د.محمود مسلم: لثورة يونيو جميل في رقاب كل المصريين.. ويكفي أنها طهرت مصر من عصابة الإخوان    شاهد عرض مسرحي ل«أبطال الإيمان».. البابا تواضروس يشهد فعاليات منتدى شباب الإسكندرية (صور)    يهدر المجانية وتكافؤ الفرص، انتقادات برلمانية لمشروع قانون التعليم    تباين أداء مؤشرات البورصة المصرية خلال الأسبوع المنتهي وسط ضغوط بيعية على القياديات ومكاسب للأسهم المتوسطة    عاطف مغاوري: مجلس النواب تعامل مع مشروع الإيجار القديم كإملاءات على البرلمان    أوروبا تصدر تحذيرات حمراء مع استمرار موجة الحر والحرائق    الأهلي السعودي يكشف عن شعاره الجديد    "من أصول مصرية".. حارس مرمى أمريكي ينضم لمعسكر منتخب 2009    أسامة نبيه يطلب مواجهة كوريا الجنوبية وديا استعدادا لكأس العالم للشباب    عادل عبدالرحمن: إنزاجي أثبت للجميع أنه مدرب كبير    انحسار مياه الشاطئ في رأس البر.. حالة الطقس غدًا في محافظة دمياط    وزير التربية والتعليم يواصل مناقشة تفاصيل مشروع تعديل قانون التعليم أمام لجنة التعليم والبحث العلمي بمجلس النواب.. محمد عبد اللطيف: مجانية التعليم حق يكفله الدستور والقانون ولا يقبل النقاش    طارق الشيخ بعد وفاة أحمد عامر: هوصي أولادي يحذفوا الأغاني بتاعتي بعد ما أموت    أكتشاف علمى جديد لفريق الحفريات بجامعة المنصورة    أهالي سمنود يقدمون واجب العزاء في الفنان أحمد عامر    أمين الفتوى: التدخين حرام شرعًا لثبوت ضرره بالقطع من الأطباء    محمد مصطفى أبو شامة: حماس جادة ومستعدة لإنهاء الحرب والإشكالية في دفع الثمن    الحكومة: كشف جديد فى حقول عجيبة للبترول بمعدل إنتاج أولى 2500 برميل يوميا    من يتحمل تكلفة قيمة الشحن فى حال إرجاع السلعة؟.. أمين الفتوى يجيب    هل تنظيم الأسرة يتعارض مع دعوة الشرع بالتكاثر؟ أمين الفتوى يٌجيب    هل "الدروب شيبنج" جائز شرعًا؟ أمين الفتوى يجيب    صحة الإسكندرية: إنقاذ حياة طفلة فى عمر رحمى 37 أسبوعًا بجراحة دقيقة.. صور    وزير قطاع الأعمال: حريصون على تعزيز التعاون مع الشركات العالمية ذات الخبرة    أمسية سيد درويش شاعرا.. نادي أدب روض الفرج يكشف عن وجه خفي لفنان الشعب    بحث القضايا المشتركة.. ماذا يناقش رئيس مجلس الدولة الصيني خلال زيارته مصر؟    بالفيديو.. اعتقال يوسف بلايلى نجم الترجى فى مطار شارل ديجول    توثيق زيت رأس سدر ومكافحة التصحر.. جهود بحوث الصحراء في تنمية جنوب سيناء    فيديو.. محمد رمضان يطرح أغنية من ضهر راجل عبر يوتيوب بعد أيام من «الجو حلو»    استدعاء الممثل القانوني لقناة "المحور" بسبب مخالفات برنامج "90 دقيقة"    ما أكثر الفئات تأثرًا بمشروع قانون ترامب "الكبير والجميل"؟    سوريا: انفجاران خلال ساعات و7 قتلى وجرحى في ريف حماة    مصراوي يكشف خطة غزل المحلة للمشاركة في دوري السيدات    أحمد مرتضى منصور يكشف كواليس مثيرة من داخل الزمالك: "ممنوع شكر مرتضى عشان ممدوح عباس"    جمال شعبان يعلق على الموت المفاجئ للمطرب أحمد عامر    ترامب يعلن التوصل إلى اتفاق تجاري مع فيتنام    غدًا.. استمرار امتحانات الثانوية الأزهرية 2025 بشمال سيناء    محافظ الغربية يتابع جهود رفع نواتج الأمطار بالمراكز والمدن    خبر في الجول - بتروجت يحدد مطالبه لبيع حامد حمدان ل الزمالك    أستاذ علوم سياسية يوضح إمكانية إغلاق إيران مضيق هرمز    الشعب الجمهوري: انتخابات الشيوخ تأكيد على نضوج التجربة الديمقراطية وتعزيز لمناخ الاستقرار السياسي    إنزال الكابل البحري العالمي SMW6 بمدينة رأس غارب ضمن مشروعات البنية التحتية الرقمية    «الإفتاء» توضح حكم صيام يوم عاشوراء منفردًا    استمرار الكشف الطبي على المتقدمين للترشح ب انتخابات مجلس الشيوخ في الشرقية    التعليم العالي: فتح باب التقدم لبرامج التعاون العلمي بين مصر واليابان (التفاصيل )    منظومة التأمين الصحى الشامل تدخل يومها الثاني في أسوان.. و13 منفذًا لخدمة المستفيدين    تحتوي على مواد خطرة وقابلة للاشتعال.. إزالة وإخلاء مخازن مخالفة في الطالبية ب الجيزة    كمادات باردة على الرأس والعنق.. 7 نصائح فعالة لعلاج الدوخة والصداع الناتج عن حرارة الجو    وزير الأوقاف يجتمع بقيادات وزارة شئون المسلمين بالفلبين لبحث مذكرات التفاهم    غلق 4 محلات بدمنهور فى البحيرة لمخالفة تعليمات ترشيد الكهرباء    كشف لغز مقتل فتاه على يد والدتها بمركز أخميم بسوهاج    فضل شاكر يدعم شيرين عبد الوهاب برسالة مؤثرة: «مارح نتركك»    محافظ الفيوم يعتمد درجات تنسيق القبول بالمدارس الثانوية والدبلومات للعام الدراسي 2026/2025    بمشاركة وزارة الرياضة.. انطلاق حملة «مانحي الأمل» في مصر    لإنقاذ الغرقى.. توزيع هيئة الإشراف والمنقذين على شواطئ مدينة العريش    "إعلام المنوفية" تفوز في مسابقة الإبداع الاعلامي وتناقش مشاريع تخرج الدفعة 2025/2024    3 مصابين في حادث تصادم على طريق الإسماعيلية بالسويس    آخر ما كتبه المطرب أحمد عامر قبل وفاته بساعتين    البحر الأحمر: جهود مكثفة للعثور على 4 مفقودين في غرق حفار بجبل الزيت.. والمحافظ يتفقد الموقع    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رؤية عمرية‏..‏ في أزمة اقتصادية

إنها لم تكن أزمة اقتصادية فحسب‏,‏ بل كانت كارثة إنسانية فاجعة واجهتها الأمة الاسلامية في السنة الثامنة عشرة من الهجرة‏,‏ إبان الخلافة العمرية الراشدة‏,‏ إنها كارثة‏(‏ الرمادة‏)‏ التي يوحي اسمها بكل معاني القحط والجدب والجفاف التي أصابت الزرع والضرع‏. وبدت آثار المجاعة علي وجوه الناس حتي اكتست بلون الرماد الكالح الكئيب‏!!‏
فماذا يفعل البشر الذين عضهم الجوع بأنيابه إلا أن يأووا إلي عاصمة الخلافة هربا من جوع الموت أو موت الجوع‏,‏ ينشدون عند الخليفة العادل عمر بن الخطاب‏.‏ النجاة والحياة؟ وماذا يفعل عمر رضي الله عنه إلا أن يستجلب بالحزم والرحمة معا ما في أرجاء الخلافة وأطرافها من فضول الأموال وفوائض الأقوات‏,‏ ثم يحملها علي ظهره مع من يحملون‏,‏ ثم يقسمها بيديه مع من يقسمون‏,‏ دون أن ينال من ذلك إلا مايناله الواحد منهم بلا مزيد‏,‏ ودون أن يدخر في ذلك جهدا حتي تنقشع الغمة‏,‏ وتنجلي الأزمة؟
فقل لي بربك‏..‏ بماذا يمكن أن يفسر هذا المشهد التاريخي الذي لايكاد يتكرر في تاريخ البشرية الحافل بمظالم المظلومين‏,‏ وأنات الجوعي‏,‏ وآهات الثكلي؟ هل يمكن أن يفسر بنظريات الصراع الطبقي‏,‏ وفائض القيمة‏,‏ والمادية التاريخية‏,‏ تلك المفاهيم التي روج لها المروجون ردحا من الزمن‏,‏ ثم أصبحت أثرا بعد عين‏,‏ حين برزت سوءاتها وسيئاتها لكل ذي عينين؟‏!‏
هل يمكن أن يفسر هذا المشهد بمنطق اقتصاديات السوق‏,‏ أو بآليات العولمة المتوحشة التي أخذت بخناق البشر إلي عالم لاقلب له‏,‏ صخري العواطف‏,‏ حجري المشاعر؟‏!‏ إنه لايمكن أن يفسر إلا بتفسير واحد‏,‏ يكمن في الشعور الجارف بإنسانية الانسان في رحاب الاسلام‏,‏ الرباني المصدر‏,‏ بتعاليمه ومعاييره الشرعية والخلقية الرفيعة‏,‏ وحسبك به من تفسير‏!!‏
بيد أن المرء حين يستحضر هذا المشهد الفريد ينبغي ألا يغيب عنه أمران جوهريان‏:‏
أولهما‏:‏ إنه ليس مطلوبا ولامتاحا في مواجهة أزمات الإنسان المعاصر محاكاة هذا النموذج بتفصيلاته وجزئياته‏,‏ فالزمان غير الزمان‏,‏ ومتغيرات العصر وآلياته تستلزم ضروبا أخري من التناول والتعامل‏,‏ لكن المطلوب في المقام الأول‏:‏ استلهام لب هذا الحل وقلبه‏,‏ الذي يتمثل في ضرورة استنهاض روح الأخوة الانسانية الشاملة‏,‏ التي وضع الاسلام مسئوليتها علي كاهل الإنسان بما هو إنسان‏,‏ والتي تتجسد في إعادة نبض الحيوية وحرارة الشعور إلي منظومة القيم الاسلامية الرفيعة‏,‏ المؤسسة علي صلة الكون ببارئه سبحانه‏,‏ إيجادا وإمدادا‏,‏ وثوابا وعقابا‏.‏
ثانيهما‏:‏ إنه ليس مطلوبا ولامتاحا‏:‏ أن تقفل المنافذ وتغلق النوافذ أمام الجديد من النظريات الاقتصادية‏,‏ والحديث من آليات إدارة الأزمات‏,‏ فكل ذلك قد جعل العصر الراهن واجبا ملحا شديد التعقيد والتشابك مع علوم السياسة والاجتماع‏,‏ والتكنولوجيا‏,‏ والمعلوماتية‏,‏ علي نحو لم يكن يخطر من قبل علي بال‏,‏ بل المطلوب والمرغوب من هذا الدرس العمري‏:‏ النفاذ إلي الجوهر‏,‏ و المغزي الذي يقوم علي شحذ إرادة الانسان الخيرة التي هي جوهر الانسانية الحقة‏,‏ المرتبطة بالخالق الحكيم‏,‏ مهما تبدلت الظواهر‏,‏ وتغيرت المظاهر‏,‏ وتلك مهمة أولاها الاسلام أكبر العناية‏,‏ وأعظم الرعاية‏!!‏
وفي كل هذا تكمن القراءة المثلي‏,‏ والتفسير الأقوم لهذا الدرس التاريخي النادر‏,‏ لكن نفرا من الناس لايرون في حادثة الرمادة بكل ثرائها ودلالاتها سوي أمر واحد‏,‏ هو أن عمر رضي الله عنه قد أسقط حد السرقة في عام الرمادة‏,‏ ومن ثم فإن النصوص حتي القطعيات منها قابلة فيما يتوهمون للحذف والإلغاء عند أول منعطف‏,‏ ولا حرج ولاتثريب إذن في إهدار مايحلو لهم إهداره من ثوابت الشرع‏,‏ وقواطع الدين علي يدي كل عابر سبيل‏!!‏
كان الأولي بهذا النفر من الناس أن يسأل نفسه‏,‏ من ذا الذي يسرق في هذه الكارثة المدلهمة‏,‏ وممن يسرق‏,‏ وماذا يسرق‏,‏ والناس لايجدون سوي علي موائد عمر رضي الله عنه مايسد الرمق ويحفظ الحياة؟ فهل كانوا يريدون من عمر أن يقطع يد من اضطرته ضراوة الجوع إلي طعام يقيم به أوده ويحفظ به حياته؟
أليس من سداد الرؤية ورشاد البصيرة أن تستلهم البشرية درس الرمادة في مواجهة أزمات الجوع والفقر التي أنشبت أظفارها في كثير من بلدان العالم حتي أصبح الناس فيها لايجدون من القوت حد الكفاف؟
أليس من سداد الرؤية ورشاد البصيرة أن تستلهم البشرية درس الرمادة في مقاومة نزعات الفردية المقيتة والأنانية المفرطة التي شطرت العالم إلي دول الشمال الباذخة الثراء‏,‏ ودول الجنوب القابعة في قاع الفقر‏,‏ والتي أصبحت مستودعا لنفايات صناعة الشمال‏,‏ وضحية للتلوث البيئي‏,‏ والاختلال الكوني؟
أليس من سداد الرؤية ورشاد البصيرة أن تستلهم البشرية من درس الرمادة منهجا رفيعا لايجعل الحضارة رهنا بالتقدم التكنولوجي وحده‏,‏ ولايجعل التقدم رهنا بالرفاهية الزائفة التي توفر المزيد من المتع العابرة‏,‏ ولايربط السعادة باللذة‏,‏ بل يربط بين هذه المفاهيم العليا جميعا وبين القيمة و المعني‏,‏ و اللب‏,‏ و الجوهر‏,‏ ثم بينها وبين الدين الحق الذي ارتضاه الله تعالي للإنسان وللكون جميعا؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.