أن تكون دقيقا في الإنصات له خير من أن تكون جريئا في طرح السؤال عليه.. فمعلوماته تتدفق بغزارة وحنكة سياسية. أن تكون ملما بما تقول. فهذا هو أقصر الطرق للحصول علي معلومات من هذا الرجل.عندما تحاوره معتقدا أنك تمتلك ناصية الثقة.. فهذا لا يعني أنك ستسيطر علي الحوار. عليك فقط أن تعرف كيف يفكر هذا الرجل ثم تنطلق نحو الهدف. نتحدث عن الدكتور رفعت السعيد رئيس حزب التجمع الذي استهل حديثه بطرح اسئلتي التي لم أكد أبدأ بها فذكر لي بعض القضايا توقفت عند واحدة منها وهي انتخابات الرئاسة فقلت له فلنبدأ من النقطة الساخنة.. هل ستكون مرشح التجمع للرئاسة؟! حاول أن يجوب بي في عوالمه السياسية التي لا استطيع مقاومة أمواجها لكن أمام اصراري علي معرفة إجابة للسؤال قال: أدرس الفكرة وسأخوض الانتخابات الرئاسية إذا وافقت الهيئة العليا لحزب التجمع. اعتبرت أن هذه الإجابة مهمة جدا, وأن حزبه يسعي بجدية لإنعاش الحالة السياسية التي يعيشها الشارع المصري, ثم اندلفت إلي المعترك السياسي الذي يحيط بالوطن من كل جانب وأستكمل حديثي معه لأعرف كيف يري الأوضاع من حوله فقال: الأوضاع تنذر بخطر لكنها ليست خطرا, فهناك صعوبات اجتماعية واقتصادية شديدة, وأن إنكار هذه الصعوبات وهذه المشكلات يدفع الناس إلي فقدان المصداقية ويقودها إلي ردود أفعال من عينة الاحتجاجات والنوم علي الأرصفة في محاولة لتصويب الأمور, فمثلا المواطنون لديهم مشكلات نتيجة أخطاء في عملية الخصخصة, وهذه الأخطاء ظلت في الخفاء حتي تفجرت الأمور وباتت الأوضاع أكثر صعوبة, لكن ما يجب أن يكون هو فتح هذا الملف ومحاسبة المخطئين. وفيما يعد د. السعيد واحدا من أهم الخبراء الاقتصاديين وأن السؤال عن تقديم الحلول يعد سؤالا شرعيا فلم يخف وجهة نظره قائلا: قلت لوزير المالية د.يوسف بطرس غالي: إذا أردت إصلاحا حقيقيا.. فهذا أمر ممكن جدا.. لكن عليك فرض ضرائب تصاعدية, فلا يوجد مجتمع رأسمالي لا يقوم علي أساس نظرية التساقط بمعني أن الأرباح عندما تصعد إلي أعلي فلابد أن يتراجع جزء منها إلي أسفل عن طريق فرض الضرائب. لم يكتف د.السعيد بما قاله لوزير المالية لكنه حرص أيضا علي ذكر رد الوزير بأنه يخشي علي كبار المستثمرين من فرض الضرائب التصاعدية غير أن د.السعيد لم يقتنع برد الوزير مدللا علي وجهة نظره بأن المسئولين يبالغون في تدليل كبار المستثمرين, وأن المستثمر عندما يري وقفات احتجاجية ونوما علي الأرصفة سيكون ذلك هو الدافع الأقوي لهروبه وليس فرض الضرائب التصاعدية. مجتمع ظلامي وفيما تتشابك الأمور وتتقاطع السياسة فإن هذه المشكلات تخلق نوعا من التمرد لدي الناس يدفعهم إلي التفكير والاتجاه نحو التغيير لكن ربما تأخذهم رياح التغيير إلي مسار غير صحيح وهنا يتوقف رئيس حزب التجمع عند نقطة مهمة قائلا: إذا أردنا التغيير فعلينا أن نحدد بوصلة التغيير: هل هو تغيير نابع من مجتمع ظلامي متأسلم يأخذنا إلي الوراء أم تغيير يقودنا إلي الأمام؟! ربما يفهم البعض أن د.السعيد يقصد بهذا السؤال جماعة الإخوان المسلمين المحظورة نظرا لأفكاره المعادية لهم علي طول الخط, لكن المفاجأة أنه هنا لم يقصدهم تحديدا ولكنه يقصد من يتحالف معهم في السر ويستعد لأن يضع يده في أيديهم ممن أعلنوا أو لوحوا في الفترة الماضية إلي خوض الانتخابات الرئاسية. بعد صمت طويل وتدقيق بين سطور ما يقوله رئيس حزب التجمع سألته مباشرة: هل تري أن الدكتور البرادعي مناسب للترشيح لانتخابات الرئاسة؟! فرد بذكاء وحنكة: اللي عايزه البيت يحرم علي الجامع مستطردا: لا أقول رأيا فيما إذا كان د.البرادعي مناسبا أم لا.. لأنه من الوارد جدا أن أرشح نفسي لانتخابات الرئاسة, وبالتالي فسيكون من غير اللائق أن أقول رأيا عن منافس بأنه مناسب أو غير مناسب لكن الذي استطيع ان أقوله إن د.البرادعي كمواطن شخصية محترمة لها ثقل دولي ولها احترامها داخل المجتمع المصري, ومن حقه كمواطن أن يطمح في الترشح للرئاسة لكن علي الدكتور البرادعي أن يحدد ما يريد وأي اتجاه يسير فيه.. لا أن يترك الناس تتساءل: ماذا يريد الدكتور البرادعي؟ فهو لم يحدد المسار الذي يسير فيه وإن كان يوحي حتي الآن بأنه مسار سلبي. وبينما بدأ عقد الصراحة ينفرط لدي د.السعيد باغته سريعا: ماذا يعني أن مسار د.البرادعي سلبي؟! فرد في عجل وابتسامة: أولا اعتراضه علي نسبة50% من العمال والفلاحين, وقوله بأن من يدخل البرلمان يجب أن يكون من النخبة فهذا يتنافي مع حقوق الإنسان ثم تساءل د.السعيد: أي نخبة يقصدها البرادعي هل هي النخبة المثقفة أم النخبة التي تمتلك الملايين؟! أما الملمح الثاني الذي يراه د.السعيد تحفظا علي طرح د.البرادعي هو أنه يعلن مشاركته لجماعة الإخوان المحظورة فكيف لرجل يسعي إلي تحقيق وطن ليبرالي يدافع عنه يتحالف أو يعلن مشاركته مع جماعة كل أفكارها معادية للتقدم؟! ولم يكتف د.السعيد بوجهة نظره هذه فيما يتعلق بترشيح د.البرادعي بل إنه يرصد مشواره منذ أن عاد إلي مصر قائلا: البرادعي جاء إلي مصر في ظل موجة عاتية من الأحداث بدءا من أحداث نجع حمادي وحتي الاعتراض علي تعيين المرأة قاضية بمجلس الدولة ورغم ذلك لم يصرح برأيه في هذه القضايا.. أي أنه يتعامل مع الشعب المصري بطريقة التقية فهو يخفي وجهة نظره وآراءه الحقيقية ويحدثنا برؤي أخري لكي يكسب كل الأطراف. التجمع والمحظورة ربما استوقف الكثيرون ما قيل حول تحالف حزب التجمع مع جماعة الإخوان المحظورة, لاسيما أن الخلافات الفكرية والسياسية بين الطرفين يعرفها القاصي والداني, خاصة رئيس حزب التجمع, الذي يعتبره الإخوان عدوهم الأول لكن د.السعيد فاجأنا بقوله: ليس لدينا أزمة أو مشكلة في تلبية طلب أحد لزيارتنا.. فقد جاء بعض قيادات الجماعة وجلسوا مع قيادات الحزب لكن هذه الزيارة كانت كاشفة جدا ومهمة للغاية لأنه بعد أن دارت المناقشات وطرح أحد ممثلي الحزب سؤالا واضحا علي الدكتور محمد علي بشر أحد قيادات الإخوان وهو: هل لو تم ترشيح قبطي للرئاسة.. هل ستعطونه صوتكم؟! فرد بشر: صوت المسلم للمسلم.. فهذا الرد من وجهة نظر د.السعيد اعتبره أخطر ما قيل في تاريخ الجماعة لأن ذلك يعني أن صوت القبطي للقبطي, وهذا يعني أنه لابد من تخصيص كوتة للأقباط لكي يضمنوا نجاحهم في الانتخابات التشريعية مثلا ومعني الكوتة بهذه الصورة أننا نعيش في دولتين, وهذا يعتبر بما لايدع مجالا للشك تمزيقا للوطن. عدت لأسأله: إذن هل ندمتم علي هذا اللقاء؟ فأجاب بثقة شديدة: لسنا نادمين.. لكنها فرصة سانحة لكشف الحقيقة وفكرة التأسلم السياسي. إلي ذلك دفعني فضولي لأن أتوقف كثيرا أمام تحليلات د.السعيد, فهو رجل تربي وسط أيديولوجيات سياسية عالمية.. عاش حرا وذاق مرارة السجون.. تخصص في الاقتصاد لكنه لم يفارق ملف الإسلام السياسي.. هاجم النظام ويتمتع بحصانة عضو مجلس الشوري بالتعيين وقد دفعني فضولي لأسأله: وماهو التغيير الذي تريده المحظورة في رأيك؟! فقطع في إجابته قائلا: التغيير الوحيد هو أن يحكموا بزعم أنهم يمثلون الإسلام وهم في حقيقة الأمر لا يمثلون سوي أنفسهم, وفي أحسن الأحوال لا يمثلون سوي رؤيتهم هم للإسلام. وأنهي كلامه في هذه الجزئية بصمت طويل قابله صمت وتأمل من ناحيتي استدركت علي عجل لأباغته بسؤال آخر: ما الذي تريده من المحظورة لكي تصدقهم يا دكتور رفعت؟! فأجاب بابتسامة يغلفها فارق الخبرة بيني وبينه قائلا: أقول للإخوان أريد أن يخرج أحد منكم ويقول إنكم لستم قطبيين.. وإنكم لا توافقون علي كتاب معالم في الطريق لسيد قطب الذي يقول بجاهلية المجمع والحاكم. خطة التجمع ولأن د.السعيد بحوره العلمية والسياسية واسعة جدا حاولت التجديف معه بالقرب من الشاطئ حتي أضمن النجاة بالمعلومات التي أريدها فاقتربت معه من شاطئ حزب التجمع الذي يترأسه متسائلا: هل تعتقد أن الحزب في الفترة المقبلة سيكون قادرا علي خوض معارك انتخابية بدءا من انتخابات الشوري مرورا بانتخابات الشعب وحتي انتخابات الرئاسة؟! لم يدعني أستكمل سؤالي إلي آخره وأجهز علي بإجابته: علي قدر الشفافية التي نلحظها في انتخابات الشوري وبعدها انتخابات الشعب سيتحدد موقفنا من انتخابات الرئاسة وكما ذكرت لدينا أجندة سياسية واضحة لكن الكشف عنها ليس الآن. استخدام د.السعيد لمفردات مثل أجندة سياسية وعدم الكشف عن هذه الأجندة الآن دفعني لطرح السؤال السابق بصيغة مختلفة لكنها مباشرة: هل تري أن حزب التجمع حزب معارض قوي؟! لم يتردد د.السعيد في إجابته التي بدا عليها الثقة ليقول: نحن حزب معارض قوي لايباع ولا يشتري.. يدافع عن مصلحة الناس بإخلاص ووفاء, فنحن الحزب الذي دفع الثمن من أجل اقرار الهامش الديمقراطي الموجود حاليا.. فاليسار المصري كان يؤيد الرئيس عبدالناصر ودخل السجن في عهده لأنه كان يطالب بالديمقراطية, كما حدث أيضا أيام الرئيس السادات. عجز الأحزاب الشرعية ولأنني من هواة الشغب الصحفي مع د.السعيد عدت لأسأله: لكن الأسماء المطروحة لخوض انتخابات الرئاسة طوال الفترة الماضية جاءت نتيجة لعجز الأحزاب الشرعية عن إعداد كوادر تصلح لخوض الانتخابات؟! ضحك د.السعيد بصوت عال ثم قال: لا تخف علي الأحزاب الشرعية, فأعتقد أنه لو حدثت فرص متكافئة لخوض هذه الانتخابات فستجد كوادر عديدة لخوض هذه الانتخابات. الاصلاح المرتقب .. وبينما حاولت الاقتراب أكثر مما يدور في ذهن د.السعيد وممات يلوح به منذ بداية حواري معه لنعرف رؤيته لأوراق الاصلاح السياسي المرجوة خلال الفترة المقبلة فوجدته مرئيا وواضحا جدا إذ يقول: الاصلاح لابد أن يشمل قضايا أساسية في مقدمتها تعديل المادة2 من الدستور والمتعلقة بالمواطنة التي تعني حقوقا متساوية للمسلمين والأقباط, للمرأة والرجل, للأغنياء والفقراء, هذا بالإضافة إلي تعديل المادة76 لأنها تكاد تكون تمنع الفرصة أمام المرشحين. مواصفات الرئيس الحيرة تتملك الكثيرين أحيانا من موقف د.السعيد عند الحديث في السياسة, فإذا كان هو يرفض ظهور التأسلم السياسي.. ويتحفظ علي أداء شخصية مثل د.البرادعي فهل سيرشح نفسه أم سيساند حزبا آخر معارضا أم سيميل لمرشح الحزب الحاكم؟! د.السعيد لم يعط فرصة لحيرة الآخرين قائلا: الرئيس الذي تريده مصر.. رئيس يحمي وطنه وشعبه يقوده نحو الديمقراطية وتوسيع مسارها, يواجه الفساد, ويحقق العدل الاجتماعي, يوفر تعليما حقيقيا, ونظاما صحيا وعلاجا متطورا.