كتب :شريف الغمري يتفق خبراء اقتصاديون في العالم غربا وشرقا علي أن أفريقيا تسير الآن في طريق يطوي صفحة ماضيها كقارة متخلفة فقيرة متلقية للمساعدات من الخارج إلي قارة ناهضة وأنها ستصبح المنطقة القادمة في العالم المهيأة للصعود الاقتصادي, وهو ما سماه بعضهم الثورة الاقتصادية الأفريقية القادمة, وأن أفريقيا تعيد الآن بناء نفسها بنفسها, وتسير علي الطريق الذي سارت عليه الدول الآسيوية والتي نجحت خلال سنوات قليلة في رفع الملايين من سكانها من تحت خط الفقر. هذه المعلومات جاءت في كتاب صدر في أكتوبر الماضي بعنوان القصة وراء الثورة الاقتصادية الأفريقية وهو عبارة عن تجميع لمقالات عديدة تناولت هذا الموضوع وقام بنشرها مؤسسة النهضة وهي مؤسسة روسية لها نشاطات اقتصادية عالمية. ويقول ستيفن جننجيز المدير التنفيذي لهذه المؤسسة ان أفريقيا بدأت تشق طريقها الآن وأن النمو فيها يتسارع, وإذا استثنينا جنوب أفريقيا التي حققت تقدما من قبل, فإن بقية القارة تنمو بسرعة كبيرة الأن. ويعتقد جننجيز أن أفريقيا عرفت كيف تتبع طريق التنمية الاقتصادية الذي سبقتها إليه في السنوات الأخيرة دول مثل الصين والهند والبرازيل, وأن هذا التحول الجاري في أفريقيا, ويحدث بسرعة, لم يكن متوقعا حدوثه ولكنه يحدث بالفعل الآن وخلال فترة ليست طويلة سوف يكون مكان أفريقيا في العالم قد تغير بشكل كامل. وحسب التقديرات فإن جننجيز يعتقد أن نيجيريا علي سبيل المثال ستكون في عام2050 أكثر دول العالم من حيث عدد السكان وستكون ثروتها البشرية هي مصدر تقدمها باستغلال قدرات هؤلاء في النهوض بدولتهم وعبورها إلي مصاف الدول المنتجة المتقدمة. وهناك أيضا كينيا والتي تعاني من ارتفاع نسبة الوفيات بين الأطفال بشكل كبير, ولكنها نجحت في القضاء علي هذه الظاهرة الخطيرة في فترة قصيرة, وهو تحسن كان قد أخذ من الهند25 عاما لتحقيقه. أما أنجولا فقد كانت علي وشك إبرام اتفاق مع صندوق النقد الدولي عام2005 وقبل توقيع الإتفاق بالقرض الذي كانت ستحصل عليه قررت حكومة أنجولا إلغاء الإتفاق واستبداله بعرض آخر من الصين بقروض وائتمانات بقيمة5 مليارات دولار ودون أي شرط من الشروط التي كان يفرضها صندوق النقد الدولي, وزاد الإستثمار في أنجولا حتي أصبحت الآن أكبر مصدر للنفط إلي الصين مما أدي إلي إنتعاش الاقتصاد الأنجولي بعد أن كانت واحدة من أفقر دول القارة. ويرسم الكتاب صورة لإيقاع حركة الاقتصاد في أفريقيا مشيرا إلي أن الناتج المحلي الإجمالي في القارة كان قد ارتفع بنسبة4.9% في الفترة من عام2000 وحتي عام2008, ولم تكن المؤسسات الاقتصادية في العالم تستطيع أن تتجاهل هذه المؤشرات الأولية. ويشير تقرير صادر عن شركة جولدمان ساكس الأمريكية في مارس الماضي إلي أن القارة الأفريقية ستلعب دورا رئيسيا في حل مشكلة النقص العالمي في السلع الأساسية والمواد الغذائية وسيكون دورها أكبر من مجرد إمداد الدول الغنية بمواردها الطبيعية وذلك خلال صعودها فوق خط الاستهلاك الذي عاشت وعانت منه طويلا, وتشير التوقعات إلي أن القارة السمراء سيكون لديها أكبر قوة عاملة في العالم بحلول منتصف القرن الحادي والعشرين. ويقول الكتاب أن نقطة البداية في الثورة الإقتصادية الأفريقية كانت تركز علي ناحيتين, هما الأطفال والاقتصاد, فقد شعرت هذه الدول بأن الأطفال هم ثروة غالية يجب العناية بها لأنهم بعد سنوات قليلة سيصبحون عنصرا رئيسيا في المشاركة في التقدم الإقتصادي. كثير من الخبراء الاقتصاديين في العالم يراقبون التطورات الجارية في أفريقيا باهتمام, وعلي سبيل المثال فقد كانت مجلة الإيكونومست البريطانية قد نشرت موضوعا عام2000 بعنوان قارة بلا أمل, وصفت فيه حال الدول الأفريقية في ذلك الوقت ما بين فيضانات في موزمبيق ومجاعة في أثيوبيا وعنف وقتل جماعي في أوغندا وفوضي في سيراليون بأنه يبعث علي اليأس مشيرة إلي أن الألفية الثالثة جلبت كوارث إلي القارة وأنه لا أمل في أي نمو أو تقدم لهذه الدول أو لشعوبها, وتساءل الموضوع هل هذا الخلل الذي تعيشه القارة السمراء هو طابع أصيل بها وهو ما سيبقيها إلي الأبد متخلفة وغير قادرة علي التنمية, لكن لهجة معالجة المجلة للأوضاع الأفريقية اختلفت الآن تماما. وهم يرون الآن أن أفريقيا بشكل عام تتغير وبسرعة, وبعد أن كانت تعتمد علي المساعدات الخارجية وتصدير المواد الأولية إلي الدول الأخري فإنها غيرت أولوياتها كي تركز علي الإنتاج والتصدير والاهتمام بالعنصر البشري حيث التعليم والصحة والتدريب ورفع المهارات, لأن هؤلاء البشر هم الذين يقودون عملية التقدم الاقتصادي. وحسب تقرير صادر عن إعلان باريس لفاعلية المساعدات المقدمة إلي أفريقيا والذي صدر في عام2005, فإن المساعدات الإنسانية المقدمة من الدول الخارجية إلي القارة لم تحقق سوي نتائج قليلة وأنه لابد من أن تعيد الدول الأفريقية من جانبها أولوياتها بنفسها وتركز علي قدراتها الذاتية في توفير احتياجاتها بشكل أساسي دون أن تكون هذه المساعدات هي الأساس في أولوية برامجها الاقتصادية الداخلية.