ليس بمقدور مصر الاستمرار في حالة الخلافات الراهنة, ولا إقصاء الآخر, ولا الحوار عبر المليونيات في الميادين المختلفة, لأن هذه المليونيات تقول لنا شيئا واحدا إن مصر بها تعددية في القوي السياسية. وأنه ليس هناك تماثل تام بين جميع المصريين, وأغلب الظن أن هذه المليونيات لن يتمكن أحد فيها من اقصاء الآخر تماما, لأن الآخرين لن يتبخروا في الهواء, بل سوف تظل الفصائل السياسية موجودة, تدافع عما تعتقد أنه في صالح الوطن, كما أن منطق التخوين أو التكفير لم يفلح في حسم أي صراع سياسي, أو دفع المصريين للانقضاض من حول هذا الزعيم السياسي أو ذاك. وتعلمنا التجربة التاريخية أن جماعات الاسلام السياسي ظلت موجودة رغم سنوات القهر والعنف ضدها, كما أن الاشتراكيين والناصريين والساداتيين والليبراليين وغيرهم ظلوا, وسوف يظلون في الساحة المصرية لسنوات طويلة قادمة. ..واذا كان ذلك صحيحا فإن الحكمة فضلا عن الواقع وضروراته تحتم تجاوز مرحلة التجاذبات والخلافات السياسية, والانطلاق إلي حوار جاد للخروج بصيغة المشاركة لا المغالبة, وأخذ مصالح الآخرين في الحسبان, ويبقي أن الإقصاء ليس حلا, والحوار وحده هو الكفيل بالخروج من الازمة السياسية. وإلا فإن العنف قادم لا محالة.