في إطار تشويقي مثير قدم لنا الثنائي' المؤلف وائل عبد الله والمخرج أحمد علاء الدين' فيلم' الحفلة' في قالب سينمائي مميز استطاع أن ينتشل المشاهد بجدارة من رحم الأحداث الساخنة التي يحظي بها الشارع السياسي المصري حاليا, وعلي حدة تلك الأحداث الساخنة في الميادين والمدن المختلفة فإن الفيلم قدم لنا وجبة دسمة وطازجة تخلو من أية توابل حارقة, من خلال قصة أحد الأزواج الذي يفاجأ باختطاف زوجته في ظروف غامضة فيقوم بإبلاغ الشرطة وعلي أثر ذلك يتم تكليف أحد الضابط محمد رجب' فاروق' بالتحقيق في القضية والتحري بدقة عن ملابسات حادث يحظي بقدر من الغموض الذي يصعب فك طلاسمه, خاصة أن الزوج أحمد عز' شريف' يدخلنا في متاهة تتعدد فيها الخيوط المتشابكة في نسيج درامي محكم تزيد مع تعقيدات المواقف التي يكتنفها نوع من الإثارة- حسب خيال المؤلف- لكنها جميعا تتسم بالحركة المتواترة والإيقاع المتزن الذي يتأرجح بين السرعة أحيانا والبطء في أحايين أخري ليبقي المشاهد طوال الوقت مشدودا بخيوط من حرير تنقله من شخصيات لأخري حائرا بين عدة شخصيات يمكن أن تتهم بالاختطاف, ولايستثني في ذلك حتي الزوج' شريف' الذي جسد شخصيته أحمد عز بآداء يجمع بين النعومة السلسة والخشونة والعصبية الشديدة والحدة في محاولات حثيثة لإبعاد نفسه عن التورط الذي اتضحت معالمه مع خط النهاية الذي كشف عن براعة ودقة متناهية الإحكام في ارتكاب جريمته, معتمدا في ذلك علي براعته التمثيلية وليس ذلك القدر من الوسامة والجاذبية التي عهدها الجمهور في أعمال سابقة. ولا شك أن المؤلف وائل عبد الله من أول مشهد حتي مشهد النهاية نجح- إلا قليلا- في صنع جمل حوارية غاية في الإثارة, والتقطتها المخرج أحمد علاء ليصوغها بلغة سينمائية تعتمد علي التركيز الشديد والتكثيف المتعمد في بعض المشاهد عن قرب توضح الانفعال عبر كادرات'Focus' لإبراز التأثيرات الخاص لقسمات الوجوه والعيون الشاردة ليصنع شريطا مفعما بالتألق الذي يقترب في لغته السينمائية من أجواء' السينما الهوليودية' خاصة في هذا النوع من' الأكشن والإثارة' معا, وربما ساعده في ذلك أن القصة بالأساس مقتبسة من أجواء فيلم أمريكي شاهده من قبل وربما أوحي له بتكنيك خاص يحرك من خلال الكاميرا بزوايا متعددة تخلق أجواء باردة تناسب أحداث الفيلم في عديد من المشاهد التي تصنفه واحدا من الأفلام البوليسية الهادئة التي يتحري فيها المحقق عن الحادث طوال أحداثه مع قليل من مشاهد العنف التي تكسب الفيلم إثارة تجذب إليها المشاهد الحائر بين جملة من التفاصيل, وذلك رغم محدودية أماكن التصويرالتي انحصرت في مول العرب أوثلاث أو أربع فيلات بمدينة6 أكتوبر, ونفق المهندسين القادم من المحور وأحد محطات مترو الأنفاق, إلا أن المخرج في النهاية تمكن من توظيف السيناريو كبديل لكثرة أماكن التصوير, وأضفي نوعا من زخم الصورة ساعده في ذلك الإتقان الشديد للمونتاج والإضاءة التي تجنح نحو رؤية بصرية خاطفة تسلم المشاهد بطريقة منطقية لاتخل بالسياق العام للسيناريو بقدر ما تقدم لنا بانوراما متكاملة للأحداث دون أن يتسرب إليك الملل. ربما تقترب مشاهد الفيلم في شكلها العام من حالة الانفلات الأمني التي أعقبت ثورة25 يناير تحت وطأة انتشار عمليات الاختطاف واشتراط الحصول علي فدية مقابل الإفراج عن المختطفين, لكنها علي مستوي المضمون تبعد تماما عن تلك الأجواء الثورية المليئة بمتناقضات لاتمت لواقعنا المصري بصلة, وعلي قدر سخونة الأحداث والإثارة في الفيلم بحثا عن الخاطفين, وعناصر التشويق البوليسي المليء بالغموض والألغاز, جاء شريط' الحفلة' في سياق فني أمكنه لفت أنظار المشاهدين الذين صفقوا بحرارة مع مشاهد النهاية, وهو مايؤكد أن صناع الفيلم نجحوا في إحداث نوع من المتعة البصرية لجمهور يتعطش لشريط سينمائي يقوي علي انتشالهم من براثن الدراما السياسية التي عصفت بأحلامه وطموحاته علي مدار24 شهرا مضت, وأيضا يشير رد فعل الجمهور بالتصفيق الحاد إلي أن السينما باقية كفن يخاطب وجدان الناس إذا كان شريطها يتسم بصدق الأداء وجودة الصنعة. في قلب' الحفلة' تفوق النجم' محمد رجب' علي نفسه في دور المحقق لدرجة جعلت المشاهد يشعر بأنه هو بطل الفيلم الأول وليس أحمد عز الذي ظهرت نجوميته فجأة في نهايات الفيلم بصورة مبهرة, وأيضا شعر المشاهد بأن البطولة النسائية كانت بامتياز للفنانة المتألقة' جومانا مراد' التي أبدعت في دور'مدام نانسي' صاحبة الحفل الذي تدور حول الأحداث من خلال حركات وتعبيرات وإيماءات بلغة العيون التي تبدي سحرا أخاذا يؤكد تلك موهبتها التي تخلو من هنات في أثناء الانتقال من حالة لأخري في رحلة غواية الرجال ودون أي ابتذال خادش لحياء امراءة برعت في الإيقاع بفريستها في براثن ذلك الجو المخملي الذي صنعته حولها, في حين غابت الفنانة روبي عن الظهور كبطلة فعلية للفيلم, لكن ذلك قابله بروز الفنانة' دينا الشربيني', وأيضا ملكة جمال مصر2004' سارة شاهين' في تجسيد دوريهما بصدق. نعود لرجب في هذا الفيلم الذي يبدو فيه ممثلا ناضجا وواعيا بدور الضابط, ويبدو أنه تعامل مع الشخصية من حيث الشكل الداخلي والخارجي لها, كما ظهر بحركاته المتقنة جدا من أول مشهد ينظر فيه من أسفل لأعلي وهنا تبدو براعة المخرج أيضا في نقل الإحساس كاملا, حركة السيجارة التي يلفها بين أصابع مخفيا نوعا من التوتر الداخلي, وحين شمر عن ساعديه في أول لقاء مع شريف مصوبا نحوه فيضا من الأسئلة الاستنكارية التي تشبه طلقات الرصاص في دفعة واحدة علي سبيل إشعاره بهزة نفسية تربك منطقه, فضلا عن مشيته المميزة في الشارع أو داخل سيارة الشرطة, وأثناء المطاردات التي بدت جميعا كمفردات خاصة من قاموس ضابط المباحث الجنائية كما يقول الكتاب, وقد أبدع رجب أيضا في رسم الملامح الصارمة علي وجهه بشاربه الكث وعمل إيماءات وتمتمات ممزوجة بلون من السخرية اللاذعة التي تضفي لونا من النعومة, والواقع الذي بدا لنا أن تلك المواقف الضاحكة يمكن أن تضعه في مصاف صناع الكوميديا بنجاح رغم قتامة الأحداث الدرامية التي يحظي بها الفيلم, ورغم تأكيد كل فريق هذا العمل بأن الفيلم بطولة جماعية, لكن يبقي الأبطال الفعليون من وجهة نظري هم بالترتيب: محمد رجب, أحمد عز, جومانا مراد, دينا الشربيني وسارة شاهين وتأتي بالطبع في ذيل القائمة روبي وذلك ربما لأنها لم تمنح فرصة كاملة نظرا لقلة مشاهدها. محمد رجب- بحسب قوله- أكد أن' الحفلة' من الأفلام المميزة بالنسبة له, ومن حسن الحظ أن جاء علي مستوي الكتابة والتنفيذ بطريقة جيدة, ما دفعه إلي المشاركة فيه, وأكد أنه لا يهمه إطلاقا أن يكون دوره الأول أو الثاني, قدر ما يهمه أن يقدمه بشكل راق يليق بتاريخه الفني, ونحن نطمئنه بأنه أجاد في عمل يليق به, وأن علامات النضج قد ظهرت بوضوح لايقبل الشك في وضعه في مصاف نجوم السينما الشباب الذين يمكن الرهان عليهم في سباق المنافسة والتحدي. وأخيرا تأتي الموسيقي التصويرية لعمرو إسماعيل بمثابة جرس إنذار تارة, وتارة أخري تبدو غاية في النعومة التي توافق الأحداث, ولعلها في كثير من المشاهد كانت تتسق تماما مع الحركة والإيقاع بحيث تولد شعورا دفينا لدي المشاهد بالاضطراب في حالات التصاعد الدرامي في بعض المواقف العصيبة التي يمر بها أبطال الفيلم, وتضفي نوعا من الدفء المصاحب لهدوء اللحظة المصحوبة بإفيه أو موقف كوميدي عفوي خفيف أو ضحكة رائقة من جانب كل من رجب وعز وجومانة وغيرهم من المشاركين في هذا الشريط المتميز في موسم' نص السنة' السينمائي.