كالمعتاد كان الجو حارا في أحد أيام صيف عام2007 بمدينة الصدر بالعاصمة العراقية بغداد, ووجدها نمير نور الدين 22 عاما فرصة جيدة للخروج بالكاميرا والتقاط بعض الصور. ليرسلها إلي وكالة رويترز للأنباء التي يعمل بها ، وصل نمير إلي أحد الميادين فنزل مع مساعده وسائقه سعيد شماغ 40 عاما من السيارة متجهين نحو عدد من المارة, وعندما تناهي إلي أسماع الجميع صوت مروحية عسكرية أمريكية تقترب, أشار سعيد إلي خطورة الموقف فأكد له نمير عدم خشيته من المروحيات الامريكية ايمانا منه بأنه صحفي ومن حقه أن يستقي ويتلقي الانباء والافكار وإذاعتها بأيه وسيلة, فهذا ما جاء بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان, وما هي إلا لحظات حتي كانت أشلاء نمير ومساعده وآخرين قد تناثرت في الميدان بعد أن مزقها وابل من الطلقات الكثيفة التي وجهتها المروحية الأمريكية إلي الجميع!. لم يكن مصرع نمير ومساعده الذي غادر عالمنا تاركا4 من اليتامي سوي حلقة جديدة ومتكررة من الماسأة التي يتعرض لها العاملون بالصحافة والإعلام في أثناء ممارسة مهنتهم وبحثهم عن الحقيقة لنقلها إلي العالم. وفي يوم3 مايو احتشدت مشاعر الحزن والرغبة في التحدي والتصميم علي الاستمرار خلال احتفال العالم بمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة لعام2010, والذي حمل شعار حرية المعلومة( الإعلام): الحق في المعرفة. فطبقا للمادة ال19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان فإن لكل شخص الحق في حرية الرأي والتعبير, ويشمل هذا الحق حرية اعتناق الآراء دون أي تدخل واستقاء الأنباء والأفكار وتلقيها وإذاعتها بأي وسيلة كانت دون تقيد بالحدود الجغرافية. وتعد تلك المادة وتحويلها للتطبيق علي أرض الواقع بمثابة التحدي الرئيسي أمام العاملين في مجال الصحافة والإعلام, فمن أجلها وبسببها يتعرض الصحفيون والإعلاميون للكثير من المضايقات والضغوط والتخويف بل الاعتداء البدني والقتل. وفي الكلمة التي وجهتها للعالم بهذه المناسبة من بريسبان بأستراليا أكدت أيرينا بوكوفا مدير عام اليونسكو أن حرية الإعلام هي المبدأ الذي يقتضي من المنظمات والحكومات أن تعمم ما لديها من معلومات وتسهل الاطلاع عليها لأي شخص يريدها, وذلك استنادا إلي حق الجمهور العام في أن يكون علي دراية بالأمور. فالحق في المعرفة والإعلام يجب ألا ينظر له من زاوية سلبية, فلهذا الحق دور مركزي في الحفاظ علي باقي الحقوق الأساسية الأخري للإنسان, كما يسهم في تعزيز الشفافية والنهوض بالعدالة والتنمية وهو أحد الأعمدة الأساسية للديمقراطية الحقيقية. ولكن هناك العديد من العقبات التي تقف أمام تحقيق ممارسة الحق في المعرفة والحصول علي المعلومة فهناك الفقر ونقص الموارد وافتقاد البنية الأساسية اللازمة لنقل تلك المعرفة ونشرها, أما كبري العقبات فتتمثل في الإعاقة المتعمدة.. فنشر الحقيقة غالبا ما يكون مؤلما للبعض. ولكن يبدو أن الصورة ليست بالقتامة التي يتوقعها البعض, فالكثير من دول العالم تظهر جدية حقيقية في تبني قوانين تدعم حرية تداول المعلومات, وتشير الإحصائيات إلي أن عدد الدول التي كانت تتبني قوانين وطنية لحرية تداول المعلومات( أو حرية الإعلام) في عام1990 كان13 دولة فقط علي مستوي العالم, أما اليوم فقد أصبحت قوانين حرية الإعلام موجودة في80 دولة وتسعي30 دولة أخري تقريبا إلي تبنيها, كما زادت أعداد المواد الدستورية وأحكام المحاكم العليا التي تصدر فيما يتعلق بتوفير حرية المعلومات. وقد حصلت الصحفية الشيلية مونيكا جونزاليز موخيكا 61 عاما علي جائزة اليونسكو العالمية لحرية الصحافة لعام2010( وتعرف بجائزة جيليرمو كانو) بعد أن ضربت مثلا حيا علي المعركة التي يخوضها الصحفي والإعلامي من أجل الحفاظ علي حق كل إنسان في التمتع بالمادة ال19 الواردة بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان. فقد قضت الصحفية الشيلية4 سنوات في المنفي نتيجة آرائها المعارضة للانقلاب العسكري الدكتاتوري الذي أطاح بالحكومة الديمقراطية المنتخبة في البلاد عام1973 بعد مؤامرة ظهرت الولاياتالمتحدة في خلفيتها. وبعد عودتها لشيلي عام1978 تعرضت لمضايقات من قبل أجهزة الأمن التي طاردتها إلي أن أوقفتها عن العمل عدة مرات ثم سجنتها وعذبتها أكثر من مرة نتيجة إصرارها علي إجراء تحقيقات صحفية تتعلق بانتهاكات حقوق الإنسان والفساد المالي للجنرال بينوشيه واتباعه. وبعد عودة الديمقراطية إلي البلاد في عام1990 نالت مونيكا جائزتها بتعيينها رئيسة لتحرير إحدي الصحف, وهي تقوم منذ عام2007 بإدارة مركز للصحافة وتنظم ورش عمل ومحاضرات عن صحافة التحقيقات. .. وهكذا تم تعذيب مونيكا في شيلي وفقد نمير وسعيد حياتهما في العراق وفقد77 صحفيا آخر أرواحهم في العام الماضي, ولكن سيذكر لكل من هؤلاء أنه كان يقاتل من أجل الحفاظ علي الحق في حرية الرأي والتعبير.