أصبح الموبايل في أيدي الأطفال والمراهقين اليوم واقعا لا مفر منه.. فبالرغم من التحذيرات الكثيرة من الأخطار التي يمكن أن يتعرضوا لها نتيجة لحملهم الموبايلات بصفة مستمرة وبالرغم من المصاريف التي يتكبدها الآباء والأمهات فإنهم لا يستطيعون الامتناع عن شرائها لأبنائهم. والتساؤل الذي يتبادر إلي الأذهان هو: هل للموبايل أي فوائد تعوض أضراره باستثناء أنه وسيلة تمكن الآباء والأمهات من الاطمئنان علي أبنائهم؟ الإجابة علي هذا السؤال جاءت في شكل دراسة أجرتها عالمة النفس الفرنسية د. بريجيت كادياك في كتاب يحمل عنوان أسباب تعلق المراهقين بالموبايل أوضحت فيها أن الموبايل يمثل للمراهق وسيلة للابتعاد عن سيطرة الوالدين والاستقلال بنفسه والاعتماد علي ذاته في أمور كثيرة, والنتيجة هي تمتعه بشجاعة وجرأة أكثر في مواجهة المواقف, كما أنه بمثابة عهد صداقة بينه وبين صديقه لأنه يمنحهما الخصوصية التي يحتاجانها, لذلك نجده يحرص علي الدخول إلي غرفته ويغلق الباب عند الحديث مع أصدقائه حتي لو كانت هذه الأحاديث بريئة وبسيطة لا تحتاج إلي سرية.. لكنها الرغبة في الاستمتاع بالخصوصية التي يوفرها الموبايل. ومن مزاياه أيضا أنه يساعد الإبن علي التحكم في ميزانيته, فهو يساعده علي الإدخار في الدقائق, وإذا شعر أنه في حاجة إلي إجراء مكالمات إضافية فأنه يلجأ إلي أسلوب التفاوض مع والديه, وهي خطوة أساسية ومهمة لحياته المهنية في المستقبل لأنها تعلمه فن الحوار والمناقشة وشرح الأسباب واستخدام كافة وسائل الإقناع, كما أنه يساعد المراهق علي التعبير عن نفسة بسهولة أكثر, مما يمنحه قدرا أكبر من الثقة في النفس والقدرة علي المشاركة مع الآخرين, ويزوده بوسائل اتصال حديثة تتمثل في الرسائل القصيرة التي يتبادلها مع أصدقائه, والتي تشبهها عالمة النفس بلعبة البينج بونج من حيث السرعة في الإرسال والتلقي, مما ينمي لديه الذكاء وسرعة البديهة وسرعة الإستجابة, وكلها صفات سوف تفيده في حياته العملية. وتعلق د.سامية الساعاتي أستاذة علم الاجتماع بجامعة عين شمس وعضو المجلس الأعلي للثقافة علي هذه الآراء قائلة أنها صحيحة إلي حد كبير, لكن الصورة ليست وردية تماما, فالموبايل ما هو إلا تطوير لفكرة التليفون الذي كان علي مدي السنين الماضية مستودع الأسرار ورسول الحب ويوفر للشباب الخصوصية التي يحتاجونها لإثبات ذواتهم, لكن للموبايل أضرار أيضا لأن الخصوصية لها وجهان, فهي وإن كانت تمنحهم الحرية والاستقلالية إلا أنها يمكن أن تكون خصوصية غير مسؤلة ووسيلة للخداع, وهنا يأتي دور الآباء والأمهات الذين يجب أن يتحولوا إلي أصدقاء لأبنائهم في مرحلة المراهقة لتوجيههم وترشيدهم من خلال حرصهم علي أن يكونوا دائما علي مسافة قريبة منهم ليمنحوهم الإحساس بالحرية والخصوصية دون أن يتدخلوا مباشرة في شئونهم وخصوصياتهم, فالمراهق وإن كان يرغب في الخصوصية ليثبت ذاته إلا أنه يحتاج أيضا إلي أن يشعر بالآمان, وهذا ما يوفره له الإحساس بوجود والديه علي مسافة يرتضيها.