في حياتنا السياسية رواد لا نتذكرهم للأسف إلا عندما يتوفاهم الله.. لكن ما يشفع لنا أنهم تركوا خلفهم تراثا من العمار لا العقار تراثا مصبوبا بالأخلاق يخلد ذكراهم باعتبارهم رموز الإرادة والتحدي.. هم بناة السد العالي ومنشئو المصانع في أحراش الصعيد الجواني.. في مقدمة الرواد يأتي المهندس محمد محمود علي حسن الذي غادر عالمنا بعد أن اختاره ربه وهو يعالج في باريس, هو نائب قوص في صعيد قنا قبل أن يكون نائبا لرئيس مجلس إدارة المقاولون العرب أبر بوعده لأهالي دائرته الذين انتخبوه.. وظلوا ينتخبونه علي مدي ربع قرن وفي آخر دورة تم التزوير ضده فتفرغ لأهالي دائرته وكل الأهالي المظلومين, فالعدالة كانت ضالته.. انحاز إلي ملاك العقارات القديمة باعتبارهم أصحاب حقوق مسلوبة وضائعة.. وعندما أقام مصنعا للأسمنت في قنا رفض الحصول علي الطاقة بالأسعار المدعمة لمصنعه.. ضاربا المثل للشركات المتوحشة التي تريد أن تسرق دعم الطاقة من جيوب البسطاء والفقراء.. وضعته الأقدار وجها لوجه أمام الفساد. فساد البيع للقطاع العام.. ولم يكن أمام رئيس مجلس الوزراء في عصره إلا أن يبعده عن رئاسة الشركة القابضة للإسكان والتعمير والتشييد. وكم كانت صدمته كبيرة وهو يتحدث لي عن كبار المسئولين بلغة صعيدية صادقة قائلا: هل يعقل أن المسئول يمكن أن يعمل لغير مصلحة البلد؟ هل يعقل أن يكون هناك خياران لحل المشكلة ثم نفاجأ بأن الاختيار يقع علي إهدار المال العام؟ وكان يردد رحمه الله: أنا لا أصدق عيني!. تعلمت من المهندس محمد محمود علي حسن.. الذي كان أحد زعماء حزب الأغلبية تحت القبة.. عدم الاستعجال في إصدار الأحكام ضد الناس وضد المعارضة التي يجب أن نحترم رأيها مهما كانت التجاوزات. فاجأني يوما رحمه الله باستصدار قرار من رئيس الحزب الوطني بضمي إلي عضوية لجنة الإسكان التي كان يرأسها في الحزب, قلت له مع احترامي للحزب الوطني أنا لا أنضم للأحزاب.. لكن شعورا مني بالضعف أمام مصداقيته قبلت البقاء عضوا مشاركا في الاجتماعات التي يرأسها. قلب كبير وإنسان عظيم بكل ما تحمله هذه الكلمة من معاني.. وتلك كانت هي السر وراء عطائه الذي لايعلمه أحد إلا الله للناس الذين تحسبهم أغنياء من التعفف تعرفهم بسيماهم لا يسألون الناس إلحافا كما كان يقول لي وهو يزرع في نفوس أبنائه حب الخير وحب العطاءهذا هو الصرح الكبير الذي شيده لأولاده من بعده الأب الكبير المهندس محمد محمود علي حسن.. رحمه الله وأسكنه فسيح جناته.