مجلس الوزراء: نعمل على إعادة ضخ الغاز للمصانع واستعادة المعدلات الطبيعية    وزير المالية: إطلاق حزم أكثر خلال العام المالي المقبل لتشجيع الممولين الحاليين والجدد    هآرتس: قاذفات أمريكية في طريقها للمحيط الهادئ.. ومنشأة فوردو الإيرانية على قائمة الأهداف    أرسنال يعود للتفاوض مع رودريجو بعد اقتراب ويليامز من برشلونة    «تفادى مفاجآت المونديال».. دورتموند يهرب من فخ صن داونز بفوز مثير    حبس شخص 6 أشهر وتغريمه 10 آلاف جنيه لاتهامه بحيازة لفافة حشيش في الإسكندرية    محمد شاهين: دوري في مسلسل لام شمسية كنز    الفريق أسامة ربيع:"تعاملنا بشكل فوري واحترافي مع حادث جنوح سفينة الغطس RED ZED1"    معاً نحو مستقبل دوائي ذكي ومستدام.. صحة المنوفية تقيم مؤتمر لأهمية الدواء    إدراج جامعة بدر في تصنيف التايمز لعام 2025 لمساهمتها في تحقيق أهداف التنمية المستدامة    عراقجي: الشعب الإيراني يتمتع بأعلى درجات التماسك والتضامن الوطني    أخطر تصريح للرئيس الأمريكي.. أحمد موسى: ترامب يساند مصر بقوة في ملف سد النهضة    تصعيد التوترات: إسرائيل تهدد حزب الله ولبنان يدعو للحياد    خامنئي يرشح 3 لخلافته ويتحصن ضد الاغتيال وسط تصاعد التوترات    الملتقى العلمي لقسم الصحافة ب«إعلام القاهرة» يناقش التعليم الصحفي في العصر الرقمي    منتخب شباب اليد يتأهل متصدرًا بعد 3 انتصارات في مونديال بولندا    فيفا يختار المصري محمود عاشور ضمن طاقم تحكيم مواجهة مانشستر سيتي والعين    رسميًا.. نوتنجهام فورست يجدد عقد سانتو حتى 2028    نائب محافظ الجيزة: نولى اهتمامًا بالمبادرات الهادفة إلى إحياء التراث    «آي صاغة»: الذهب تحت ضغط العوامل الاقتصادية.. وترقب لتحولات الفيدرالي الأمريكي    4800 جنية وراء مقتل طبيب مخ واعصاب شهير بطنطا    أنهى حياته بسبب علبة سجائر.. تجديد حبس متهم بقتل صديقه وإلقاء جثته بالشارع في سفاجا    خوفًا من شقيق زوجها.. أم تلقي بنفسها ورضيعتها من شرفة المنزل بدار السلام بسوهاج    الأرصاد: بدأنا فصل الصيف فلكيا وذروة الحر ستكون خلال شهري يوليو وأغسطس    الحبس سنة مع الشغل ل 3 متهمين أصابوا آخر بعاهة في المنيا    دُفن بالبقيع حسب وصيته.. وفاة حاج من قنا أثناء أداء مناسك الحج بالسعودية    تخصيص أراضٍ لإقامة مدارس ومحطات صرف وحضانات ومنافذ بيع مخفضة في الغربية    خبير استراتيجي: إيران لديها مخزون استراتيجي كبير من الصواريخ وتتطور في ضرب إسرائيل    فلاحة وراقصة وعفوية.. صور نادرة للسندريلا سعاد حسني في ذكرى وفاتها ال24    وزير الصحة يتفقد مستشفى مدينة نصر للتأمين الصحي ويوجه بزيادة القوى البشرية    جامعة سوهاج تحدد 15 سبتمبر المقبل لتسلم «مستشفى الجراحات التخصصية»    حملات بيطرية لحماية الثروة الداجنة وضمان سلامة الغذاء بالإسماعيلية    "يمين في أول شمال" في أول لياليه على مسرح السلام.. صور    محمد ثروت: وقوفي أمام ميمي جمال شرف.. وسعيد بفيلم «ريستارت»    كواليس أغنية «أغلى من عنيا» ل هاني حسن الأسمر مع والده الراحل    «للرجال أيضًا إجازة وضع».. إجازات قانون العمل الجديد تصل ل45 يومًا | تعرف عليها    يسرا ومصطفى شعبان في طليعة نجوم الفن العائدين.. هل سيكون النجاح حليفهم؟    «امتحانات في عزّ النار».. كيفية تهيئة المناخ المناسب للطلاب؟    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : كم اتمنى القرب منك سيدى ودون فراق?!    وزير العمل ومحافظ كفر الشيخ يمنحان خريجات البرامج التدريبية 11 ماكينة خياطة    محافظ الدقهلية: تنفيذ 586 قرار إزالة خلال الموجة 26 لإزالة التعديات والمخالفات حتى اليوم    خبير استراتيجي: حذرنا من التصعيد منذ 7 أكتوبر.. وإيران قد تلجأ لرد انتقامي    شمس الظهيرة تتعامد على معابد الكرنك بالأقصر إيذانًا ببداية فصل الصيف    نقابة المحامين توضح إرشادات يجب اتباعها خلال استطلاع الرأي بشأن رسوم التقاضي    آداب وأخلاق إسلامية تحكم العمل الصحفي والإعلامى (4)    الرئيس السيسى وملك البحرين: التصعيد الجارى بالمنطقة يرتبط بشكل أساسى باستمرار العدوان على غزة.. إنفوجراف    تجديد حبس 4 أشخاص بتهمة خطف شاب بسبب خلافات بينهم على معاملات مالية    رئيس وزراء صربيا يزور دير سانت كاترين بجنوب سيناء    طب قصر العيني" تعتمد تقليص المناهج وتطلق برنامج بكالوريوس الطب بالجامعة الأهلية العام المقبل    بداية جديدة وأمل جديد.. الأوقاف تحدد موضوع خطبة الجمعة المقبلة    انطلاق انتخابات صندوق الرعاية الاجتماعية للعاملين بشركات الكهرباء    رئيس جامعة الأزهر: العقل الحقيقي هو ما قاد صاحبه إلى تقوى الله    رسالة أمل.. المعهد القومي ينظم فعالية في اليوم العالمي للتوعية بأورام الدم    «خلوا عندكم جرأة زي بن شرقي».. رسائل من وليد صلاح الدين ل مهاجمي الأهلي    تعرف على مصروفات المدارس لجميع المراحل بالعام الدراسي الجديد 2025/2026    حكم صيام رأس السنة الهجرية.. دار الإفتاء توضح    تركي آل الشيخ يكشف سبب إقامة "نزال القرن" في لاس فيجاس وليس في السعودية    مؤمن سليمان يقود الشرطة للفوز بالدوري العراقي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مشرق الوعي‏!‏

في مقالي السابق تحدثت عن الجد العميد الدكتور طه حسين الذي أعتبره ويشاركني في هذا الاعتبار كل من له صلة بالتاريخ الأدبي والثقافي لمصر انه كان يمثل حقيقة لامجازا مكون الضمير الأدبي لجيله وأجيال توالت بعده تدين له بكل لمعة ضوء بددت ظلمة الجهل والأمية وإدمان السلفية المتحجرة‏.‏ واليوم أريد أن أتحدث عن هؤلاء الذين أضاءوا لأجيال أخص منها كتاب القصة بالذات واستطاعوا أن يصنعوا لتلك الأجيال مشرقا للوعي الكامل بهذا الفن وأن يفجروا من خلال هذا الوعي أسرار وخفايا المتعة ونشوة تحقيق الذات من خلال كتابة القصة‏,‏ وأذكر أنني وقد بدأت محاولاتي في كتابة القصة القصيرة في منتصف الخمسينيات وأنا بعد طالب في بداية المرحلة الثانوية وكنت حينها أتوهم أنني سأكون قصاصا لايشق له غبار إلي أن تبدد هذا الوهم علي يد أستاذ للغة الإنجليزية توسمت فيه أنه سيقدر ما أكتبه كثيرا وسيغمرني بالثناء والمديح علي موهبتي الفذة وكان أن ذهبت إليه بكراسة تضم ما كتبته من قصص واستمهلني هو حتي يقرأها وبعدها يناقشني فيها وانتظرت علي أحر من الجمر اليوم الذي وعد أن يحدثني فيه وأنا أحلم بتكرار النجاح الذي حققته في كتابة موضوعات الإنشاء والتعبير التي كان أساتذة اللغة العربية يكيلون لها عبارات الاعجاب والانبهار حتي إنهم كانوا يأمرونني بقراءتها علي باقي زملائي في الفصل وبعدها يطلبون منهم أن يصفقوا لي وأحيانا يسمحون لي بإلقاء خطبة الصباح في طابور المدرسة خلال المناسبات الوطنية حتي أطلق علي كل تلاميذ مدرسة كفر الشيخ الابتدائية الثانوية لقب الأديب وعلي قدر هذا النجاح توقعت أن يكون رد الأستاذ مدرس اللغة الإنجليزية مقاربا ومؤكدا لصفة الأديب التي حصلت عليها ولكني فوجئت بالرجل يكتب لي صفحة كاملة من النصائح والارشادات تحت عنوان الأصول الفنية لكتابة القصة القصيرة وراعني كم ما أثاره علي قصصي من ملاحظات وأظنه قد لمح تعبيرات الخذلان وخيبة الأمل تكسو وجه تلميذه الأديب فبادر مستأنفا حديثه معي بتطييب خاطري والتأكيد علي أنني بالفعل أملك الاستعداد وأتمتع بأسلوب الحكي القصصي السليم ولاينقصني إلا مراعاة ما أبداه من ملاحظات مكتوبة‏.‏ وختم حديثه بنصيحه جادة ومشددة قائلا لي باللفظ‏:‏ وأهم من هذا كله أن تقرأ أعمال ثلاثة كتاب‏:‏ يحيي حقي والشاب الجديد وقتها إدريس ومعهما أو قبلهما كل ماترجم عن الروسي‏(‏ أنطون تشيكوف‏)‏ وكأنما فتح الرجل أمامي بابا علي عالم لم أكن أراه ولم أكن أحلم به وحين دخلت من خلاله واستطعت أن أتجول باحثا في أرجائه أحسست لأل مرة بمعني أن يعيش الإنسان ويتمتع بمفردات الحياة وأحسست بمدي رحابة العالم ومدي اتساع دائرة التعاسة والشفاء في جنباته‏.‏
وقبل أن أتعرض للجبارين حقي وإدريس فلابد ان أتوقف أولا وطويلا عند جواهرجي القصة علي مدي كل العصور‏..‏ أنطون بافلوفيتش تشيكوف ولم أنعته بلقب الجواهرجي من فراغ‏,‏ فالعبقري الذي صاغ كل هذه الدرر التي تشكل التراث المؤسس لفن القصة القصيرة حتي ليجوز لنا بأن نصفه بالقصاص الأول بالمفهوم التاريخي وليس فقط بالاعتبار التفضيلي هو المالك الحقيقي والوحيد لصكوك الإنشاء والتأسيس قد يضيف بعض النقاد إليه الفرنسي جي دي موباسان والأمريكي ادجار آلان بو‏..‏ ومع الاقرار بعظمة واقتدار الكابتن إلا أن تشيكوف يظل في رأيي علي الأقل بعيدا عن أي مقارنة أو منافسة ولا أدعي أنني وحدي من افتتن بالطبيب الروسي صاحب‏:‏ العنبر رقم‏6‏ وموت موظف ولمن أشكو أحزاني والجرادة والغريمان والسيدة ذات الكلب وغيرها عشرات وعشرات من بقاع الضوء الكاشفة لحقيقة الإنسان بكل تناقضاته ضعفا وقوة‏,‏ كبرياء ومذلة‏,‏ وإدعاء وأصالة‏.‏
كان تشيكوف مهموما بمراقبة الناس حوله وكان يتوقف عند مظاهر الضعف البشري والحماقة والمفارقات السلوكية والنفسية مفكرا وغاضبا أحيانا ولكنه في كل الأحوال مشفق ومتعاطف‏,‏ تلخص هذه التركيبة عبارة قالها مكسيم جورجي وهو يتحدث عن تشيكوف‏:‏ إننا نلمح في كتابات أنطون بافلوفيتش ابتسامة القلب الحزين‏.‏
فالرقة والعذوبة الممتزجان بالدمع وآهة الألم كلها عالم تشيكوف ملخصا في كلمات نعتذر عنها لأن كاتب في قامة هذا الرجل لايمكن تلخيصه ومع أنني قرأت بشغف وإمعان معظم الدراسات النقدية التي كتبت عن أدب تشيكوف وإبداعاته القصصية إلا أنني علي يقين من أن هناك الكثير والكثير مما يمكن ان يقال عن تشيكوف وعالمه الذي رسمه بريشة مغموسة في مداد هو دم الإنسان ولانعرف في الحقيقة أين نضع هذا العملاق بين كتاب المسرح‏,‏ فنحن قد انتهينا ودون اعتراض أو تحفظ علي أن القصاص في تشيكوف هو الأعظم والأخلد بين كل قصاصي العالم قديمه وحديثه ولكننا لا نملك أنفسنا من الحيرة حين نحاول تصنيفه ككاتب مسرحي‏.‏ إن مسرحيات تشيكوف عدد لايكافئ غزارة انتاجه القصصي فله أعمال مسرحية معدودة علي أصابع اليد‏:‏ الخال قانيا بستان الكرز طائر النورس الشقيقات الثلاث إيفانوف‏.‏ ومجموعة أخري قليلة من مسرحيات الفصل الواحد مثل الخطوبة والدب وغيرها ولكن اي مسرحية من مسرحياته تقف شامخة رأسا برأس مع أهم أعمال المسرح العالمي وليس من قبيل المبالغة ان يصبح اسم الرجل علما علي مدرسة بذاتها وضربا من ضروب التقسيمات النقدية والمنهجية فيقال إن هذه المسرحية أو تلك تنتمي إلي المسرح التشيكوفي‏,‏ حين يكون القصد هو الحديث عن مسرحية يكون الفعل المسرحي فيها أو الصراع الدرامي داخل نفوس الشخصيات وليس عن طريق الأداء الحركي الخارجي كما في المدارس المسرحية الأخري‏,‏ وقد ذهب البعض إلي أن أدب تشيكوف المسرحي ينتمي إلي المدرسة النفسية ولكني أميل الي الاحتمال الأول وهو أن مسرحيات تشيكوف تنتمي إلي خصوصية صاحبها وسمات أدبه ونظرته الي الفعل الداخلي للنفس البشرية ويمكننا الآن ان نتحدث عن عظيمي القصة في مصر فإلي المقال المقبل‏.‏

المزيد من مقالات أسامه أنور عكاشه


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.