ما جري داخل حزب الوفد هو بشارة, فقد ثبت أن المصريين قادرون علي التغيير, وأنهم يتقبلونه, فهذه خطوة للسير بالحياة السياسية في مصر نحو الأحسن. هذه هي أول انتخابات تجري داخل حزب الوفد الجديد ففي بداية نشأة الحزب عام1978, تعارف الأنصار علي أن فؤاد سراج الدين هو القيادة التاريخية للحزب وظل في مكانته هذه حتي وفاته, وفي بداية عهد الحزب شغل سواء وحده, أو بالتحالف مع التيار الإسلامي نحو60 مقعدا في البرلمان, إلا أن عدد المقاعد ظل يتناقص خصوصا بعد الانفصال عن الإسلاميين. وصار عدد المقاعد لا يتجاوز ال20 أو أقل. وبعد رحيل الباشا, جاء نعمان جمعة دكتور الجامعة وعميد الحقوق الأسبق, وبدأ عهده بوعود ديمقراطية, ثم انتهي شر نهاية, فمن ناحية خسر انتخابات الرئاسة وجاء ترتيبه الثالث بعد أيمن نور الذي كان يصغره وفي عمر تلاميذه بالجامعة, ولم يحقق الحزب أي تطور أو نمو في قوته السياسية, بل إن عدد مقاعده لم يتجاوز تقريبا خمسة مقاعد.. ووصلت مأساة الحزب ذروتها في مشهد خروجه الذي اجتاحت فيه المقر الرئيسي نيران الحرائق, وطلقات الرصاص, مع حصار كثيف لقوات الشرطة, وجهود مضنية لقوات المطافئ لاحتواء الموقف وكان المشهد جديرا بوكر عصابة للمخدرات, لا بمقر لحزب سياسي عتيد يطمح في قيادة البلاد. وجاء بعده الدكتور محمود أباظة سليل الأسرة الأباظية, العريقة في السياسة والتي عادة ما يكون منها قيادات بارزة سواء في الحكومة, أو المعارضة, أو حتي في النخبة الثقافية والاجتماعية, وللحق فإن الدكتور أباظة لم ينجح في إحداث تغيير جذري في حياة الحزب. يكفي أنه في ظل قيادته لم يستطع الحزب أن يستعيد قوته وهيبته التي كانت له علي عهد الباشا في القيادة وممتاز نصار في البرلمان والذي كان يقود هيئة برلمانية لم تقل أبدا عن نحو15 عضوا في أقل أحوالها, ففي البرلمان الحالي لم يتجاوز عدد أعضاء الحزب في مجلس الشعب6 أعضاء, ومعني هذا باختصار أن أباظة لم ينجح في محاولاته استعادة شباب الحزب, وتحويله الي حزب جماهيري, فالحقيقة, أن أباظة يترك قيادة الحزب ووضعه تعيس داخل مجلس الشعب. (2) أحسن ما في المشهد الحالي هو اجراء انتخابات سلمية, بين أباظة وخصمه الدكتور السيد البدوي, جرت في أجواء سياسية تماما, فلم نسمع عن حشود أمنية كثيفة أو إحراق لمقر الحزب أو استغاثات برجال المطافي والاسعاف بالعكس, لقد تصافح المتنافسان وتعانقا في بداية اليوم, وفي نهايته, وأكد البدوي بعد انتصاره, أنه يعترف بأنه لن يستطيع وحده أن يعيد للحزب شبابه ورونقه وشعبيته, وأن هذا يحتاج لجهد جماعي سواء من أنصاره أو أنصار أباظة. نحن إذن أمام حزب يبدو أنه قادر علي تجديد دم قيادته دون إسالة دماء ودون تدخل من قوات الأمن, فهل يستطيع تجديد دماء قواعده واحياء شعبيته واسترداد عافيته السياسية بحيث يصبح حزب المعارضة الأول؟ فلأول مرة في تاريخ الوفد, يكون له رئيس سابق علي قيد الحياة بانتخابات تمت بعملية سلمية تماما فسعد زغلول لم يترك الحزب إلا لكي يذهب الي القبر, أما مصطفي النحاس فلم يترك مكانه إلا بثورة يوليو التي ألغت الأحزاب كلها, وأعاد سراج الدين سيرة زغلول في البقاء حتي الموت. (3) أمام البدوي فترة قصيرة جدا ليدخل أهم امتحان سياسي له في حياته إنه اختبار انتخابات مجلس الشعب, وللحق فقد كان يجب تحديد مواعيد انتخابات رئاسة هذا الحزب في توقيتات مناسبة تمكن القيادة الجديدة من طرح تصوراتها, وتنفيذها, وتنشيط قواعد الحزب في القري والأحياء بحيث يكون من المنطق اعتبار الرئيس الجديد مسئولا عن نتيجة الحزب في الانتخابات العامة المقبلة, أما في حالتنا هذه فالحق أن الدكتور البدوي سيكون له كل العذر في القول بأنه لم يكد يتولي رئاسة الحزب في يونيو حتي داهمته الانتخابات العامة في أكتوبر, والواقع يقول, إن البدوي لن يستطيع أحد أن يطالبه بالاستقالة لو أنه فشل في تحقيق انجاز ملموس للحزب كأن يزداد عدد اعضائه من6 الي40 أو50 عضوا فربما يكفي أن نطالبه مثلا بزيادة العدد الي20 عضوا أو نحو ذلك, لكن أخطر ما في توقيت انتخابه, وكونه يأتي قبل الانتخابات العامة بثلاثة أشهر فقط, أنه سيبقي علي الأرجح أغلب مدته الأولي كرئيس للحزب وهو مصاب بشرخ الهزيمة في الانتخابات ولسوف يستقر في ذهن قيادات الحزب وقواعده أنه لا علاقة بين نتيجة الانتخابات العامة وبين من يتولي رئاسة الحزب, وبذلك تصبح رئاسة الأحزاب المعارضة مهمة شرفية لا قيمة سياسية لها فكلهم بلا وزن برلماني وهذا يختلف عما يحدث في العالم الديمقراطي, فالفشل في الانتخابات أو في تحقيق نتيجة ايجابية, تعني الاستقالة مباشرة, فالحياة السياسية لا تحتمل الزعيم المشروخ أو المكسور. لا جدال في أننا نتمني له التوفيق والنجاح, ولكننا نتمني له الجرأة في الحق, وأن الأهم من قيادة الحزب, هو إنجاح الحزب في الفوز بأكبر عدد ممكن من مقاعد مجلس الشعب. وهي مهمة صعبة للغاية. [email protected] المزيد من مقالات حازم عبدالرحمن