خلال الأيام الماضية وفي غمرة أحداث مؤسفة تتأرجح معها سفينة الوطن بأمواج لا نعرف ما إذا كانت مدركة للمخاطر الشديدة التي تحيق بالوطن من عدمه خرج علينا المسئولون بخبر يزعم الدعوة إلي عقد مؤتمر اقتصادي الشهر القادم لمواجهة الأوضاع المتردية الاقتصادية والتي تتجه كما هو واضح من السيئ إلي الأسوأ. الفكرة في حد ذاتها لا غبار عليها بل هي مطلوبة غير أن هناك شروطا ضرورية ينبغي توافرها وبغيرها تضعف فرص نجاح هذا المؤتمر ويصبح كقرارات سابقة حبرا علي ورق بلا أي فاعلية أو جدوي, بل إن فشله سوف يزيد من الرصيد السلبي للاقتصاد المصري وتزداد وتيرة المشاكل والسؤال: ماهي تلك الشروط؟ من المتصور ان أهمها ما يلي: اولا: أن نجاح مثل هذه المؤتمرات وما يعقبها من برامج إصلاح اقتصادي يتطلب في المقام الأول توافر إرادة سياسية قوية قادرة علي تحمل ما ينتج عادة عن مثل هذه البرامج من مشاكل سياسية واجتماعية كما يتطلب حكومة قوية ومستقرة وقادرة علي اتخاذ القرار وتنفيذه ولا يخفي أهمية التوافق المجتمعي حول هذا البرنامج وذلك الإصلاح. ثانيا: ما هي العلاقة بين هذا المؤتمر وبين ما تزعم الحكومة الحالية تقديمه إلي صندوق النقد الدولي من إجراءات تنوي اتخاذها وتم تأجيلها؟ وما هو مدي التزام الحكومة بتعهداتها امام الصندوق؟ وماذا يحدث لو رأي المجتمعون تخفيف تلك الإجراءات أو تعديلها؟ هل سيوافق الصندوق ام ستدخل الأمور في دوامة جديدة من الأخذ والعطاء بين الحكومة والصندوق الذي سوف ينظر إليها بالتشكيك في قدرتها ومصداقيتها. ثالثا: من المؤكد أن الانفلات الحادث في سعر الصرف بغير ضابط ولا رابط وفقدان البنك المركزي للإدارة الحكيمة لسوق النقد الأجنبي علي مدي العامين الماضيين هذا الوضع له تأثيراته العنيفة علي الاستثمارات الحالية والجديدة وعلي الواردات وتضخمها وزيادة العجز التجاري وعجز ميزان المدفوعات وعجز الميزانية وزيادة الدين العام وأعباء الدعم, ومن هنا فالسؤال الذي يجب أن يواجهه المؤتمر يدور حول السياسة النقدية التي تحقق الاستقرار في سوق النقد وإستعادة الثقة في الجنيه المصري ومن ثم ما هي الوسائل التي يمكن استخدامها لكبح جماح شراسة الارتفاعات المتتالية في سعر الدولار وغيره من العملات الأجنبية علما بأنه لهذه اللحظة لم تتصد لهذه القضية التي تهدد الأمن الاقتصادي أي جهة من السلطات الاقتصاديه في هذا البلد وكأن الأمر لا يعنينا علي الإطلاق. رابعا: أن نجاح المؤتمر يرتبط بتشكيله وهيكله بأن يأخذ الصفة المحلية, والإقليمية والدولية الأمر الذي يعني كيفية اختيار المدعوين لهذا المؤتمر ومن هم وما هي خلفياتهم السياسية وخبراتهم الاقتصادية ومجالاتها ودعوة البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ومؤسسة التمويل الدولية والمؤسسات المالية الاقليمية والخليجية, أما من ناحية هيكل المؤتمر فمن المتصور ان تكون له سكرتارية أو لجنة فنية متخصصة تعكف علي إعداد وتجميع الدراسات الاقتصادية وهي عديدة وتحضير ملفات المؤتمر, ومن ناحية أخري يبدأ المؤتمر بجلسة عامة تعرض فيها الحكومة حقائق الوضع الاقتصادي ثم يتم توزيع الأعضاء علي لجان مختلفة تتفق وتخصصاتهم ورغباتهم تتولي دراسة الموضوعات المعروضة عليها وإصدار التوصيات والتي تقوم لجنة متخصصة بمشاركة حكومية والبنك المركزي بإعدادها في صورتها النهائية وإعلانها في الجلسة الختامية بحضور السيد رئيس الجمهورية ومجلس الوزراء بكامله والمحافظين وتعد خطة وبرنامج عمل الحكومة لمواجهة الأزمة الاقتصادية والتي يتعين عليها الالتزام بتنفيذها بكل دقة وفاعلية وعدم رجوع الحكومة في القرارات التي تتخذها. خامسا: من خلال الإدراك الواعي بمشاكل مصر الاقتصادية فإن هناك الكثير من القضايا التي ينبغي أن يكون لها الأولوية للطرح بالمؤتمر ومناقشتها ووضع خطة حيالها وهي علي سبيل المثال: إعادة الأمن المفقود وإعادة تأهيل الشرطة والدعم والأجور والضرائب بانواعها والعدالة الاجتماعية ووسائلها وضماناتها وعدالة توطين التنمية بين محافظات مصر وملف تهيئة وتحسين مناخ الاستثمار, فالمستثمر يبحث عن الأمن والأمان قبل الربحية, الإصلاح المالي وموقف أسعار العائد واستخدامها كوسيلة لزيادة المدخرات ووقف التهور الدولاري وملف الاستقرار القضائي وملفات التعليم والصحة والإسكان والسياحة والزراعة والري والشباب والرياضة والنقل والمواصلات. تلك هي بعض الشروط الضرورية لنجاح المؤتمر الاقتصادي والذي لا ينجح إلا بالإعداد الجيد والتزام حكومي شديد بتنفيذ ما سوف يصدر عنه وتقبل الرأي العام لثمن الإصلاح. المزيد من مقالات عصام رفعت