هل بدأ فعلا' عصر التغيير' في باكستان, وهل حقا نجح' ميدان التحرير' الباكستاني .. في القضاء علي حكم العسكر وتدخل القضاء في السلطة وأفسح الطريق للديمقراطية؟ أم أنه فتح الباب أمام أشكال جديدة من التدخل في الحكم والفوضي السياسية..خاصة علي يد رجال الدين الذين يتمتعون بالقدرة علي تحريك أنصارهم كيفما ووقتما شاءوا؟. أسئلة كثيرة أثارتها الأحداث المتلاحقة التي هزت الساحة السياسية الباكستانية خلال الأسابيع القليلة الماضية. وذلك وسط شكوك حول تآمر الجيش والقضاء لتقويض الديمقراطية الوليدة, سواء من خلال إسقاط الحكومة أو السعي لتأجيل الانتخابات المرتقبة, إن الأوضاع السياسية الهشة وتوغل الفساد في حكومات الحزب الحاكم علي مدي السنوات الخمس الماضية يجعل من الصعب تحديد إلي أين يتجه مؤشر الديمقراطية في باكستان. ففي ظل ارتفاع معدلات الفقر والمتاعب الاقتصادية والأزمات الداخلية التي تتعرض لها باكستان في الوقت الراهن, جاءت التوترات علي الساحة السياسية لتثير المزيد من القلق الشعبي حول المستقبل, حيث تزامنت المسيرة التي أطلقها رجل الدين الدكتور قادري من لاهور إلي إسلام أباد- قبل أسبوعين تقريبا- والتي انتهت باعتصام استمر أربعة أيام أمام مبني البرلمان, مع قرار المحكمة باعتقال رئيس الوزراء راجا برويز أشرف و16 من أنصاره- إثر اتهامهم بوقائع فساد يعود تاريخها إلي2010 عندما كان يشغل منصب وزير المياه والطاقة, ولكن سرعان ما وافقت الحكومة علي مطالب قادري بحل البرلمان واستقالة الحكومة الحالية وتعيين حكومة مؤقتة تشرف علي الانتخابات مع تغيير اللجنة الانتخابية وتعديل القوانين الانتخابية بشكل يحظر علي أي مشتبه فيهم في وقائع فساد أو جرائم من الترشح لشغل مناصب قيادية, ليفض قادري اعتصامه معلنا انتصاره. ولكن علي الرغم من أن مطالب قادري تبدو عادلة إلي حد كبير بغض النظر عن نواياه وإذا ما كان مواليا للجيش ويعمل لحسابه أم لا, إلا أن هناك الكثير من التحفظات علي الوسيلة التي انتهجها لتحقيق هدفه حتي ولو كان عادلا وساميا, فباكستان تعتبر في الوقت الراهن دولة مؤسسات وعلي مشارف انتخابات جديدة, كما أنها لا تعيش حالة ثورة, لذلك لا يمكن انتهاج مثل هذه الأساليب التي تتسم بالفوضوية وتفتح الطريق أمام العنف غير المبرر في حالات الاستقرار وفي دولة يحكمها القانون. إن تتابع الأحداث وتداخلها علي الساحة الباكستانية دفع المحللين السياسيين إلي تأكيد أن قادري ما هو إلا ذراع يحركها الجيش ببراعة منذ عودته من كندا في ديسمبر الماضي وحتي الآن, وما قد يؤكد هذه الشكوك هو دعوته لتدخل الجيش والقضاء في تشكيل المرحلة المقبلة من الحياة السياسية الباكستانية, سواء من خلال تشكيل الحكومة المؤقتة أو الإعداد للانتخابات, ولكن الجديد في هذه الصورة هو التحالف الواضح بين الجيش والقضاء, فيبدو أنهما يحاولان طي صفحة الصراع القديم بينهما, فالأداء المتزامن بينهما ساعد بلا شك في الإسراع بسقوط حكومة أشرف. ومن ثم يبدو أن عصر الانقلابات العسكرية الباكستانية ولي, وحل محله عصر جديد يحمل الكثير من الحداثة ويتواءم مع متطلبات المجتمع المدني الحديث يمكن وصفه بالانقلاب الناعم, فالقرائن تشير إلي أن الجيش الباكستاني ليس لديه النية لاعتزال الحياة السياسية, ولكنه لا ينوي أيضا الظهور في قلب الصورة بشكل قد يثير الانتقادات ضده. ولذلك فيبدو أنه حاليا في مرحلة البحث عن ذراع سياسية مناسبة تتمتع بالشعبية وربما تحمل بعض الحلول الاقتصادية الفعالة كما أنها لابد وان تتمتع بعلاقة جيدة مع القضاء, لتلعب دور الواجهة الأنيقة في الانتخابات المرتقبة, إن الديمقراطية حلم صعب المنال, ولكن لا يمكن تحقيقها علي أيدي عناصر تتلاعب بمشاعر الناس أو تستغل مواردهم, ولذلك فلابد من تطهير الحياة السياسية في سبيل الفوز بها في النهاية.