الانتحار أسوأ لغة يعترض بها الانسان علي أوضاعه وفي مشهد مفزع تألمنا له جميعا شاهدنا الشاب الذي اتخذ قراره بإنهاء حياته شنقا ليتدلي بين السماء ومياه النيل من أعلي كوبري قصر النيل في لقطة سينمائية مثلها وأخرجها وقام بعرضها في صورة حية من دراما الحياة, ولأن الطريقة التي انتحر بها بطل المأساة لافتة حاولنا الاقتراب من تفاصيل حياته التي نستعرضها كما لمسناها من اشقائه. البداية كانت في وضح النهار عندما فوجئ المارة علي كوبري قصر النيل بحبل ملتف حول أحد اعمدة الكوبري يتدلي منه شاب عنقه ممزق والدماء غطت ملابسه وفي سرعة خاطفة تجمع المارة ووسائل الاعلام المختلفة لرصد المشهد الغريب. وعقب إنزال جثة الشاب وتفتيش ملابسه لتحديد هويته تبين ان اسمه عمرو عبداللطيف(31 سنة) سائق وعثر معه علي ورقة بها عبارات تحمل الحب الشديد لحبيبته التي تدعي مني قائلا لها انه لن يحب سواها ومودعا إياها, ويطلب منها ان تذكره الي الابد وبقدر ماتحمله الرسالة في ظاهرها من استفزاز للكثيرين لسطحيته خاصة انه انهي حياته بطريقة بشعة الا ان هذا المشهد المؤلم يحمل الكثير من الدلالات, فالإحباط وافتقاد القدرة علي تحقيق الاهداف وضعف الايمان واعراض مرضية تنمي سرطان اليأس الخبيث الذي يدفع بالإنسان الي الهاوية. وفي محاولة منا لفك الألغاز المحيطة بهذا الشاب اقتربنا من اسرته لمعرفة ظروفه واكتشفنا ان لديه3 اشقاء ذكور وشقيقة واحدة ووالداه متوفيان اسرة بسيطة ضعيفة ماديا, الشقاء وقسوة الحياة تنعكس علي وجوههم ونظرتهم للامور. فيقول صبري شقيق عمرو: اخي كان متزوجا منذ اكثر من7 سنوات بسيدة تكبره في العمر, ولم ينجب, وبالتأكيد كان هذا الامر يضايقه لكنه لم يكن يتكلم كثيرا وكنت أشعر ان اشياء كثيرة بداخله لايعبر عنها. بينما قال مسعد الشقيق الاكبر: اخي كان يعمل سائقا وخطاطا ويساعدني في احوالي المعيشية قدر استطاعته, لكنه كان ضيق الخلق انفعالي لايحب ان يتعالي عليه احد, ولكنه في ذات الوقت كان طيب القلب, وأضاف انه في بعض الاحيان كان يختلف مع زوجته ويترك المنزل ثم يعود اليها لانه كان يحبها وأكد علي حد زعمه انها كانت لفكرة زواجه للمرة الثانية وانه حدثه بالفعل عن مني, لكنه نفي ماتم ترديده بان أسرتها رفضت زاوجهما, واشار انه ليلة الحادث تحدث مع شقيقه مطالبا اياه بالسفر الي الفيوم بلدتهما الا انه رفض وقال له انه يشعر بالضيق ورفض الافصاح عن سبب سوء حالته النفسية ثم فوجئ في صباح اليوم التالي بماحدث, وأكد مسعد في نهاية حديثة قائلا: ان مافعله شقيقي كان قلة ايمان, وادعو ان يسامحه الله عليه ولا أستطيع ان اقول اكثر من ذلك. ويحلل الدكتور محمد المهدي استاذ الطب النفسي الطريقة التي انتحر بها الشاب عمرو قائلا: المشهد في صورته العامة وفقا لما توافر من معلومات حول ظروف هذا الشاب وانتحاره بهذه الطريقة الدرامية المدوية في مكان معروف يطرقه الكثيرون هو نوع من انواع الانتحار يسمي انتحار المحبيين وهي طريقة منتشرة في بعض الدول مثل امريكا, فالبعض يري ان العلاقة العاطفية هي اهم مصادر السعادة والرضا نظرا لاحتياجهم لنوع من الرعاية والاهتمام, خاصة اذا فشلوا في تحقيق الاهداف الرئيسية لهم فيكون التركيز في اتجاه هذه العلاقة فاذا فشلت تعني خسارة الحياة ويكون قرار الموت بالامر اليسير حيث يختار الشخص مكانا يتمتع بشهرة ما وينتحر قاصدا بث رسالة للمجتمع ليشعرهم بالذنب لتسببهم في حرمانه ممن احب, وفي الحالة التي نحن بصددها يبدو انه شخصية بها درجة من درجات الاستعراضية وهذا واضح من الطريقة التي انتحر بها الي جانب انه يعاني من تقلبات في الانفعالات, وهذا النمط من الشخصية يكون لديه ميل للانتحار, خاصة اذا كانت تعاني من الفشل وقلة الحيلة, وفقدانه تحقيق الكثير من الاهداف فكل هذه الامور تجعل الشخص الذي يفكر في هذه الخطوة لايلجأ لأحد وتسيطر عليه الفكرة ويفقد التوازن والحقيقة ان الوسيلة التي لجأ اليها هذا الشاب المنتحر كانت رسالة منه للجميع.