بالقاعة الرئيسية بدار الأوبرا المصرية أقام الفنان الكبير أحمد طوغان المستشار الفني لدار التحرير للطبع والنشر معرضه الأخير. وطوغان أحد رموز جيل العمالقة الذين فتحواالباب لدخول الرسامين خلفهم. والفنان أحمد طوغان هو واحد من أهم رسامي الكاريكاتير المصري, وهو اسم لامع في سماء الكاريكاتير السياسي علي وجه الخصوص, إذ ينفرد بطريقته اللاذعة وأفكاره الموحية, وهو أشبه بصقر حاد البصر يحلق في الأفق لينقض مباشرة علي البؤر الموجعة في جسم الواقع الحي كما يصفه الكاتب والروائي خيري شلبي فهو فنان لا يرسم الصورة الواقعية للوجع بشكلها المباشر, بل يتوغل في عمق محتوي الواقع السياسي المؤلم ليتحول هذا المحتوي إلي تشخيص إنساني حي لرؤية سياسية عميقة. أما حكاية طوغان مع الكاريكاتير فهي حكاية طويلة ترجع بجذورها إلي أيام الطفولة المبكرة وبالتحديد إلي سنوات الحرب العالمية الثانية, وقتها كانت مصر تحت الاحتلال البريطاني, وكان البريطانيون يستخدمون الكاريكاتير كوسيلة لرفع معنويات جنودهم, وحين أحسوا بأن هناك تعاطفا كبيرا من المصريين مع جيش هتلر أغرقوا الشوارع المصرية بتلك الرسوم التي كانوا يروجونها للسخرية من هتلر وتشويه صورته أمام المتعاطفين معه والمعجبين به. كان طوغان معاصرا لتلك الفترة وكان يشاهد بنفسه تلك الرسوم.. حينها لم يجذبه الي الكاريكاتير تلك الخطوط السلسة أو المفارقات اللاذعة أو حتي خفة الظل التي يتمتع بهذا هذا الفن بقدر ما أدهشته قدرته علي التأثير في الناس وتأجيج مشاعرهم, وربما كان هذا الأمر هو السبب الرئيسي في ميل طوغان إلي هذه النوعية الخاصة من الكاريكاتير التي عرف بها وهي الكاريكاتير السياسي. هو يحكي عن بدايات اشتغاله بالكاريكاتير قائلا: كانت مصر والمنطقة العربية بأسرها تشهد الكثير من التحولات بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية, إذ بدأ اليهود في تنفيذ مخططهم الاستيطاني في فلسطين بينما كانت مصر تغلي بالثورة علي الاحتلال البريطاني وفساد الحكم, وكنت في هذه الفترة محبا للرسم لكنه لم يتحول حينها لدي إلي وسيلة للتعبير إذ كنت أري الكتابة خاصة الشعر الذي كنت أتلمس خطاي فيه وقتها هما أفضل الوسائل للتعبير عن كل هذه الصراعات والآمال الوطنية إلي أن وقعت في يدي إحدي المجلات المتخصصة في فن الكاريكاتير فانبهرت بما تقدمه من رسوم وأفكار وبدأت من وقتها أهتم أكثر بذلك الفن, وأمارسه علي الجدران أو أي شيء أعثر عليه.. كانت الرسومات هذه ذات طابع سياسي بحكم الأجواء التي كنا نعيشها وهو الأمر الذي استمر معي. ويضيف: بعدها وجدت في نفسي رغبة ملحة في نشر رسومي هذه, لكنني حتي تلك اللحظة كنت في حاجة إلي من يحكم علي هذا الإنتاج حكما منصفا فنصحني صديقي الكاتب محمود السعدني وكان في مثل سني أن أتوجه إلي الفنان الكبير رخا. وكان رخا أشهر رسام كاريكاتير في مصر ذلك الوقت وأفضلهم أيضا.. وحين توجهت إليه في نقابة الصحفيين كنت في قمة الخجل والتوتر إلا أنه أزال عني هذه المشاعر بمقابلته البشوشه التي لا أستطيع نسيانها حتي اليوم. لقد أعجب رخا برسوماتي, وظللت أتردد عليه بعدها ولم تنقطع صلتي به حتي وفاته, لقد كان رخا سببا في نشر أول رسوماتي اذ هو الذي وجهني إلي مجلة' المساء' وهي مجلة أسبوعية كان يصدرها اتحاد محرري الصحف وعمل في هذه المجلة لأكثر من عامين. بعدها تنقل الفنان طوغان بين أكثر من مجلة وجريدة مثل الكاتب, وروزاليوسف, والصرخة حتي أنشئت جريدة' أخبار اليوم' فانضم إلي فريق العمل بها لأكثر من عام ونصف العام ليتركها بعد خلاف مع صاحبها الصحفي الكبير علي أمين, لينتقل بعد سنوات إلي العمل بجريدة' الجمهورية' التي تأسست في بداية ثورة يوليو وهي الجريدة التي ما زال يعمل فيها حتي اليوم. ويتميز ابداع هذا الفنان عن غيره من ابناء جيله بخطوطه الصريحة الموحية دون اللجوء إلي اختزال التفاصيل أوالمبالغة في النسب فكانت رسومه تجد قبولا واستسحانا لدي المشاهد هذا إلي جانب موقفة الوطني الواضح. ولا يقتصر إبداع الفنان طوغان علي الكاريكاتير وحده, ولكنه خاض تجربة الكتابة فكتب أدب الرحلات' والأدب الساخر'والكاريكاتير الاجتماعي والسياسي و'كاريكاتير طوغان' و'يوميات رسام كاريكاتير' ونظم من قبل معرضا لبعض نماذج من أعماله بقاعة العرض بساقية الصاوي. حصل الفنان أحمد طوغان علي وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولي وجائزة حقوق الإنسان1989 وجائزة مصطفي وعلي أمين الصحفية1987 ودرع قوات المثني العراقية1997 والمهرجان الدولي للكاريكاتير في الإسماعيلية2000 ومهرجان الجونة الدولي1999