دائما مايتردد بأن الدهشة هي محرك فعال في كثير من المجالات, وأنها مطلوبة لإحداث التغيير والانتقال من حال إلي حال.. فالدهشة هي التي تجعل الطفل يمد يده للأشياء الجديدة وغير المألوفة لديه; ربما يجذبه إليها لونها, حركتها, الصوت المنبعث منها فيتعلم معني وكنه الأشياء.. الدهشة هي التي تكسبنا معني الفرح والمرح لكل ماهو مختلف ثم التأمل في جدواه, ومعناه.. الدهشة هي الدافع لخلق أشياء أجمل وأفضل توازي لذة الاكتشاف التي أعقبت دهشتنا بتفاصيل أدت إلي خلق توتر الاكتشاف والسعي إليه.. نادرا ماتستكين الدهشة في قلب وعقل المتلقي, بل يعقبها كما أوضحنا تحرك نحو التعلم والاكتشاف.. وبذلك نستطيع الجزم والرهان دائما بإيجابية الدهشة التي تختلف بكل تأكيد عن الصدمة التي تكون مزلزلة, ومسببة للسكون اللحظي أو الممتد لفهم ماحدث, وغالبا مايصاحبها حزن وفقد, وأحيانا أمور كارثية, فالصدمة تبطئ الخطي أو تسبب العجز والشلل بينما تساعد الدهشة علي الحركة والاكتشاف.. فإذا قارنا ماتم توضيحه باستفاضة عن الصدمة والدهشة, وربطنا ذلك بأحوالنا فيما بعد الثورة, وعما إذا كانت الثورة قد سببت للمصريين صدمة أم دهشة..! نجد أن الثورة خلقت الدهشة لدي المصريين; تلك المصحوبة بالتأمل لأحوالنا قبل وبعد الثورة مباشرة, كذلك السعي لإثبات تطابق الصورة مع الحدث; أي صورة الذات( المصرية), وصورة المجتمع كله كمجتمع فاضل, راق, متمدن ليتماس ذلك في أيام سحرية مع جلال الحدث وهو( الثورة).. وخرجت الأبحاث, وتحركت الكاميرات, ووسائل الاعلام العالمية لترصد وتكتشف هذا الشعب; منابع قوته, نبله, صبره, ورغبته الأكيده في الحياة.. وكل ماحرك العالم تجاه ثورتنا فعل الاندهاش, وكيف قام هذا المارد بعد كل تلك الغفوة الطويلة.. ولكن ماذا حدث بعد ذلك..؟ جاءت الصدمة.. لقد تحطمت الدهشة حين أخرج المجتمع مافي جوفه من سخط وعصيان وسرقة ونهب وبلطجة وتذمر وأمراض مستعصية, تحطمت حين زهدنا في الثورة ورغبنا في جني المزيد من الثمار, حين نفضنا أيدينا من دم الشهداء ومن المشروعات القومية الكبيرة, وانشغلنا بكل ماهو ذاتي, وشخصي.. والآن نستطيع أن نجزم بأن دهشة العالم بثورتنا قد زالت وحلت محلها علامات استفهام كبيرة.. هذا العالم الذي رصد ثورتنا بكل تقدير, واستحسان مازال جالسا فاغرا فاهه من الاندهاش علي حالنا, وعلي ضياع طريقنا وانحرافنا عنه.. ولكن الوقت لم يفت بعد, فالمريض دائما عقب الرقاد الطويل من مرض عضال, وعندما يبلغ الدواء معدته يرغب في إفراغ مافي جوفه من شوائب وأدران.. ولكنه يهدأ بعد ذلك وتبدأ الحرارة في الهبوط, ويكف الجسد عن الفوران, وتعود هيئته قريبة من الشكل الطبيعي, وينسحب المرض ويشفي بإذن الله.. وقد مر وطننا بكل ذلك, وآن الأوان لنتعافي, ونهب إلي العمل والإنجاز ونترك تلك الأمراض والأدران, ولنعزل هؤلاء الذين مازال المرض باديا عليهم, وينال من قلوبهم وعقولهم, ولنتحرك لنأخذ مكاننا الطبيعي المرصود لنا لنؤكد صدق مقولتي سيلفيو برلسكوني رئيس وزراء إيطاليا عن مصر والمصريين بعد الثورة حين قال: لا جديد في مصر فقد صنع المصريون التاريخ كالعادة, وستولتنبرج رئيس وزراء النرويج: حين أيد الثورة بكل جوارحه قائلا: اليوم كلنا مصريون...