صفحة جديدة في كتاب المصريين في الخارج والذي تسطرت أوراقه بوقائع الصراع النفسي الذي يعيشه المواطن المصري بين حاجته الملحة للحصول علي لقمة العيش بعد أن ضاقت به سبل الحياة الكريمة في بلده. وبين هدر كرامته وآدميته في الوطن الجديد الذي اختاره ليحقق له أحلامه كانسان يحتاج للقدر القليل من المعاملة الحسنة عندما يختار الرحيل عن وطنه والعمل في بلد آخر وبين هذا وذاك مازالت الوقائع مؤسفة ليتحول الحلم الي كابوس يستفيق عليه أهالي الضحايا إلي جانب التخاذل والتقصير في توفير حماية وحقوق المصريين العاملين بالخارج والذي كان ومازال وسيبقي. بكلماته الممزوجة بدموع الفراق بدأ عم محمد عبد الموجود البالغ من العمر60 سنة رواية قصة فلذة كبده عادل الذي راح ضحية البحث عن لقمة العيش في الأراضي الليبية قائلا ترك نجلي التعليم بعد حصوله علي الشهادة الإعدادية ليساعدني في تربية أخوته الخمسة( جمعة, حنان, وكريمة, رمضان, شادية) وبعد أن تناوب علي أكثر من مهنة قرر أن يركب ركاب أبناء جيله من شباب قرية البهسمون التابعة لمركز إهناسيا المدينةببني سويف, وأتجه إلي الأراضي الليبية للعمل مثل معظم شباب القرية في أعمال المعمار المختلفة, وأستمر طوال8 سنوات سافر خلالها3 مرات يذهب للعمل ويعود بعد عامين أو ثلاثة محملا بأحلام أسرته بالكامل إلي أن عاد ليلة رأس السنة ولكن كانت هذه هي المرة الأخيرة لأنها كما يقولون في قريته عودة بلا رجعة فعاد مقتولا داخل صندوقا خشبي, وبجانبه بعض التقارير والمستندات التي تؤكد وفاته متأثرا بالتعذيب. ويضيف الوالد خبر وفاة أبني البكر نزل علي كالصاعقة, فتلقيت الخبر من أختي التي علمت بالخبر من هواتف أبناء القرية المجاورين لأبني في سكنه وعمله, ولكني قررت التماسك لإخفاء الخبر المشئوم عن زوجتي المريضة, لأنني أعلم أن جثة ولدي ستستغرق أكثر من أسبوع حتي تصل إلي مدفنها, وقلت لزوجتي أن أبننا عادل مريض وسأسافر لمقابلته في المطار لعرضه علي أحد الأطباء بالقاهرة. ويضيف الأب المكلوم وتوجهت إلي المطار مع بعض أقاربي لاستقبال الجثمان الذي وصل في ساعة متأخرة وبدأنا في استكمال الإجراءات واستلام تصريح الدفن وتقرير حالته التي نزلت علي كالصاعقة حيث توضح التقارير الصادرة من( مكتب ترهونة) أن فلذة كبدي تعرض للتعذيب والضرب المبرح الذي أفضي به إلي الموت ولا نعرف سببا لذلك حتي اليوم. يؤكد عم محمد أن أبنه كان كثيرا ما يخبره أثناء أجازاته واتصالاته أن الفوضي تعم معظم المدن الليبية بسبب انتشار الأسلحة النارية المتطورة مع الصغير قبل الكبير, وكثيرا ما كان يشتكي ولدي من اضطهاد الليبيين للعمالة المصرية وبعضهم يتعمد أكل عرق العمال دون حماية تذكر من السفارة المصرية. ويتساءل محمد عبد الموجود ما هو الذنب أو الفاحشة التي أرتكبها أبني ليتعرض لهذا التعذيب؟, ولماذا لم تقم السلطات الليبية بتقديمه للمحاكمة بالقانون إذا كان أخطأ أو أرتكب جرما في حق الشعب الليبي؟, وأين دور وزارة خارجيتنا وسفارتنا بالجماهيرية الليبية كيف تصمت بهذه الطريقة وهي تشاهد أمامها دم وكرامة مصريا وأدميته تهدر دون ذنب سوي أنه ترك البلد بعد أن ضاقت به سبل العيش و سافرللبحث عن رزقه. ومع قرب انتهاء عم محمد من حديثه سمعت صوتا يخرج من إحدي حجرات المنزل عبارة عن بكاء الفراق ممزوجا بآهات المرض, فنظرت إلي مصدر الصوت لأجد سيدة في العقد الخامس من عمرها وبسؤالي عنها أخبرني الصغير رمضان أنها أمه وتوجهت إليها للشد من أزرها ولكنها كانت تصرخ وتقول: قلبي كان حاسس وكنت عارفه أن عادل مات وأبوه بيضحك عليه علشان مرضي بس أنا قلبي هوه اللي قلي أني مش هشوفه تاني سألتها عن أسمها قالت: إعتماد محمد حسانين بس مش هقول حاجة وأنا بطلب العوض من ربنا يجيب لي حق أبني اللي موتوه الليبيين. أما الصغير رمضان فقال كنت بتمني اليوم اللي هخلص فيه دراستي في المدرسة الصناعية, وكنت ناوي أسافر مع أخواتي عادل و جمعة اللي لسه موجود في ليبيا إلي الآن, ولكن بعد اللي شفته وحصل لمثلي الأعلي عادل خلاص مش هسافر لأن أبويا قال كفاية لحد كده, وتساءل رمضان هوه البني أدم المصري هيفضل رخيص كده علي طول.. قلنا جاء رئيس جديد للبلد وهيحافظ علي أدميتنا ولكن بيننا هنفضل كده سعرنا رخيص بره مصر و جوه مصر.