي مستقبل العلاقات الأمريكية الاسرائيلية عليه قراءة هذا الكتاب لاسيما وأنه يضع خريطة طريق لبناء علاقات دولية لاسرائيل في مرحلة مابعد أمريكا, مايحتم عليها استخلاص الدروس والعبر السياسية والتاريخية. من يقرأ بعناية هذه الفقرة من مقدمة هاليفي لكتاب فريد زكريا في مقدوره أن يتعرف بسهولة علي أهم مايشغله في هذا الكتاب, فالاسرائيليون لايشغلون أنفسهم كثيرا ببقاء أمريكا أو سقوطها كقيادة للعالم, أو كقوة عالمية أحادية مسيطرة بقدر ماهم منشغلون أولا بالوصول الي يقين بخصوص مستقبل القوة الأمريكية لمعرفة الي أي مدي يمكن أن يعول الاسرائيليون علي هذه القوة الأمريكية كسند وكحليف يعتمد عليه, كما أنهم منشغلون ثانيا بقراءة عالم مابعد أمريكا في حالة ما اذا كان الأفول الأمريكي قد أضحي واقعا لافكاك منه, والتعرف علي مصادر القوة الحقيقية فيه, ومن ثم رسم مااسماه هاليفي خريطة طريق لعلاقات اسرائيل الدولية في مرحلة مابعد الأفول الأمريكي. قد لايكون كتاب فريد زكريا هو الأول من نوعه, أو الأكثر دقة وريادة في ميدانه البحثي, فقد سبقة كثيرون خاصة العالم الأمريكي الشهير بول كيندي صاحب صعود وأفول الامبراطوريات الكبري وقد لايكون ماكتبه هاليفي, ومايمثله من خبرات ضمن الدائرة الضيقة لصنع القرار في الدولة الصهيونية, حول اسرائيل وعالم مابعد أمريكا هو الأول من نوعه, فقد سبقه كثيرون تحدثوا عن ضرورة تنويع مصادر التحالفات الاسرائيلية, وهناك من تحدثوا باستفاضة عن أولوية روسيا كبديل للولايات المتحدة, لكن ماكتبه هاليفي يكتسب أهمية استثنائية علي ضوء ثلاثة أمور مهمة. أول هذه الأمور الثلاثة ماتضمنه كتاب فريد زكريا من حديث حول خريطة توازن القوي الدولية في عالم مابعد أمريكا, حيث يرجح أن يحدث انتشار للقوة وعدم تركزها في قوة عالمية أحادية بديلة للولايات المتحدة أو ظهور عالم ثنائي القطبية تظهر فيه قوة دولية أخري قادرة علي منافسة الولاياتالمتحدة ولكن نجاح قوي اقليمية كبري عديدة صاعدة في أن تفرض نفسها كقوي دولية كبري خاصة الصين والهند والبرازيل وجنوب أفريقيا الي جانب روسيا والاتحاد الأوروبي. حدوث ذلك يمثل تحديا لاسرائيل التي سيكون عليها أن تصبح حليفا استراتيجيا لعدد كبير من هذه القوي الجديدة كي تضمن تحقيق ماكانت قادرة علي تحقيقه من سياسات في ظل الهيمنة الأمريكية والتحالف الاستراتيجي الأمريكي الاسرائيلي خصوصا في ظل ماتحدث عنه فريد زكريا من أن الولاياتالمتحدة باتت مطالبة في ظل ما أصاب قوتها الكلية( الاقتصادية بعد الأزمة المالية العالمية والعسكرية بعد الفشل في العراق وأفغانستان والسياسية بعدما أصاب هيبتها ونزاهتها من تجريح بسبب ماارتكبته من جرائم وفظائع تحت راية الحروب ضد الارهاب والكيل بمكاييل متعددة وغير عادلة في علاقاتها الدولية) بعدم التوجه نحو خوض حروب مستقبلية أو مواجهات عسكرية وحدها تحت اي ظرف من الظروف, وانما عليها العمل الدائم لبناء تحالفات واسعة النطاق علي مستوي العالم, لأنها بحاجة فعلية لها, ولاتستطيع القيام بعمليات عسكرية متوقعة وحدها دون شراكة من الآخرين. ثاني هذه الأمور هو استثنائية الحليف الأمريكي الذي يصعب تعويضه, استثنائية الحليف الأمريكي تحدث عنها فريد زكريا في معرض اشارته للسبب الحقيقي لصمود اسرائيل في ظل تداعيات حربها علي لبنان صيف2006 وحربها علي قطاع غزة( ديسمبر2008 يناير2009) بسؤاله وجوابه علي النحو التالي ماالذي جعل الحياة في اسرائيل والاقتصاد في اسرائيل يخرجان قويين من هاتين الحربين دون أن يتأثرا؟ أليس هو الدعم الأمريكي رغم ذلك فإن ماجاء في كتاب فريد زكريا لايمكن مقارنته أبدا بما سبق أن ورد علي ألسنة جميع الرؤساء الأمريكيين وكبار وزرائهم أو بالدعم الفعلي والأمريكي الاقتصادي والعسكري لاسرائيل, وهو مايمكن تلمس بعض معالمه بما جاء علي لسان هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الأمريكية عندما أكدت في(2010/3/16) أن الولاياتالمتحدة واسرائيل بينهما رباط وثيق لا انفصام له وأن واشنطن لاتزال ملتزمة مطلقا بأمن اسرائيل. أما الأمر الثالث الذي له علاقة بقلق هاليفي من محتوي كتاب فريد زكريا فهو أن الحديث عن أفول القوة الأمريكية جاء مقترنا بادراك اسرائيلي أخذ في التصاعد من وجود تحول في الدعم الأمريكي لاسرائيل وبالذات من جانب ادارة الرئيس الحالي باراك أوباما. هذا التحول يتحدث عنه الاسرائيليون بسبب مايرونه من ميول لدي الرئيس أوباما للتقارب مع العالمين العربي والاسلامي انطلاقا من خطابه للمسلمين بجامعة القاهرة, بغض النظر عن مدي حدوث محتوي هذا الخطاب, ومن ميول لتحقيق حل القضية الفلسطينية عبر فرض حل الدولتين علي حساب ماتريده أو تفعله اسرائيل, وأخيرا التراخي الأمريكي عن الدفاع وبقوة عن السياسة النووية الاسرائيلية, وقبله التردد في القبول بخيار الحرب ضد ايران للقضاء علي فرص امتلاكها أسلحة نووية. مشكلة اسرائيل بالنسبة لما تسميه من تحولات في الموقف الأمريكي أنها لاتقبل من الولاياتالمتحدة غير الدعم الكامل والانحياز المطلق, لذلك فإن الانزعاج الاسرائيلي كان شديدا من مجرد قبول الولاياتالمتحدة, نظريا, بدعوة جعل الشرق الأوسط خاليا من الأسلحة النووية, رغم الدفاع الأمريكي المستميت لمنع صدور أي توصية من اجتماع مراجعة معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية الذي عقد في نيويورك بمقر الأممالمتحدة(3 28 مايو الماضي) ضد القدرات النووية الاسرائيلية, ورغم نجاح الولاياتالمتحدة في تفريغ التوصية التي صدرت بهذا الخصوص من مضمونها وبالذات مايتعلق بدعوة عقد مؤتمر عام2012 لمناقشة دعوة جعل الشرق الأوسط اقليميا خاليا من الأسلحة النووية عندما نزعت الصفة الالزامية عن هذه التوصية ومن ثم اعطت لاسرائيل فرصة رفض حضور هذا المؤتمر أو الالتزام بقراراته. تطورات مهمة تحدث جعلت اسرائيل تنشغل بنفسها وخياراتها في مرحلة مابعد أفول العصر الأمريكي انشغال يحمل من هموم اسرائيل أكثر مما يحمل من هموم الولاياتالمتحدة وأفولها ويكاد يحمل صراخا مكتوما من احتمالات أفول اسرائيل التي لم تنتصر في أي حرب خاضتها منذ حرب يونيو1967 والتي أضحت مصداقيتها عارية بعد مؤتمر المراجعة النووية, وباتت دولة مارقة بعد جريمتها ضد أسطول الحرية وماأحدثته من تحولات درامية في العلاقات التركية الاسرائيلية. لم تقتصر فقط علي مراجعة علاقات تركيا باسرائيل لدرجة جعلت رجب طيب أردوغان رئيس الحكومة التركية يصف نجمة اسرائيل الداودية( شعار دولة اسرائيل) بأنها أصبحت تتماثل مع الشعار الناري, بل امتدت لتجعل من تركيا حليفا لايران العدو الأبرز لاسرائيل ومدافعا صلبا عن حقوق الشعب الفلسطيني لدرجة جعلت كاتبا اسرائيليا شهيرا مثل بن كسبت يخرج عن توازنه العقلي ليصف أردوغان بأنه أصبح هداما وديماجوجيا خطيرا وكارثة استراتيجية تتجسد امام أنظارنا انه أحمدي نجاد الثاني.