أثار فشل جماعتين مصريتين في الولاياتالمتحدةالأمريكية مؤخرا, جماعة28 فبراير والرابطة المصرية من أجل التغيير, في الحصول علي توقيعات أبناء الجالية المصرية بالولاياتالمتحدة علي بيان يطالب بالسماح لهم بالتصويت في الانتخابات, الجدل مجددا حول إمكانية تصويت المصريين بالخارج, ويرجع هذا الفشل إلي عدة أسباب منها علي سبيل المثال حصول معظم المصريين بالولاياتالمتحدة علي حق الاقامة الدائمة, ومن ثم السعي نحو الحصول علي الجنسية الامريكية مما يجعلهم مهتمين في الأساس بحياتهم الجديدة أكثر من ممارسة حقهم السياسي, الذي لايستطيع أن ينكره عليهم أحد. وعلي الرغم من وصول عدد الدول التي تسمح بالتصويت الخارجي إلي115 في عام2007(28 في افريقيا, و16 في الامريكتين, و20 في آسيا, و10 في منطقة المحيط الهادي, ومعظم الدول الاوروبية41 دولة). إلا أن الأمر في مصر مختلف إذ توجد فجوة بين من له حق المشاركة وبين الذي يشارك بالفعل, ففي الانتخابات الرئاسية2005 علي سبيل المثال شارك فيها23% فقط من33 مليون مصري لهم حق الانتخاب, كما أن حوالي5% فقط من عدد المصريين المقيمين بالخارج قاموا بتسجيل بياناتهم لدي السفارات المصرية بالخارج, بينما يبلغ العدد الكلي للمصريين في الخارج7,5 مليون مصري. ولاشك في ان الانتخابات من خارج الوطن, خاصة عندما تجري لعدد كبير نسبيا من السكان, تؤثر تأثيرا مهما علي العملية السياسية والانتخابية برمتها, لذا يجب أن يتم اتخاذ القرارات المتعلقة بتوفير الحق في الاقتراع في الخارج من عدمه, ووفقا لأي معايير وتحت أي ظروف, بعد التفكير الكافي في التبعات السياسية لقيام المواطنين بالخارج بالتصويت بشكل مؤثر جدا, وفي النتائج المتعلقة بالبنية التحتية والامور اللوجستية والأمن والموارد البشرية والمالية التي ستترتب بالنسبة لهيئة ادارة الانتخابات, وأي تعاون محتمل مطلوب من الدول المضيفة, فبدءا من الاطار القانوني وحتي آخر تفصيلة تنفيذية. وفور اتخاذ قرار بادماج الناخبين في الخارج في العملية الانتخابية, يجب التعامل مع هذا المكون المعقد في العملية الانتخابية بكل الاهتمام ومنحه كل الموارد اللازمة, وذلك حتي تقل احتمالات التأخير وسوء الادارة وحتي الفشل, فالعملية الانتخابية التي تجري تحت ضغط الموارد البشرية أو المالية أو بدون اشراف وشفافية قد تؤدي إلي اثارة ظلال من الشك علي العملية الانتخابية برمتها, ومن ثم تؤثر بشكل سلبي علي عملية انتخابية شفافة ومدارة جيدا داخل الدولة لولا هذا العامل. ومن حيث الإطار الدستوري والقانوني لتصويت المصريين, فقد أكدت القوانين المختلفة ضرورة بل وأحقية المصريين بالخارج في المشاركة السياسية بأنواعها المختلفة خاصة المشاركة الانتخابية, ترشيحا وانتخابا, ويأتي علي رأس هذه القوانين الدستور وقانون مباشرة الحقوق السياسية. أما الآليات التي يمكن عن طريقها تصويت المصريين بالخارج, فيمكن ذكر مايلي: أولا: استخدام مقار السفارات والقنصليات المصرية في الخارج لاقامة عدد من اللجان الانتخابية العامة والفرعية وتحدد مسئولية الاشراف تلك اللجان لأي من السفير أو القنصل العام بما في ذلك فرز الأصوات وارسال النتيجة إلي اللجنة المختصة. ثانيا: توفير بطاقات ابداء الرأي والتصويت داخل مقار السفارات والقنصليات المصرية في الخارج, وتوزع علي المواطنين المصريين علي أن ترسل بواسطة المواطن نفسه إلي اللجنة المختصة بالبريد. ثالثا: البريد كبديل لصناديق الاقتراع, فاذا سمحت الحكومة المصرية للناخبين المصريين خارج مصر بالانتخاب بواسطة البريد, وهو النظام المعمول به في جمهورية المانيا الاتحادية, وعن طريقه يتسني للناخبين الالمان داخل بلدهم وخارجه الادلاء بأصواتهم واختيار قيادتهم السياسية, من خلال تعبئة البطاقات الانتخابية وارسالها عبر البريد. والجدير بالقول أنه باستخدام طريقة التصويت والفرز آليا يستطيع الجميع أن يدلي بأصواتهم في أي عملية انتخابية, ولكن في ضوء المتاح لنا في مصر الآن فانه يمكن للجنة العليا المشرفة علي الانتخابات أن تتخذ طبقا للقانون من الاجراءات ماتراه مناسبا لتنظيم عملية الانتخابات حيث يمكن اجراء تصويت المصريين بالخارج قبل الداخل بعدة أيام, كما يحدث في الانتخابات العراقية والجزائرية وغيرها, فليس من العسير أن تنشأ صناديق الاقتراع في مقر السفارة المصرية أو القنصلية المصرية باعتبارها لجنة انتخابية بشرط أن يرأسها قاض أو أحد أعضاء الهيئات القضائية وتتبع بالنسبة لهم نفس الاجراءات المتبعة داخل مصر. وبمعني مغاير, تعتبر اللجان الموجودة بالسفارات والقنصليات المصرية في الخارج بمثابة لجان فرعية وامتداد للجان الموجودة داخل مصر, وبذلك لايحرم أي مواطن مصري خارج البلاد أو داخلها من الادلاء بصوته ومشاركته في مباشرة حقوقه السياسية. وفي النهاية, فان عملية تصويت المصريين بالخارج ممكنة إذا توفرت الرغبة السياسية والنوايا الحقيقية لدمج المصريين المغتربين في العملية السياسية, ومن ثم يجب علي الحكومة الأخذ بمحمل الجد الاسراع في استخدام التكنولوجيا الحديثة في العمليات الانتخابية, لانها سوف تحدث إن عاجلا أو آجلا, ورفع الوعي بأهمية المشاركة في الانتخابات علي المستوي الداخلي, وعلي وسائل الاعلام الخاصة والحكومية أن تلعب هذا الدور في هذا المجال, وانشاء صندوق لرعاية المصريين في الخارج يمول عن طريق رسوم تدفعها الجالية المصرية في الخارج, والذي يمكن استقطاع جزء من أمواله لعملية تصويت المصريين, واجراء حصر دوري شامل لاعداد ونوعيات المصريين المقيمين في الخارج حتي يكون لدينا قاعدة بيانات يمكن استخدامها في أي وقت, وأخيرا تقوية دور السفارات والهيئات الدبلوماسية التي تتابع أحوال المصريين في الخارج, فالسفارات تعتبر حلقة الوصل بين العاملين في الخارج وأوطانهم وعندما تفقد هذه الحلقة دورها فلا تسأل عن روح الانتماء.