الداخلية تحتفل باليوم العالمي للأشخاص ذوي الإعاقة وتطلق مبادرات دعم شاملة    ميناء دمياط يصدر أكثر من 33 ألف طن بضائع ويستقبل سفينة حاويات عملاقة    حزب الله: تعيين مدني برئاسة لجنة مراقبة وقف إطلاق النار مع إسرائيل سقطة لحكومة لبنان    بين دبلوماسية الباندا وأزمة أوكرانيا.. ماذا حققت فرنسا من زيارة ماكرون لبكين؟    وصول حسام وإبراهيم حسن مقر قرعة كأس العالم 2026    بيان ناري من الداخلية في غزة بشأن مقتل أبو الشباب    فرنسا ترحب بتوقيع اتفاق السلام بين جمهورية الكونغو الديمقراطية ورواندا بواشنطن    رئيس مصلحة الجمارك: نتطلع إلى نقلة نوعية في كفاءة وسرعة التخليص الجمركي للشحنات الجوية    أجيال مختلفة في رحاب متحف نجيب محفوظ ضمن مبادرة فرحانين بالمتحف الكبير    جامعة المنصورة الأهلية تشارك بمؤتمر شباب الباحثين لدول البريكس بروسيا    رويترز: بشار الأسد تقبل العيش في المنفى.. والعائلة تنشئ جيشا من العلويين    جامعة حلوان تنظّم ندوة تعريفية حول برنامجي Euraxess وHorizon Europe    حلمي طولان: تصريحي عن الكويت فُهم خطأ وجاهزون لمواجهة الإمارات    حالة الطقس.. تغيرات مفاجئة فى درجات الحرارة وانخفاض يصل 4 درجات    تموين المنوفية تضبط 4 أطنان أعلاف مجهولة وتحرر 231 محضرًا خلال يومين    مخالفات جسيمة.. إحالة مسؤولين بمراكز القصاصين وأبو صوير للنيابة    السقا ولقاء الخميسى وعمرو مصطفى والشرنوبى يحضرون مسرحية أم كلثوم    ميادة الحناوي ترد على استخدام AI لتحسين صوتها: مش محتاجة    رمضان 2026| جهاد حسام الدين تنضم لمسلسل عمرو سعد "عباس الريس"    الصحة: فحص 7 ملايين طالب بمبادرة الكشف المبكر عن «الأنيميا والسمنة والتقزم»    شركة "GSK" تطرح "چمبرلي" علاج مناعي حديث لأورام بطانة الرحم في مصر    لتعزيز التعاون الكنسي.. البابا تواضروس يجتمع بأساقفة الإيبارشيات ورؤساء الأديرة    اختيار مشروع جامعة عين شمس ضمن مبادرة "تحالف وتنمية" لتعزيز الأمن الغذائي وتوطين الصناعة    اتهامات جديدة لوالد المتهم في جريمة تلميذ الإسماعيلية    لمدة 12 ساعة.. انقطاع المياه غرب الإسكندرية بسبب تجديد خط رئيسى    إصدار شهادة بسعر المشغولات الذهبية عبر البريد المصري    لاعب الإمارات: مصر تنتج لاعبين وأساطير على مستوى عال وهذا ليس غريبا    طريقة استخراج شهادة المخالفات المرورية إلكترونيًا    سورة الكهف نور الجمعة ودرع الإيمان وحصن القلوب من الفتن    «الطفولة والأمومة» يضيء مبناه باللون البرتقالي ضمن حملة «16يوما» لمناهضة العنف ضد المرأة والفتاة    سام ألاردايس: انتقاد كاراجر ل صلاح «مثير للشفقة»    وزارة العمل تقدم وظائف جديدة فى الضبعة بمرتبات تصل ل40 ألف جنيه مع إقامة كاملة بالوجبات    بعد انقطاع خدمات Cloudflare.. تعطل فى موقع Downdetector لتتبع الأعطال التقنية    «الداخلية» تواصل حملاتها لضبط الأسواق والتصدى لمحاولات التلاعب بأسعار الخبز الحر والمدعم    حريق مصعد عقار بطنطا وإصابة 6 أشخاص    خشوع وسكينه....أبرز اذكار الصباح والمساء يوم الجمعه    «البريد» يكشف تفاصيل إصدار شهادة بسعر المشغولات الذهبية    منافس مصر.. الإمارات أغلى منتخبات بطولة كأس العرب 2025    الفيلم اللبناني Suspension بمهرجان القاهرة للفيلم القصير بعرضه العالمي الأول    طليق بوسي تريند البشعة: لم أشارك في أي جلسات لإثبات براءتها    صلاح مصدق يعود للمغرب بعد فسخ عقده مع الزمالك    لقاءات ثنائية مكثفة لكبار قادة القوات المسلحة على هامش معرض إيديكس    العثور على جثة طفلة مجهولة الهوية بالترعة الإبراهيمية فى سمالوط بالمنيا    الأهلي يلتقي «جمعية الأصدقاء الإيفواري» في افتتاح بطولة إفريقيا لكرة السلة سيدات    محافظ الجيزة: توريد 20 ماكينة غسيل كلوي ل5 مستشفيات بالمحافظة    طريقة عمل السردين بأكثر من طريقة بمذاق لا يقاوم    بعد إطلاق فيلم "أصلك مستقبلك".. مكتبة الإسكندرية: كل أثر هو جذر من شجرتنا الطيبة    مصر ترحب باتفاقات السلام بين الكونجو الديمقراطية ورواندا الموقعة بواشنطن    كأس العرب - وسام أبو علي يكشف حقيقة مشاركته مع فلسطين في البطولة    مواعيد مباريات اليوم الجمعة 5 ديسمبر 2025    رئيس جامعة القاهرة: نولي اهتمامًا بالغًا بتمكين أبنائنا من ذوي الإعاقة    استشاري حساسية: المضادات الحيوية لا تعالج الفيروسات وتضر المناعة    كيف تُحسب الزكاة على الشهادات المُودَعة بالبنك؟    30 دقيقة تأخير على خط «القاهرة - الإسكندرية».. الجمعة 5 ديسمبر 2025    ننشر آداب وسنن يفضل الالتزام بها يوم الجمعة    الأزهر للفتوي: اللجوء إلى «البَشِعَة» لإثبات الاتهام أو نفيه.. جريمة دينية    الحصر العددي لانتخابات النواب في إطسا.. مصطفى البنا يتصدر يليه حسام خليل    الدفاعات الأوكرانية تتصدى لهجوم روسي بالمسيرات على العاصمة كييف    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



آلية التفكير الحاكمة لكتابة الدستور
نشر في الأهرام اليومي يوم 13 - 12 - 2012

لابد من التنويه منذ البدء بأن الوثيقة الأولية التي طرحتها الجمعية الموكول إليها كتابة دستور ما بعد الثورة في مصر‏,‏ للنقاش العام‏,‏ إنما تكشف وعلي نحو نموذجي عن طبيعة الآلية التي يشتغل بها العقل المهيمن في عالم العرب منذ آماد بعيدة; وهي آلية الجمع التجاوري, بكل ما تقوم عليه من الإلحاق القسري والتلفيق بين عناصر لا تأتلف ويصادم واحدها الآخر, وعلي نحو لا تقدر معه علي الإنتاج المثمر أبدا. وللإنصاف فإن هذه الوثيقة لا تختلف عن غيرها مما أنتجته النخبة المصرية علي مدي تاريخها الطويل; وأعني منذ ابتداء تشكلها في النصف الأول من القرن التاسع عشر. وفقط فإنها كانت تتقن تشكيل وزخرفة ما تنتج فيما سبق; وبحيث كانت تنجح في إخفاء عوار تفكيرها وراء بلاغة الصياغة وبهاء التعبير, وأما الآن فإنها قد بلغت حدا من الانهيار والتدهور راحت معه تضيف إلي فقر الفكر وهشاشته بؤس الأسلوب وركاكته. والحق أنه إذا كان ما تشهده مصر من الارتباك والتخبط, علي مدي الشهور التي أعقبت رحيل مبارك, يكشف عن تردي نخبتها علي صعيد الممارسة والعمل, فإن هذه الوثيقة تشهد علي بلوغها الحد الأقصي من التراجع والتردي, علي صعيد النظر, أيضا.
فعند ابتداء لحظة التشكل قبل انتصاف القرن التاسع عشر, كان الأب المؤسس( الذي هو الطهطاوي) يدشن تلك الآلية, في صورتها التي لا يزال ورثته يحتذونها, علي مدي القرنين تقريبا, للآن. وللغرابة فإنه إذا كان حقل تدشينها مع الرائد المؤسس هو التأسيس السياسي لدولة الباشا, فإنها تعود للاشتغال, علي نحو لافت, عند ورثته الحاليين في إطار انهماكهم في كتابة الدستور الذي هو الوثيقة الأرفع في مجال التأسيس السياسي لدولة ما بعد الثورة. لا يعني ذلك بالطبع أن آلية الجمع التجاوري لا تعمل في غير هذا المجال, بقدر ما يعني أن حقل التأسيس السياسي هو أبرز حقول اشتغالها.
وهكذا فإنه إذا كان الطهطاوي قد مضي في سياق كشف الغطاء عن تدبير الفرنساوية, مستوفيا غالب أحكامهم ليكون تدبيرهم العجيب عبرة لمن اعتبر إلي إن ملك فرنسا ليس مطلق التصرف, وإن السياسة الفرنساوية هي قانون مقيد; بحيث إن الحاكم هو الملك بشرط أن يعمل بما هو مذكور في القوانين التي يرضي بها أهل الدواوين, فإنه يضع إلي جوار ذلك قوله كاشفا الغطاء عن تدبير دولته المصرية إن للملوك في ممالكهم حقوقا تسمي بالمزايا, وعليهم واجبات في حق الرعايا. فمن مزايا الملك أنه خليفة الله في أرضه, وأن حسابه علي ربه, فليس عليه في فعله مسؤولية لأحد من رعاياه, وإنما يذكر للحكم والحكمة من طرف أرباب الشرعيات أو السياسات برفق ولين, لإخطاره بما عسي أن يكون قد غفل عنه, مع حسن الظن به. وإذ لا يفعل الرجل, هكذا, إلا أن يجاور بين الاعتبار بالتقليد الليبرالي الحديث, وبين التأكيد علي التقليد السلطاني الموروث; فإنه كان يؤسس لما سيمضي إليه الورثة الحاليون من النص في المادة(6) من الوثيقة الأولية للدستور علي أن النظام الديمقراطي( المنتمي إلي التقليد الليبرالي الحديث) يقوم علي مبدأ الشوري( المنتمي إلي التقليد السلطاني الموروث; والذي يقصر الطهطاوي دلالته علي تذكير أرباب الشرعيات أو السياسات للحاكم بما عسي أن يكون قد غفل عنه برفق ولين).
ولسوء الحظ, فإن التجاور بين الأطراف, علي هذا النحو, لا يسمح للواحد منها أن ينفتح علي الآخر, مؤثرا فيه ومتأثرا به, بل يبقي منغلقا علي نفسه, وساعيا إلي إقصاء غيره; وبما يعنيه ذلك من أن التناحر والخصومة تكون هي مآل العلاقة بين أي أطراف متجاورة. ولأن هذه الأطراف لا تكون متعادلة في عمق الحضور والقوة, بل إن منها ما يكون أقرب إلي القشرة الطافية علي السطح( التي تشتمل علي كل ما ينتسب إلي التقليد الحديث), ومنها ما يمارس في العمق هيمنة لا تقبل التحدي( ويشتمل علي كل ما ينتمي إلي التقليد الموروث), فإنه لابد من تصور أن ما سيجري إبعاده عن مجال الاشتغال الحقيقي هو الطرف( الحديث), الذي لن يكون مسموحا له بالحضور إلا كقناع يتجمل به التراث, متي شاء. وهكذا فإنه إذا كان التقليد السلطاني الراسخ قد انتهي, مع الطهطاوي, إلي إزاحة القول الليبرالي الناشئ, وأحاله إلي مجرد برقع يستتر وراءه, فإن الأمر لن يختلف مع ورثته الذين يكتبون الدستور الآن.
وبالطبع فإن قدرة الموروث علي فرض هذه الهيمنة الكاملة تتآتي من ربطه بالدين; وذلك علي الرغم من أن ما يجري استدعاؤه من التراث للاشتغال السياسي الراهن, ويجري تنسيبه للدين, هو في معظمه قواعد للضبط السياسي والاجتماعي التي تضرب بجذورها في التاريخ, وليس في الدين. وحين يضاف إلي ذلك, أيضا, أن الديني نفسه يكون موضوعا لقراءات تأويلية تخضع, بطبيعتها لجملة المحددات الاجتماعية والسياسية التي تفرضها لحظة إنتاجها; وبما يعنيه ذلك من أن التاريخ يدخل في تركيبها, لا محالة, فإن ذلك يعني أن كل ما يجري استدعاءه من التراث, ليتحدد به المجال السياسي الراهن, هي جملة تراكيب أنتجها البشر, ويلعب التاريخ دورا جوهريا في بنائها. وبالطبع فإنه لا يجري السكوت, فحسب, عن المحددات التاريخية لهذه التراكيب التي أنتجها البشر, بل ويجري تنسيبها إلي الدين, لتكتسب قداسته, وتستقر في الوعي وحتي اللاوعي كدين واجب الإتباع; وذلك هو الأصل في كل تلاعبات جماعات الإسلام السياسي.
ومن جهة أخري, فإن كون ما يجري وضعه في الدستور, من القواعد والمبادئ الحديثة ليس لها مثيل التاريخ المتجذر الطويل للموروث الكامن, فإن حضورها يكون هشا وقابلا للإطاحة به, عندما يثور بينهما أدني اختلاف. ولسوء الحظ, فإن ذلك يعني أن ما تنشأ الدساتير من أجل تحصينه والإعلاء من شأنه( من قبيل المساواة بين المواطنين وحظر التمييز بينهم بسبب الدين أو المذهب أو الجنس, وتثبيت مبدأ تداول السلطة والرقابة عليها, وإمكان محاسبة القائمين عليها, وغيرها من المبادئ التي بلغتها الإنسانية عبر مسار تطورها الطويل) سوف تكون موضوعا للتهديد, علي نحو كامل, بسبب ما يقوم إلي جوارها مما يفتح الباب واسعا أمام القفز علي كل ما تلزم به. وهكذا فإن أحدا لا يجادل في أنه سيتم النص, في الدستور, علي كل المبادئ العليا المنصوص عليها في الدساتير الحديثة, ولكن المجادلة تتعلق بأن ما سيقوم إلي جوارها, من تركيبات تراثية سوف يجعل منها مجرد إكسسوارات للتجمل والزينة, لا غير.
المزيد من مقالات د.على مبروك


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.