اختار مهرجان القاهرة السينمائي الدولي في دورته الخامسة والثلاثين تكريم واحد من أهم أعمدة البناءين في مجال هندسة الديكور في مصر وهو الفنان' أنسي أبو سيف' الذي أعطي الفن علي مدار45 سنه, عمل خلالها مع جميع المخرجين الكبار, وقدم أفلاما تعد علامات بارزة في تاريخ السينما المصرية, الأهرام التقته في هذا الحوار.. تكريمك من مهرجان القاهرة السينمائي هذا العام ماذا يمثل لك ؟ دعني أولا أشكر جميع العاملين في المهرجان لإصرارهم علي إقامة هذه الدورة التي تمثل تحديا كبيرا بالنسبة للمهتمين بالحقل السينمائي, خاصة أنها تأتي وسط ظروف غاية في الصعوبة وحالة تربص بالفن عموما, لذلك أعتقد أن إقامة الدورة يعتبر خطوة علي طريق الاعتراف بأهمية وجود صناعة السينما في مصر, والتي بدأت منذ أكثر من مائة عام, أما التكريم بالنسبة لي يعتبر من أهم المحطات في حياتي خاصة أن أكرم وأنا مازلت علي قيد الحياة من مهرجان بلدي الذي هو أعرق مهرجان في منطقة الشرق الأوسط, فعلا إنها لحظات جميلة وشعور غير عادي المشاهد العادي ينظر لمكونات الفيلم علي أنه ممثل ومخرج وينسي الديكور.. تري ما السبب ؟ صناعة السينما أشبه بعمل' تورته' لها مكونات ويبذل فيها جهد كبير, لكن التركيز يتم في الشكل الخارجي لها وعلي حبة الكريزة التي تجذب العين, لكن في نفس الوقت لو نظرنا لصناعة الفيلم بشكل صحيح سنجد أن الديكور واحدا من أهم العناصر المؤثرة علي الشاشة, فمثلا: استخدام الألوان لم يتم بشكل عشوائي لكنه يتم علي أسس فنية ونفسية تستطيع عمل تفسير بصري تضيف للمشهد الموجود علي الشاشة أبعادا مختلفة دون وجود حوار. ما هي أهم الصفات التي يجب توفرها في مهندس الديكور؟ مهندس الديكور هو إنسان لدية قدرة علي الإبداع, ونقل الواقع بشكل مبسط يستطيع من خلاله توصيل رسالة الفيلم للمشاهد الجالس أمام الشاشة, لذلك لابد أن يكون علي جانب من الثقافة والمعرفة بالمجتمع الذي يعيش فيه, ويكون لديه قدرة علي الإبتكار حتي لا يكرر نفسه, وفي نفس الوقت لابد أن يمتلك ذاكرة بصرية لجميع الأماكن التي وقعت عليها عيناه, فعلي سبيل المثال: من حسن حظي أن أول أفلامي كان بعنوان' يوميات نائب في الأرياف' قصة توفيق الحكيم, وإخراج توفيق صالح, وعندما قرأت السيناريو وجدت معان كامنه بين السطور فكنت أمام تحد من نوع خاص, أولا: كيف أعبر عن الصراع والفارق الطبقي بين الشخصيات وثانيا: كيف أستخدم العناصر الواقعية للتعبير عن شكل العلاقة بين السلطة والشعب, هنا استدعيت الذاكرة البصرية منذ كنت طفلا صغيرا في الصعيد, وكيف كانت شكل البيوت هناك والفارق بين دوار العمدة والبيوت الأخري, أما المحكمة فكانت لما قرأته بين السطور وأردت التعبير عنه, لذلك عملت علي أن تكون ضيقة وأن تكون المنصة التي يجلس بها القضاة صغيرة للغاية, وصممت قفص الاتهام ليكون أعلي من منصة القاضي وهو ما يعطي دلالة بصرية بأن هذا المكان موجود لخنق العدالة, وأن الأدوار لابد أن تتبدل فيقف الشعب مكان المحققين والعكس, وأن هناك مسافة بين القضاء وبين قوي الشعب الكادحة, ومن هنا أيضا عملت علي إيجاد توازن بين الكتلة والفراغ داخل المكان. هناك اتهام بأن بعض أفلامك متشابهة.. ما السبب ؟ عندما يعرض علي سيناريو أسأل نفسي سؤالا مهما: هل أستطيع أن أقدم شيئا جديدا في هذا العمل أم لا ؟ لذلك لا أكرر نفسي مطلقا فعندما قدمت الحارة المصرية في فيلم' الكيت كات' مع المخرج داود عبدالسيد ونجح الفيلم نجاحا باهرا فوجئت بأن كل مخرج لديه فيلم به حارة أو حي عشوائي يرسل لي السيناريو علي أساس أني نجحت في بناء حارة فلم أتعب في بناء حارة جديدة مما يجعلني أسير بشكل نمطي, لذلك رفضتها جميعا لأني لم أستطع أن أقدم جديدا, وعندما جاءني سيناريو' إبراهيم الأبيض' وجدت أنها حارة فرفضت لكن جاءني المخرج مروان حامد وطلب مني إعادة قراءة السيناريو, وتحدث عن وجهة نظرة وبالفعل وجدت أن المكان هو حارة لكن البطل مختلف فهو يتحكم في كل سكان الحارة نظرا لقوته وعندما وجدت أن هناك جبلا في السيناريو طرحت وجهة نظري بأن يسكن البطل فوق الجبل حتي يكون هناك فارق في المقامات بينه وبين رجاله, لذلك وافقت علي الفيلم وخرج بشكل جيد. من وجهة نظرك ما هو الأصعب: هندسة الديكور؟ أم تنسيق المناظر ؟ مهندس الديكور هو القائد وهو المبدع في الاثنين, لكن الفارق بين العملين كبيرلأن الديكور يبني داخل الاستوديو, ويأخذ مجهودا جبارا ويتم حسابه بدقة متناهيه أستطيع معه أن أعبر عما أريده كما يدور في رأسي, وأتحكم في الألوان والحوائط, وأستطيع التحكم في الكتلة والفراغ واستغلال كل الإمكانات المتاحة, أما منسق المناظر فمعظم شغله خارجي, ويكون محدودا بالطبيعة المتواجد فيها, لكن هناك بعض الأعمال تحتاج لعمل شاق كما حدث في مسلسل' الجماعة'. من هو المخرج الذي تجد معه الراحة في العمل ؟ عملت مع معظم المخرجين الكبار منذ بدايتي وحتي الآن وجميعهم ممتازون ويتفهمون طبيعة عمل الديكور, لكن هناك كيمياء حرارية بيني وبين' داود عبدالسيد' فنحن الاثنين دفعة67, والتي تخرجت أثناء النكسة لكنها أخذت علي عاتقها الدفاع عن الفن في السبعينيات, وقد كان معنا عدد كبير من المخرجين أمثال' محمد خان وخيري بشارة وعاطف الطيب و يسري نصرالله وسمير سيف' لكن لو دققت النظر تجد أن كل هؤلاء المخرجين يعملون مع مؤلفين إلا' داود' فهو يكتب لنفسه لأنه شاعر يرسم الكلمات بريشة فنان, ونحن أصدقاء وبيننا مساحة من الأفكار المشتركة, لذلك عندما يكون عنده سيناريو نظل نتشاور ونتحاور إلي أن نصل إلي الشكل النهائي ونخرج من الفيلم سعداء.